الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اعتصام جمال الدين السرمري بفهم السلف:
قد اعتمد جمال الدين السرمري رحمه الله في تلقي العقيدة اعتماداً مباشراً على فهم سلف الأمة، فهو يعتبر السنة والصراط المستقيم هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح، قال رحمه الله في عقيدته:
"وما السنة البيضاء إلا التي قضى
…
عليها رسول الله مع صحبه الغُرِّ
وتَابِعُهُم فيها بإحسانٍ الأُلى
…
رضوا ورضي عنهم بها عَالِمُ السِّرِّ
وإنِّي على ما مات عنه محمد
…
وأصحابه والتابعون إلى حشري" (1).
وقال رحمه الله في معرض كلامه عن الأدلة الشرعية:
"إذا سألوه عن دليل مقاله أجاب بقول الله في محكم الذكرِ
وإن يستزيدوا قال: قال محمد وإن يستزيدوا قال: قال أبو بكرِ" (2).
والمتتبع لمؤلفات السرمري رحمه الله يجد السمة الواضحة والعلامة البارزة هي أثريَّة آرائه، حتى قال عنه القِذِّيف الشَّغَّاب زاهد الكوثري (3): "وكان صاحب الترجمة -يعني الإمام السرمري- بعيداً عن علم الكلام وأصول الدين منصرفاً إلى مجالس الرواة يسير وراء ابن تيمية في شواذه حذو النعل بالنعل كغالب مقلدة الرواة من أهل زمنه
…
" (4).
وكان جمال الدين السرمري رحمه الله حريصاً على تتبع منهج السلف حتى في طرائقهم في التأليف، قال رحمه الله "وافتتحته بكتاب الإيمان والسنة اتباعاً لطريقة السلف، وترغيباً لمن
(1) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 30.
(2)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 28.
(3)
سبق الحديث عنه ، انظر هامش ص 40.
(4)
انظر: هامش (لحظ الألحاظ) ص 161.
بعدهم في اتباعهم من الخلف" (1) ، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في معرض كلامه عن
أن أول الواجبات هو الإيمان لا النظر: "وتقرير الحجة في القرآن بالرسل كثير
…
ولهذا كان طائفة من المصنفين للسنن على الأبواب، إذا جمعوا فيها أصناف العلم، ابتدءوها بأصل العلم والإيمان، كما ابتدأ (البخاري صحيحه) ببدء الوحي ونزوله، فأخبر عن صفة نزول العلم والإيمان على الرسول أولاً، ثم أتبعه بكتاب الإيمان الذي هو الإقرار بما جاء عنه، ثم بكتاب العلم الذي هو معرفة ما جاء به، فرتبه الترتيب الحقيقي، وكذلك الإمام أبو محمد الدرامي صاحب (المسند) ابتدأ كتابه بدلائل النبوة، وذكر في ذلك طرفاً صالحاً، وهذا الرجلان أفضل بكثير من مسلم والترمذي ونحوهما، ولهذا كان أحمد بن حنبل يعظم هذين ونحوهما، لأنهما فقهاء في الحديث أصولاً وفروعاً" (2).
وهذا الاعتصام من جمال الدين السرمري بمنهج السلف هو ما كان عليه الأئمة والعلماء من قبله، فقد اعتبروا أن من أصول أهل السنة والجماعة هو تمسكهم بمنهج السلف والاقتداء بهم واتباع سبيلهم والنهي عن مخالفتهم.
قال الأوزاعي: "اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم
…
ولو كان خيراً ما خصصتم به دون أسلافكم فإنه لم يدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم لفضل عندكم وهم أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم وبعثه فيهم ووصفهم بما وصفهم به فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: من الآية 29]" (3). وقال الإمام أحمد رحمه الله: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله
(1) إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة، ص 72.
(2)
مجموع الفتاوى (2/ 3 - 4).
(3)
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للإمام اللالكائي (1/ 174).
- صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم وترك البدع
…
" (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار
…
" (2).
وقال ابن عبدالهادي: "ولايجوز إحداث تأويل في آية أو سنة، لم يكن على عهد السلف ولا عرفوه ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المستأخر، فكيف إذا كان التأويل يخالف تأويلهم ويناقضه
…
" (3).
وقال ابن أبي العز: "وكيف يتكلم في أصول الدين من لا يتلقاه من الكتاب والسنة، وإنما يتلقاه من قول فلان، وإذا زعم أنه يأخذه من كتاب الله لا يتلقى تفسير كتاب الله من أحاديث الرسول ولا ينظر فيها، ولا فيما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان المنقول إلينا عن الثقات النقلة الذي تخيرهم النقاد، فإنهم لم ينقلوا نظم القرآن وحده، بل نقلوا نظمه ومعناه، ولا كانوا يتعلمون القرآن كما يتعلم الصبيان، بل يتعلمونه بمعانيه، ومن لا يسلك سبيلهم فإنما يتكلم برأيه، ومن يتكلم برأيه وما يظنه من دين الله ولم يتلق ذلك من الكتاب والسنة، فهو مأثوم وإن أصاب
…
" (4).
(1) طبقات الحنابلة (1/ 241)، لأبي الحسين محمد بن أبي يعلى، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت؛ شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (1/ 176)، للإمام اللالكائي، تحقيق: د. أحمد الغامدي، الطبعة الرابعة 1416، دار طيبة، الرياض.
(2)
مجموع الفتاوى (3/ 157).
(3)
الصارم المنكي في الرد على السبكي ص 318، لابن عبدالهادي، تحقيق: عقيل بن محمد اليماني، الطبعة الأولى 1424، مؤسسة الريان، بيروت.
(4)
شرح العقيدة الطحاوية، ص 115.