الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: منهجه في الاستدلال بالسنة النبوية:
سبق أن السنة هي أحد مصادر التشريع وهي مصدر من مصادر التلقي عند جمال الدين السرمري رحمه الله، وقد سار رحمه الله على معالم واضحه في تقرير استدلاله بالسنة النبوية، فمن ذلك:
المسألة الأولى: الإكثار من الاستدلال بنصوص السنة:
حتى إنه رحمه الله يحشد في الموضع الواحد عدة آحاديث مقرراً ما يتعلق بها من مباحث، وما ذاك إلا لسعة علمه، واعتصامه بالسنة النبوية.
ومن أمثلة ذلك ما ساقه عند الكلام على فضل المنيحة (1) وعِظَم أجرها فقال: "روى أبو سعيد رضي الله عنه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن الهجرة فقال:«ويحك الهجرة شأنها شديد، فهل لك من إبل» قال: نعم، قال:«فتعطي صدقتَها» قال: نعم، قال:«فهل تمنحُ منها» قال: نعم، قال:«فتحلبُها يومَ ورودها» قال: نعم، قال:«فاعملْ من وراءِ البحار، فإن الله تعالى لن يَتِرَك من عملك شيئاً» متفق عليه.
ومنها عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نعمَ الصدقةُ اللقحةُ الصَّفِيُّ مِنْحَةً، والشاةُ الصفيُّ مِنْحَةً، تغدو بإناء، وتروح بإناء» أخرجه البخاري.
ومنها عن كُدير الضبِّي: أن رجلاً أعرابيًّا أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني بعلمٍ يُقرِّبني من طاعتهِ ويُباعدني من النار، قال:«أوَ تعملُ بما أعلمناك» ، قال: نعم، قال:«تقولُ العدلَ، وتُعطي الفضلَ» ، قال: والله ما أستطيعُ أن أقولَ العدلَ كلَّ ساعة، وما أستطيعُ أن أعطيَ فضلَ مالي، قال:«فتُطعم الطعام، وتُفشي السلام» ، قال: هذه شديدةٌ، قال:«فهل لكَ من إبل» ،
قال: نعم، قال: «فانظر بعيراً من إبلِكَ وسِقاء، ثم اعمدْ إلى أبياتٍ لا يشربونَ الماءَ إلا غِبًّا،
(1) المنيحة المقصودة هنا: هي أن يمنح الرجلُ صاحبَه شاةً أو ناقةً ينتفع بلبنها ووَبَرها زماناً ثم يردّها. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 798)، تحقيق: طاهر الزاوي - محمود الطناحي، 1399، المكتبة العلمية، بيروت.
فلعلَّكَ أن لا يهلِكَ بعيرُك، ولا يَنخرِقُ سِقاؤك، حتى تجبَ لك الجنة» قال: فانطلق الأعرابي يكبِّر، قال: فما تخرَّق سِقاؤه، ولا هَلَك بعيرُهُ حتى قُتِلَ شهيداً؛ أخرجه عبدالرزاق بن همام في جامعه عن معمر عن أبي إسحاق عن كُدير.
ومنها عن البراء رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: دُلَّني على عمل يقرِّبني من الجنةِ ويُباعدني من النار، قال:«لئن كنتَ أقصرتَ الخُطبةَ لقد أعرضْتَ المسألة، أعتق النَّسَمة، وفُكَّ الرَّقَبة» قال: يا رسول الله، أو ليستا واحدة، قال:«لا عِتقُ النسمة أن تفرد بعتقها، وفكُّ الرقبةِ أن تعينَ في ثمنها، والمِنْحَةُ الوكوفُ، والفيءُ على ذي الرَّحِمِ الظالم، فإن لم تُطِق ذلك فكفَّ لسانك إلا من خير» رواه الدارقطني في سننه.
ومنها عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغُ به النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ألا رجلٌ يمنح أهل بيتٍ ناقةً تغدو بعُس وتروح بعُس، إن أجرَها لعظيم» أخرجه مسلم.
ومنها عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون أيُّ الصدقةِ أفضل» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:«المنيحةُ: أن تمنحَ أخاكَ الدرهمَ، أو ظهرَ الدابَّةِ، أو لبنَ الشاة، أو لبنَ البقرة» رواه الإمام أحمد في المسند " (1).
وقال في موضع آخر عند الكلام على حفظ اللسان والفرج: "عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من توكَّل لي ما بين لحييه وما بين رجليه توكلتُ له بالجنة» أخرجه البخاري، وفي رواية:«من يضمن لي» وفيها: «أضمن له»
…
وقد جاء الحديث: «طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه»
…
وفي حديث وصيَّة النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه: «احفظ عليك لسانك» وفيه: «وهل يكبُّ الناسَ على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم»
…
وقد جاء الحديث:
«احفظ فرجك إلا ما ملكت يمينُك أو من زوجتك» أو كما جاء، وفي الحديث أيضاً:«أكثر ما يُدخلُ الناسَ النارَ الأجوفان: البطنُ والفرج» " (2).
(1) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، 18 - 22.
(2)
الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 52 - 53.