الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد، أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة، وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول" (1).
2 - تعطيل الصفات أو بعضها تكذيب للوحي:
المعطلة: هم الذين عطلوا الرب سبحانه وتعالى عما يجب أن يثبت له من الأسماء والصفات، وهم على ثلاثة أقسام:
- أهل التخييل: وهم المتفلسفة ومن سلك سبيلهم من متكلم ومتصوف، فإنهم يقولون: إن ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو تخييل للحقائق، لينتفع به الجمهور، لا أنه بين به الحق، ولا هدى به الخلق، ولا أوضح الحقائق؛ وليس فوق هذا الكفر كفر.
- أهل التأويل: هم الذين يقولون: إن النصوص الواردة في الصفات، لم يقصد بها الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعتقد الناس الباطل، ولكن قصد بها معاني، ولم يبين لهم تلك المعاني، ولا دلهم
عليها، ولكن أراد أن ينظروا فيعرفوا الحق بعقولهم، ثم يجتهدوا في صرف تلك النصوص عن مدلولها، ومقصوده امتحانهم وتكليفهم وإتعاب أذهانهم وعقولهم في أن يصرفوه كلامه عن مدلوله ومقتضاه، ويعرفوا الحق من غير جهته، وهذا قول الجهمية والمعتزلة ومن دخل معهم في شيء من ذلك؛ ولا يخفى ما في ضمن كلام هؤلاء من قصد الإضلال، وعدم النصح، ومناقضة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وما وصفه الله به من الرأفة والرحمة.
- أهل التجهيل: هم الذين يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعرف معاني ما أنزل الله عليه من آيات الصفات، ولا جبريل يعرف معاني الآيات، ولا السابقون الأولون عرفوا ذلك (2).
(1) مجموع الفتاوى (5/ 39 - 42).
(2)
انظر: الفتوى الحموية الكبرى ص 277 - 285، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق د. حمد التويجري، الطبعة الثانية 1425، دار العصيمي، الرياض.
وقد قرر جمال الدين السرمري رحمه الله بطلان هذا المذهب، وبين أن مقصود أصحابه تكذيب الوحي، فقال:
"يدور على التعطيل لا دَرّ دَرُّه بتمويه قولٍ في المخارج مُزْورِّ
وما قصده نفي المخارج ويحه بلى قصده نفيُ الكلام من السِّفر
فتبًّا لهذا المذهب المُذهب الذي
…
أقلُّ أذى فيه بصاحبه يُزري" (1).
كما رد على من شنع على أهل السنة لإثباتهم معاني الصفات وعدم تعطيلها بالحشو، وأن العبرة بالحقائق لا بالألقاب والشناعات، فقال في رده على السبكي:
"وسمت بالحشو أهل الحق إذ ملأوا
…
وظائف العلم من قولٍ بأطيبه
قومٌ أتاهم صحيح النقل فاتبعوا
…
سبيله وحموه من مكذبه
وأثبتوا لإله العرش ما ثبتت
…
فيه النقول بلا شبه يُقاس به
فرام بعض أولي التعطيل دحضهم
…
فآب من قصده الأدنى بأخيبه
فكل من قصرت في العلم رتبته
…
وقلَّ ديناً تجرَّا في توثبه
فأحمد المصطفى عُودي وقيل له
…
مُذمَّمٌ وتعالوا في تجنُّبه
وقيل ساحرٌ أو مجنون أو رجل
…
معلمٌ كاهنٌ يسمو بأكعُبه
لو كان الاسم يشين الفعل في رجل
…
لشان خير البرايا من ملقبه" (2).
وقال أيضاً في (منامات رؤيت لشيخ الإسلام ابن تيمية)، وهي رؤى فيها الثناء على منهج ابن تيمية في الاعتقاد، وبطلان مذهب المعطلة: "وجدت بخط المحدّث الفاضل العالم نجم الدين
(1) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 30.
(2)
الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية، ص 65 - 67.
إسحاق ابن أبي بكر بن ألْمى التركي (1)، قال: أخبرنا فقير يعرف بعبدالله، وذهب عني اسم والده، ورأيت جماعة من أصحابنا يثنون على دينه، ويذكرونه بالصلاح والخير، قال: رأيت بدمشق في النوم ليلة الجمعة في رجب سنة خمس وسبعمائة، وكأنني خرجت من بيتي، لبعض حاجة، وكأن قائلاً يقول لي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، فأتيت إليه فرأيته جالساً على دكان خباز، فسلمت عليه وذهبت لأتكلم فلم أُطق الكلام، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا عبدالله قل ما عندك، فقلت: يا رسول الله ما تنظر ما الناس فيه من الاختلاف وكثرة الأهواء والفتن؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال لي: يا عبدالله الحق مع أحمد ابن تيمية، وهو سالك على طريقي، وعلى قدمي، وما جئت إلا لأفصل بينهم، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب وتكلم بكلام لم أفهمه، إلا أنني فهمت في آخره وهو يقول: أيقدرون أن ينكروا معراجي؟ فوالذي نفسي بيده لقد أُسري بي من سماء إلى سماء، ورأيت ربي، ووضع صلى الله عليه وسلم إصبعه اليمنى تحت عينه اليمنى، أو كما قال" (2).
يشير بهذا إلى بطلان مذهب من يعطل صفة العلو لله سبحانه وتعالى.
وما قرره جمال الدين السرمري رحمه الله من بطلان مذهب التعطيل هو ما صرح به الأئمة.
قال عبدالرحمن بن مهدي: "إن الجهمية أرادوا أن ينفوا أن الله كلّم موسى وأن يكون على العرش، أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم"(3).
وقال علي بن عاصم شيخ الإمام أحمد: "ما الذين قالوا: إن لله سبحانه ولداً أكفر من الذين قالوا: إن الله سبحانه لم يتكلم" وقال أيضاً: "احذروا من المريسي وأصحابه فإن كلامهم من الزندقة، وأنا كلمت أستاذهم فلم يثبت أن في السماء إلهاً"(4).
(1) هو الشيخ المحدث، العالم الفقيه نجم الدين أبو الفضل إسحاق بن ابن أبي بكر ابن ألمى بن أطُز التركي، توفي بعد 720. انظر: الرد الوافر، ص 159 - 160.
(2)
الرد الوافر، ص 234.
(3)
اجتماع الجيوش الإسلامية، ص 134.
(4)
اجتماع الجيوش الإسلامية، ص 135.