الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يفنيان أبداً، وأن أهل الجنة لا يخرجون منها أبداً، وكذلك أهل النار الذين هم أهلها خلقوا لها، لايخرجون منها أبداً، وأن المنادي ينادي يومئذ "يا أهل الجنة خلود ولا موت، ويا أهل النار خلود ولا موت" على ما ورد به الخبر الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " (1).
وقد قال ابن حزم رحمه الله في المسائل التي أجمع عليها أهل السنة: "وأن الجنة حق، وأنها دار نعيم أبداً، لا تفنى ولا يفنى أهلها بلا نهاية
…
وأن النار حق، وأنها دار عذاب أبداً، لا تفنى ولا يفنى أهلها أبدا بلا نهاية
…
" (2).
أما قول جمال الدين السرمري: " ويُذبَح كبش الموت"(3) فصحيح ثابت في السنة، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجاء
بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت» قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39] وأشار بيده إلى الدنيا» واللفظ لمسلم (4).
المطلب الثامن: الشفاعة:
الشفاعة في اللغة كما قال الراغب: "الانضمام إلى آخر ناصراً له، وسائلاً عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى. ومنه الشفاعة في القيامة"(5).
(1) عقيدة السلف وأصحاب الحديث ص 264، لأبي عثمان الصابوني، تحقيق: ناصر الجديع، الطبعة الثانية 1419، دار العاصمة، الرياض.
(2)
مراتب الإجماع في العبادات والمعاملات والاعتقادات ص 173، لابن حزم، دار الكتب العلمية، بيروت.
(3)
نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 38.
(4)
رواه البخاري (6/ 93)، كتاب تفسير القرآن، باب قوله:(وأنذرهم يوم الحسرة) ، ح 4730؛ ورواه مسلم (4/ 2188)، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، ح 2849.
(5)
المفردات في غريب القرآن ص 263، للراغب الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، لبنان.
وقال القرطبي: "أصل الشفاعة والشفعة ونحوها من الشفع وهو الزوج في العدد، ومنه الشفيع، لأنه يصير مع صاحب الحاجة شفعاً، ومنه ناقة شفوع إذا جمعت بين محلبين في حلبة واحدة، وناقة شفيع إذا اجتمع لها حمل وولد يتبعها، والشفع ضم واحد إلى واحد، والشفعة ضم ملك الشريك إلى ملكك؛ فالشفاعة إذا ضم غيرك إلى جاهك ووسيلتك، فهي على التحقيق إظهار لمنزلة الشفيع عند المشفع وإيصال المنفعة إلى المشفوع له"(1).
أما الشفاعة في الاصطلاح كما قال ابن الأثير: "هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بينهم"(2).
وقد دل الكتاب والسنة على وقوع الشفاعة يوم القيامة، وهي تقع بشرطين:
أحدهما: أن يكون بعد إذن الله تعالى للشافع.
والثاني: أن يرضى الله عن المشفوع له.
وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: من الآية 255] وقال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: من الآية 28]. أما من السنة: فإن الأحاديث التي جاءت في إثبات الشفاعة قد بلغت حد التواتر (3).
والإيمان بالشفاعة من أصول الإيمان باليوم الآخر التي أجمع عليها أهل السنة والجماعة، خلافاً للمعتزلة والخوراج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن أحاديث الشفاعة في أهل الكبائر ثابتة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اتفق عليها السلف من الصحابة وتابعيهم بإحسان وأئمة المسلمين، وإنما نازع في ذلك أهل البدع من الخوارج والمعتزلة ونحوهم"(4).
وقد قرر الإمام جمال الدين السرمري هذا الأصل في غير ما موضع.
(1) الجامع لأحكام القرآن (5/ 295).
(2)
النهاية في غريب الأثر (2/ 1184).
(3)
انظر: نظم المتناثر ص 234 - 236.
(4)
مجموع الفتاوى (4/ 309).
ومن ذلك قوله في منظومته في الاعتقاد:
"ويدخل ناس بالمعاصي جهنمَّا
…
فيأخذهم منها على قدر الوزر
ويشفع فيهم سيد الخلق أحمد
…
عليه صلاة الله ما غرد القمري
ويخرج من في قلبه وزن ذرة
…
بلا شك منها من مقارفة البر" (1).
وقال في موضع آخر في ذكر ما خص الله به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم في الآخرة: "ومنها شفاعاته في الآخرة فإن له صلى الله عليه وسلم عدّة شفاعات، الأولى: الشفاعة في عموم الخلق ليحاسَبُوا ويُراحُوا من الموقف كما سبق، وشفاعَةٌ في أهل الكبائر من أمّته، وشفاعة لمن في قلبه مثقال ذرّة من إيمان؛
إلى ما دون ذلك من الشفاعات الخاصّة والمشتركة هو وغيره فيها" (2).
وقال في موضع آخر: "فجملة الشفاعة خمسة مقامات، المقام الأول: في أهل الموقف لفصل القضاء وهي الشفاعة العظمى، وهي من خصائصه صلى الله عليه وسلم، والمقام الثاني: في من يدخل الجنة بغير حساب وهي من خصائصه أيضاً صلى الله عليه وسلم، والمقام الثالث: فيمن يخرج من النّار وابتداؤها له صلى الله عليه وسلم فإنه أول شافع وأول مشفع كما سَبَق، المقام الرابع: فيمن يدخل الجنة واختصاصه منها أنه لا يدخل الجنة أحد بالشفاعة أكثر ممن يدخلها بشفاعته، المقام الخامس: شفاعته في قوم لرفع درجاتهم من الجنة"(3).
وهذه المقامات السابقة التي ذكرها جمال الدين السرمري سوى المقام الثالث ليست هي التي جرى فيها الخلاف بين الأمة، وإنما أكثر ما وقع الخلاف والإشكال والتنازع فيه هو في الشفاعة فيمن يخرج من النار، وهذا هو المحل الذي ذكر العلماء لأجله موضوع الشفاعة في كتب العقيدة وكرروا ذلك لأهميته بالنسبة للرد على أهل البدع، ولا يزال أهل البدع إِلى اليوم ينكرون هذا النوع، وهو شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته ممن دخل النار أن يخرجوا منها،
فالمعتزلة والخوارج ينكرون الشفاعة لأهل الكبائر وأن الله سبحانه وتعالى لا يأذن لأحد أن
(1) نهج الرشد في نظم الاعتقاد، ص 38.
(2)
خصائص سيد العالمين [ق 62/و].
(3)
خصائص سيد العالمين [ق 85/و].