الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر أصل من أصول الإيمان التي لا يصح إيمان عبد إلا بتحقيقه، كما دل على ذلك الكتاب والسنة، قال تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: من الآية 177]، وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62]، وقال تعالى:{ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة: من الآية 232]، وقال تعالى:{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: من الآية 39]، وقال صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل:«الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره» (1)، والنصوص في ذلك كثيرة.
ويجب الإيمان باليوم الآخر جملة وتفصيلاً، فيجب الإيمان بكل ما ورد في الكتاب والسنة من التفصيلات المتعلقة باليوم الآخر، من حياة البرزخ، والنفخ في الصور، والبعث، والحشر،
والميزان، والحوض، والصراط، والجنة والنار، والشفاعة، ورؤية المؤمنين لربهم.
وقد تطرق جمال الدين السرمري رحمه الله لهذه المسائل، وفيما يلي تقسيم لهذه المسائل وعرض لها بمشيئة الله تعالى.
المطلب الأول: حياة البرزخ:
البرزخ: هو الحائل بين الشيئين، ومنه قوله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 19 - 20] والمراد به هنا: الفترة من وقت الموت إلى القيامة، فهي برزخ
(1) تقدم تخريجه ، انظر: ص 184.
بين الدنيا والآخرة (1)، قال تعالى:{وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: من الآية 100].
ومن أصول مذهب أهل السنة والجماعة، ولوازم الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بما يحصل في حياة البرزخ.
وقد أشار الإمام جمال الدين السرمري إلى هذه الحياة، ونص على ما ورد فيها من ضمة القبر، وتسمية الملكين اللذين يسألان العبد في القبر أنهما منكر ونكير، وأنه يستثنى من هذا السؤال الرسل عليهم السلام.
فقال في منظومته في الاعتقاد:
"وموت الورى حق ومن بعد بعثهم
…
وبينهما لا شك في عصرة القبر
ويسألهم فيه نكير ومنكر
…
عدا الرسل أرجوا الله يلهمني عذري" (2).
وما أشار إليه الإمام جمال الدين السرمري من إثبات حياة البرزخ وما يحصل فيها هو مذهب أهل السنة والجماعة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "مذهب سائر المسلمين بل وسائر أهل الملل إثبات (القيامة الكبرى) وقيام الناس من قبورهم والثواب والعقاب هناك، وإثبات الثواب والعقاب في البرزخ -مابين الموت إلى يوم القيامة- هذا قول السلف قاطبة وأهل السنة والجماعة، وإنما أنكر ذلك في البرزخ قليل من أهل البدع، لكن من أهل الكلام من يقول: هذا إنما يكون على البدن فقط كأنه ليس عنده نفس تفارق البدن، كقول من يقول ذلك من المعتزلة والأشعرية، ومنهم من يقول: بل هو على النفس فقط بناء على أنه ليس في البرزخ عذاب على البدن ولا نعيم كما يقول ذلك ابن مسرة وابن حزم، ومنهم من يقول: بل البدن ينعم ويعذب بلا حياة فيه كما
(1) انظر: معجم مقاييس اللغة (1/ 333)؛ لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية (2/ 4)، لشمس الدين السفاريني، الطبعة الثانية 1402، مؤسسة الخافقين ومكتبتها، دمشق؛ إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد، لصالح الفوزان، الطبعة الثالثة 1423، مؤسسة الرسالة.
(2)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 38.
قاله طائفة من أهل الحديث وابن الزاغوني يميل إلى هذا في مصنفه في حياة الأنبياء في قبورهم وقد بسط الكلام على هذا في مواضع، والمقصود هنا: أن كثيراً من أهل الكلام ينكر أن يكون للنفس وجود بعد الموت ولا ثواب ولا عقاب ويزعمون أنه لم يدل على ذلك القرآن والحديث كما أن أن الذين أنكروا عذاب القبر والبرزخ مطلقاً زعموا أنه لم يدل على ذلك القرآن وهو غلط، بل القرآن قد بين في غير موضع بقاء النفس بعد فراق البدن وبيَّن النعيم والعذاب في البرزخ
…
" (1).
وقد أنكر بعض المعتزلة وغيرهم سؤال الملكين، قال التفتازاني:"اتفق الإسلاميون على حقيقة سؤال منكر ونكير في القبر وعذاب الكفار وبعض العصاة فيه ونسب خلافه إلى بعض المعتزلة قال بعض المتأخرين منهم حكي إنكار ذلك عن ضرار بن عمرو وإنما نسب إلى المعتزلة وهم براء منه لمخالطة ضرار إياهم وتبعه قوم من السفهاء المعاندين للحق"(2).
أما قول جمال الدين السرمري: " وبينهما لا شك في عصرة القبر"(3)، فصحيح موافق لما ثبت في النصوص، وعصرة القبر هي: هي أول ما يلاقيه الميت حين يوضع في قبره، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن للقبر ضغطة، ولو كان أحد ناجياً منها نجا منها سعد بن
معاذ» (4)، وقد علق الألباني على هذا الحديث في الصحيحة (1695) فقال:"وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح بلا ريب، فنسأل الله تعالى أن يهون علينا ضغطة القبر إنه نعم المجيب"(5).
وأما قول جمال الدين السرمري أنه يستثنى الرسلُ عليهم السلام من فتنة القبر وسؤال الملكين، فلعل ما ذهب إليه السرمري هو الظاهر في المسألة، ويدل على ذلك الأحاديث
(1) مجموع الفتاوى (4/ 262).
(2)
شرح المقاصد في علم الكلام (2/ 220).
(3)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 38.
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (40/ 327) ح 24283، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، الطبعة الثانية 1420، مؤسسة الرسالة.
(5)
سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/ 271).