الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما من ينفي من العلماء صحة الإجماع أصلاً على ذلك، كابن حزم (1) وابن الوزير (2)
والشوكاني (3) وغيرهم، فمنزع قول أكثرهم مبني على مسألة أصولية، إذ لا يثبتون الإجماع الذي يقع بعد الخلاف، والله أعلم.
المطلب الثاني: موقف المخالفين لأهل السنة في مسألة الإمامة:
لم يكن إدخال العلماء هذه المسألة في صلب مسائل العقيدة، أو الإسهاب في الحديث عنها عبثاً، بل إن مما دعاهم إلى ذلك ما جنح إليه بعض أهل الأهواء والبدع من التخبط والانحراف في هذا الأصل العظيم، حتى صار ضلالهم فيه من الأصول التي يتفقون عليها في الغالب.
ومن أبرز الفرق التي خالفت أهل السنة في هذه المسألة: الخوارج، والمعتزلة، والرافضة.
والفرقة التي أشار إليه جمال الدين السرمري من بين هذه الفرق هي الخوارج وأشار إلى جانب من انحرافهم فيما يتعلق بهذا الأصل بكونهم أوجبوا الخروج على الإمام (4).
أما المعتزلة: فإن من أصولهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن المعاني التي ستروها تحت مسمى هذا الأصل، الخروج على الولاة إذا خالفوهم فيما ذهبوا إليه.
قال أبو الحسن الأشعري: " فقالت المعتزلة: إذا كنا جماعة وكان الغالب عندنا أنا نكفي مخالفينا، عقدنا للإمام، ونهضنا فقتلنا السلطان وأزلناه وأخذنا الناس بالانقياد لقولنا، فإن دخلوا في قولنا الذى هو التوحيد وفى قولنا في القدر وإلا قتلناهم، وأوجبوا على الناس الخروج على
(1) مراتب الإجماع، ص 178.
(2)
انظر: العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم (8/ 76)، لابن الوزير، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الطبعة الثالثة 1415، مؤسسة الرسالة، بيروت.
(3)
انظر: نيل الأوطار (7/ 208)، لمحمد بن علي الشوكاني، تحقيق: عصام الدين الضابطي، الطبعة الأولى 1413، دار الحديث، مصر.
(4)
الفرق بين الفرق، ص 55.
السلطان على الإمكان والقدرة إذا أمكنهم ذلك وقدروا عليه" (1).
وأما جمهور الرافضة فمخالفتهم لأهل السنة في هذا الأصل من وجوه متعددة منها على سبيل المثال: أنهم جعلوا الإمامة أحد أركان الإيمان بل هي أفضل هذه الأركان، وأهم المطالب
في أحكام الدين وأشرف مسائل المسلمين.
وأيضاً القول بعصمة الأئمة، وأن الإمامة نص من الله لا تكون إلا في المنصوص عليهم أو من ينوبنهم، وما سواهم فمغتصب يجب الخروج عليه، وإزالته بالقوة كائناً من كان (2).
والذي يهمنا هنا من هذه الطوائف الثلاث: فرقة الخوارج، لأن الإمام جمال الدين السرمري قد تناولها بالإشارة والحديث من بين هذه الطوائف، واكتفى في الرد عليهم بإيراد بعض النصوص الدالة على الحث على قتالهم بسبب خروجهم على الإمام، فقال في كتابه إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة: "فصل في قتال الخوارج والبغاة.
قال علي رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج قوم في آخر الزمان حُدَّاث الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قلتهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة» متفق عليه.
وقال: «يكون من أمتي فرقتين فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلَهم أولاهما بالحق» .
وفي لفظ: «تمرق مارقة عند فُرقة من المسلمين يقتُلُها أولى الطائفتين بالحق» رواهما أحمد ومسلم.
وقال: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة فمات فميتته جاهلية» متفق عليه.
وقال: «من أتاكم وأمرُكم جميعٌ على رجل، يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم
(1) مقالات الإسلاميين، ص 466.
(2)
منهج الإمام ابن بطة في تقرير عقيدة السلف والرد على أهل الأهواء والبدع (2/ 691)، د. حمد بن عبدالمحسن التويجري.
فاقتلوه» رواه أحمد ومسلم.
وقال: «من حمل علينا السلاح فليس منا» رواه أحمد" (1).
ومذهب الخوارج على الأئمة إذا ظلموا وجاروا مبني على مذهبهم في حكم مرتكب
الكبيرة، حيث كفروه بذلك.
فيرد عليهم في مسألة الإمامة بنقض قولهم في حكم مرتكب الكبيرة أولاً، وهذا قد سبقت الإشارة إليه في مبحث الكبيرة وحكم مرتكبها (2).
ويرد عليهم أيضاً بالنصوص الآنفة الذكر، المتضمنة تحريم الخروج على الولاة، وعدم نزع اليد من طاعتهم عند ظلمهم وجورهم، إذ النصوص صريحة في النهي عن ذلك والتشديد فيه، ويرد عليهم أيضاً بالإجماع الذي حكاه غير واحد من أهل العلم -وقد تقدم نقله- (3) على حرمة الخروج على الأئمة وإن كانوا فسقة ظالمين.
(1) إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة، ص 547 - 548.
(2)
انظر: ص 245 - 249.
(3)
انظر: 266 - 267.