الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال في موضع آخر في معرض كلامه على قوله صلى الله عليه وسلم «لوجدتني عنده» : "ولا يجوز أن يُتعدَّى في هذه الأحاديث ونحوها ما وردت به السنة، لأنها من أحاديث الصفات التي لا يجوز تأويلها بما ينافي مقتضاها، نسأل الله تعالى العصمة والعافية من التأويل والتعطيل والتحريف والتكييف والتبديل"(1).
وهذا التوحيد أجل المعارف لأنه معرفة الله بأسمائه وصفاته، وعلى هذه المعرفة تبنى العبادة، فإذا لم يعرف العبد ربه فكيف يعبده؟ كيف يعبد إلهاً يجهله؟ لذا استفاضت الأدلة بذكره والتنويه به لأنه كلما كان الأمر مهماً كثر إيضاحه وبيانه.
المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الأسماء والصفات:
1 - إثبات الصفات مع نفي العلم بالكيفية:
قرر جمال الدين السرمري رحمه الله إثبات الصفات وإمرارها كما جاءت بلا كيف، وأنه لا تلازم بين إثبات الصفات وبين تكييفها، وقد أولى هذه المسألة اهتماماً كبيراً، إذ أكد عليها في مواضع متعددة فقال:
"وينزل لا تكييف لي في نزوله
…
تعالى سما الدنيا يقول سلو سَتري
وذلك إذ يبقى من الليل ثلثه
…
كذلك حتى يُفصل الليل بالفجرِ
وربي كما قد جاء في قوله استوى
…
على العرش أما كيف ذاك فلا أدري
ومذهبنا لا كيف لا مثل لا لما
…
بالاقرار والإمرار من غير ما فسرِ" (2).
(1) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 124.
(2)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 31.
وقال في موضع آخر:
"وإن أحاديث الصفات وآيُها
…
تمر كمر السحب من غير ما نشر
وما جاء عن القرآن أوضح نقله
…
عن السيد المختار من ناقلي الأثر
تلقته منَّا بالقبول قلوبنا
…
وذلّت له الأسماع في العُسر واليسر" (1).
وما قرره جمال الدين السرمري رحمه الله هو منهج أهل السنة والجماعة في هذا الباب.
قال سفيان بن عيينة: "سئل ربيعة عن قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ المبين، وعلينا التصديق"(2).
وروي هذا الكلام بنحوه عن الإمام مالك، واشتهر عنه فعن جعفر بن عبدالله قال:"جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبدالله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كيف استوى؟ قال " فما رأيت مالكاً وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرحضاء -يعنى
العرق- قال: واطرق القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتى منه فيه، قال: فسُرِّي عن مالك فقال: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فإني أخاف أن تكون ضالاً وأمر به فأخرج" (3).
قال الإمام الذهبي عقبه: "هذا ثابت عن مالك، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك، وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به، لا نعمق ولا نتحذلق ولا نخوض في لوزام ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له
(1) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 32.
(2)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص 442، للإمام اللالكائي.
(3)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ص 441، للإمام اللالكائي.
في صفاته ولا في استوائه ولا في نزوله، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً" (1).
وقال الحافظ أبو القاسم التيمي: "وإثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية فكذلك إثبات الصفات
…
وعلى هذا مضى السلف" (2).
وقال الوليد بن مسلم: "سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات، فقالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف"(3).
قال شيخ الإسلام: "فقولهم رضي الله عنهم: (أمروها كما جاءت) رد على المعطلة، وقولهم:(بلا كيف) رد على الممثلة
…
-إلى أن قال: - فقول ربيعة ومالك: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب موافق لقول الباقين: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة.
ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه - على ما يليق بالله - لما قالوا:
الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ولما قالوا: أمروها كما جاءت بلا كيف، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم.
وأيضاً: فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ المعنى؛ وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات.
وأيضاً: فإن من ينفي الصفات الخبرية - أو الصفات مطلقاً - لا يحتاج إلى أن يقول بلا كيف، فمن قال: إن الله ليس على العرش، لا يحتاج أن يقول بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف.
وأيضاً: فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ماهي عليه، فإنها جاءت
(1) العلو للعلي الغفار ص 139، للإمام الذهبي، تحقيق: أشرف بن عبدالمقصود، الطبعة الأولى 1995 م، مكتبة أضواء السلف، الرياض.
(2)
الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة (1/ 166 - 163)، لأبي القاسم التيمي، تحقيق: محمد بن ربيع المدخلي، 1419، دار الراية، الرياض.
(3)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/ 149).