الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - مسائل تنافي توحيد الألوهية:
تعرض جمال الدين السرمري رحمه الله لبعض المسائل التي تنافي أصل توحيد الألوهية، أو تنافي كماله، مفصلاً في بعضها، ومكتفياً بذكر الأدلة في أكثرها.
أ- الطيرة:
- مفهوم الطيرة:
قال النووي رحمه الله: "الطيرة: فبكسر الطاء وفتح الياء على وزن العنبة، هذا هو الصحيح المعروف في رواية الحديث وكتب اللغة والغريب
…
والتطير: التشاؤم، وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي، وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوراح (1)، فينفرون الظباء والطيور، فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به، ومضوا في سفرهم وحوائجهم، وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم، وتشاءموا بها، فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم، فنفى الشرع ذلك وأبطله، ونهى عنه، وأخبر أنه ليس له تأثير بنفع ولا ضر" (2).
وقال ابن عبدالبر: "أصل التطير واشتقاقه عند أهل العلم باللغة والسير والأخبار هو: مأخوذ من زجر الطير، ومروره سانحاً أو بارحاً، منه اشتقوا التطير، ثم استعلموا ذلك في كل شيء من الحيوان وغير الحيوان، فتطيروا من الأعور والأعضب والأبتر
…
" (3).
- حكم الطيرة:
قرر جمال الدين السرمري رحمه الله أن الطيرة محرمة، وأجاب عن الإشكال فيما جاء عن أبي هريرة وفيما جاء عن أنس رضي الله عنهما في صحة الطيرة، يقول جمال الدين السرمري
(1) السانح: ما ولاك ميامنه، والبارح: ما ولاك مياسره. الصحاح في اللغة (1/ 400).
(2)
شرح صحيح مسلم (14/ 382)، للإمام النووي، إعداد: علي عبدالحميد أبو الخير، الطبعة الخامسة 1420، دار الخير، بيروت.
(3)
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (9/ 282)، لابن عبدالبر، تحقيق: مصطفى العلوي ومحمد البكري، مؤسسة قرطبة.
رحمه الله في سياق حديثه على النهي عن اعتقاد العدوى: "وكذلك الطيرة التي هي قرينة العدوى
…
وممن روى: «لا طيرة» ابن عباس، وأنس، وأبو هريرة، وغيرهم؛ وعن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أرجعته الطيرة من حاجة فقد أشرك» قالوا: فما كفارة ذلك يا نبي الله؟ قال: «أن يقول أحدهم: اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك، ثم يمضي في حاجته»
…
وأما ما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الطيرة في ثلاث: في الدار والمرأة والفرس» ، فالجواب عنه: أن عائشة رضي الله عنها طعنت عليه وبيَّنت تثبيت الحديث، وذنك أنها ذُكر لها قول أبي هريرة، فقالت: لم يحفظ أبو هريرة، ودخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«قاتل الله اليهود، يزعمون أن الشؤم في الدار والمرأة والفرس» فسمع أبو هريرة آخر الحديث ولم يسمع أوله، وفي رواية: أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الطيرة في ثلاث: في الدار والمرأة والفرس» فغضبت عائشة رضي الله عنها غضباً شديداً، وقالت: والذي أنزل القرآن على أبي القاسم ما قاله، إنما قال:«أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك» ؛ فقد بينت عائشة وجه الحديث وسببه، وأن ذلك من قول اليهود والجاهلية، وبينت أن أبا هريرة لم يسمع أول الحديث.
وقد تأول قوم حديث أبي هريرة في أن الشؤم في المرأة إذا كانت لا تلد أو سيئة الخلق، وفي
الدار إذا كانت بعيد عن المسجد أو ضيقة وجيرانها جيران سوء، وفي الدابة إذا كانت تعضُّ أو ترفس أو كانت مربوطة للفخر والخيلاء، كما جاء في الحديث:«الخيل ثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر، فأما الذي عليه وزر فرجل ربطها فخراً ورياءً وبطراً لأهل الإسلام فهي له وزر» وأعظم الشؤم ما جرَّ لصاحبه الوزر، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«من سعادة المرء: المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح، ومن شقوة المرء: المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء» .
فأما ما روى أنس أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إنا نزلنا داراً فكثر فيها عددنا وكثرت فيها أموالنا، ثم تحولنا عنها إلى أخرى، فقلَّت فيها أموالنا، وقل فيها عددنا، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فذروها ذميمة» ، فالجواب: أنه قال لهم: «فذروها ذميمة» لما كان استقر في أنفسهم في زمان الجاهلية من شؤم الدار، فأمرهم بالنقلة عنها ليزول ما توهموه في قلوبهم من أن الشؤم في المسكن وما لحقهم من الاستيحاش فيها، والتثاقل بها، يستعجلوا الراحة ويزول عنهم توقع البلاء الذي قد استشعروه من نزول الحوائج، وإن لم يكن لذلك في الحقيقة أصل، ولئلا يعتقدوا التشاؤم بالدار، ويفهم من قوله:«فذروها ذميمة» وعدم التصريح لهم والتعريف بذكر الشؤم أن ذلك قد كان قدَّره لهم بقوله: «لا عدوى ولا طيرة» ، وكان سؤال السائل في ذلك على سبيل الاستفهام لما أشكل عليه وقوع النقص بسكن الدار الثانية دون الأولى
…
وقال لصاحب الدار: «فذروها ذميمة» خوفاً عليه أن يقوى وهمه باستمرار النقص عليه بالمقام بها، فيؤدي ذلك إلى سوء اعتقاده فيما أخبره به أولاً أنه لا عدوى ولاطيرة" (1).
وما قرره جمال الدين السرمري رحمه الله من تحريم التطير هو منهج أهل السنة والجماعة في هذا الباب.
قال ابن عبدالبر: "من تطير فقد أثم، وإثمه على نفسه في تطيره لترك التوكل وصريح الإيمان، لأنه يكون ما تطير به على نفسه في الحقيقة، لأنه لا طيرة حقيقة ولا شيء إلا ما شاء
الله في سابق علمه، والذي أقول به في هذا الباب تسليم الأمر لله عز وجل وترك القطع على الله بالشؤم في شيء
…
قال الله تبارك اسمه: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51] وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22] فما قد خط في اللوح المحفوظ لم يكن منه بد، وليست البقاع ولا الأنفس بصانعة شيئاً من ذلك
…
" (2).
وقال ابن القيم رحمه الله: "فالطيرة باب من الشرك، وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته
(1) كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون، ص 50 - 66.
(2)
التمهيد (9/ 285).