المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الأول: الإيمان بالملائكة: - منهج الإمام جمال الدين السرمري في تقرير العقيدة

[خالد المطلق]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

- ‌ الهدف من الدراسة:

- ‌خطة البحث: تشمل على مقدمة، وقسمين، وخاتمة

- ‌منهجي في البحث:

- ‌الفصل الأولعصر جمال الدين السرمري وحياته

- ‌المبحث الأولعصر جمال الدين السرمري

- ‌المطلب الأول: الحالة السياسية:

- ‌1 - سقوط مدينة بغداد عاصمة الخلافة العباسيّة:

- ‌2 - حملة التتار على الشام ومصر:

- ‌3 - الحروب الصليبية:

- ‌4 - النزاعات الداخلية:

- ‌المطلب الثاني: الحالة الإجتماعية:

- ‌المطلب الثالث: الحالة الثقافية والعلمية:

- ‌1 - وقوع كثير من البلاد الإسلامية في يد المغول:

- ‌2 - قتل العلماء وإتلاف الكتب العلمية:

- ‌3 - وفود العلماء والأدباء:

- ‌4 - غيرة السلاطين والأمراء:

- ‌5 - تعظيم المماليك لأهل العلم:

- ‌6 - انتشار المدارس ودور التعليم:

- ‌المبحث الثانيحياته الشخصية

- ‌المطلب الأول: اسمه ونسبه:

- ‌المطلب الثاني: مولده وموطنه:

- ‌المطلب الثالث: أسرته:

- ‌المطلب الرابع: وفاته:

- ‌المبحث الثالثحياته العلمية

- ‌المطلب الأول: نشأته وطلبه للعلم:

- ‌المطلب الثاني: مكانته وثناء العلماء عليه:

- ‌المطلب الثالث: شيوخه:

- ‌المطلب الرابع: تلاميذه:

- ‌المطلب الخامس: مؤلفاته:

- ‌1 - "الأحاديث القدسية" جزء

- ‌2 - أحاديث منقولة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم متضمنة شفاء من أصبح على شفى

- ‌3 - إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة

- ‌4 - الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة

- ‌5 - الأرجوزة الجلية في الفرائض الحنبلية

- ‌6 - الإفادات المنظومة في العبادات المختومة

- ‌7 - تخريج الأحاديث الثمانيات

- ‌8 - ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية

- ‌9 - التشوف

- ‌10 - الحمية الإسلامية في الانتصار لمذهب ابن تيمية

- ‌11 - خصائص سيد العالمين وماله من المناقب العجائب على جميع الأنبياء عليهم السلام

- ‌12 - ذكر الجراد ومافي شأنه من الصلاح والفساد

- ‌13 - رفع الباس في حياة الخضر وإلياس

- ‌14 - الروضة المورقة في الترجمة المونقة

- ‌15 - شرح اللؤلؤة في النحو

- ‌16 - شفاء الآلام في طب أهل الإسلام

- ‌17 - شفاء القلوب في دواء الذنوب

- ‌18 - صحاح الأحكام وسلاح الحكام

- ‌19 - عجائب الاتفاق وغرائب ماوقع في الآفاق

- ‌20 - عقود اللآلي في الأمالي

- ‌21 - عمدة الدين في فضل الخلفاء الراشدين

- ‌22 - غيث السحابة في فضائل الصحابة

- ‌23 - "الفوائد السرمرية من المشيخة البدرية"، أو "مشيخة ابن الجوخي

- ‌24 - فوائد مخرجه عن شيوخ العدل الأمين الثقة بقية السلف جمال الخلف شمس الدين أبي عبدالله محمد بن عبدالعزيز بن علي ابن المؤذن الوراق البغدادي

- ‌25 - كتاب فيه ذكر الوباء والطاعون

- ‌26 - الكلم الطيب والعمل الصالح

- ‌27 - مسلسلات السرمري

- ‌28 - مشيخة ابن السلار

- ‌29 - مشيخة ابن الكسار

- ‌30 - مشيخة محيي الدين أبي نصر محمد بن شرف الدين أحمد العباسي

- ‌31 - المعسول في علوم حديث الرسول

- ‌32 - المقدمة اللؤلؤة في النحو

- ‌33 - المولد الكبير للبشير النذير صلى الله عليه وسلم

- ‌34 - نتيجة الفكر في الجهر بالذكر

- ‌35 - نشر القلب الميْت بفضل أهل البيت

- ‌36 - نظم (الغريب أو التقريب) في علوم الحديث

- ‌37 - "نظم مختصر ابن رزين" في الفقه

- ‌38 - نهج الرشاد في نظم الاعتقاد

- ‌الفصل الثانيمنهج جمال الدين السرمري في التلقي والاستدلال

- ‌المبحث الأولمصادر جمال الدين السرمري في التلقي

- ‌المطلب الأول: القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: السنة النبوية:

- ‌تمهيد: تعريف السنة:

- ‌السنة النبوية مصدر تلقي عند جمال الدين السرمري:

- ‌المطلب الثالث: أقوال السلف في فهم الكتاب والسنة:

- ‌تمهيد:

- ‌اعتصام جمال الدين السرمري بفهم السلف:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في الاستدلال

- ‌المطلب الأول: منهجه في الاستدلال بالقرآن الكريم:

- ‌المسألة الأولى: الإكثار من الاستدلال بنصوص القرآن:

- ‌المسألة الثانية: تفسير القرآن بالقرآن:

- ‌المسألة الثالثة: تفسير القرآن بالسنة:

- ‌المسألة الرابعة: تفسير القرآن بأقوال السلف:

- ‌المسألة الخامسة: عنايته بأسباب النزول:

- ‌المسألة السادسة: عنايته بالقراءات الواردة في الآية:

- ‌المسألة السابعة: اجتهاده في تفسير القرآن على طريقة أهل العلم:

- ‌المطلب الثاني: منهجه في الاستدلال بالسنة النبوية:

- ‌المسألة الأولى: الإكثار من الاستدلال بنصوص السنة:

- ‌المسألة الثانية: ظهور الصناعة الحديثية على مؤلفاته:

- ‌المسألة الثالثة: شرح مفردات الحديث والكلام عليها:

- ‌المسألة الرابعة: الجمع بين النصوص النبوية التي يوهم ظاهرها التعارض:

- ‌المسألة الخامسة: تفسير السنة بالقرآن:

- ‌المسألة السادسة: تفسير الحديث بالحديث:

- ‌المسألة السابعة: تفسير السنة بأقوال السلف:

- ‌المسألة الثامنة: إيراد الروايات والألفاظ الموضحة للحديث:

- ‌المسألة التاسعة: تقديم الحديث على القياس:

- ‌المطلب الثالث: موقفه من علم الكلام:

- ‌تمهيد: تعريف علم الكلام:

- ‌سبب تسميته:

- ‌ذم جمال الدين السرمري لعلم الكلام:

- ‌الفصل الثالثمنهج جمال الدين السرمري في تقرير التوحيد

- ‌تمهيدفي تعريف التوحيد وأقسامه

- ‌1 - تعريف التوحيد:

- ‌2 - أقسام التوحيد:

- ‌المبحث الأولمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الربوبية

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الربوبية:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الربوبية:

- ‌1 - أدلة توحيد الربوبية:

- ‌2 - أثر توحيد الربوبية وثمراته:

- ‌3 - مسألة تسلسل الحوادث:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الألوهية

- ‌المطلب الأول: تعريف توحيد الألوهية وخصائصه:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الألوهية:

- ‌1 - إثبات توحيد العبادة:

- ‌2 - مسائل تنافي توحيد الألوهية:

- ‌أ- الطيرة:

- ‌ب- التبرك الممنوع:

- ‌ج- التوسل الممنوع:

- ‌د- شد الرحال إلى القبور:

- ‌المبحث الثالثمنهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الأسماء والصفات

- ‌ تمهيد:

- ‌المطلب الأول: معنى توحيد الأسماء والصفات:

- ‌المطلب الثاني: منهج جمال الدين السرمري في تقرير توحيد الأسماء والصفات:

- ‌1 - إثبات الصفات مع نفي العلم بالكيفية:

- ‌2 - تعطيل الصفات أو بعضها تكذيب للوحي:

- ‌3 - تنزيه صفات الله جل جلاله عن مماثلة صفات المخلوقين:

- ‌4 - أزلية الصفات:

- ‌5 - التفسير السلفي لنصوص الصفات:

- ‌6 - تعداد بعض الأسماء والصفات:

- ‌المسألة الأولى: تعداد بعض الأسماء:

- ‌المسألة الثانية: تعداد بعض الصفات:

- ‌الفصل الرابعمنهج جمال الدين السرمري في سائر أصول الإيمان

- ‌المبحث الأول: الإيمان بالملائكة والإيمان بالرسل

- ‌المطلب الأول: الإيمان بالملائكة:

- ‌المطلب الثاني: الإيمان بالرسل:

- ‌المبحث الثاني: الإيمان باليوم الآخر

- ‌المطلب الأول: حياة البرزخ:

- ‌المطلب الثاني: النفخ في الصور، والبعث من القبور:

- ‌المطلب الثالث: الحشر:

- ‌المطلب الرابع (*): الميزان:

- ‌المطلب الخامس (*): الحوض:

- ‌المطلب السادس: الصراط:

- ‌المطلب السابع: الجنة والنار:

- ‌المطلب الثامن: الشفاعة:

- ‌المطلب الثامن: رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة:

- ‌المبحث الثالث: الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المطلب الأول: معنى الإيمان بالقضاء والقدر:

- ‌المطلب الثاني: مراتب القدر:

- ‌المطلب الثالث: أصلا الضلال في القدر:

- ‌1) التسوية بين المشيئة والإرادة وبين الرضا والمحبة:

- ‌2) التسوية بين الفعل والمفعول:

- ‌المطلب الرابع: الأحكام الشرعية والأحكام القدرية:

- ‌المطلب الخامس: السبب والمسبب:

- ‌المطلب السادس: آجال الخلائق:

- ‌المطلب السابع: الاحتجاج بالقدر على فعل المعاصي:

- ‌الفصل الخامسمنهج جمال الدين السرمري في مسائل الإيمان

- ‌المبحث الأولمسمى الإيمان ومفهومه

- ‌المبحث الثانيزيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الثالثالاستثناء في الإيمان

- ‌المبحث الرابعالكبيرة وحكم مرتكبها

- ‌الفصل السادسمنهج جمال الدين السرمري في الصحابة والإمامة

- ‌المبحث الأولمنهج جمال الدين السرمري في الصحابة رضي الله عنهم

- ‌تمهيد: تعريف الصحابي:

- ‌المطلب الأول: حق الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثاني: الإمساك عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم

- ‌المطلب الثالث: ترتيب الخلفاء في الفضل:

- ‌المطلب الرابع: موقف أهل البدع من الصحابة:

- ‌المبحث الثانيمنهج جمال الدين السرمري في الإمامة

- ‌تعريف الإمامة:

- ‌المطلب الأول: طاعة الأئمة، وحكم الخروج على الإمام الجائر:

- ‌المطلب الثاني: موقف المخالفين لأهل السنة في مسألة الإمامة:

- ‌الفصل السابعموقف جمال الدين السرمري من أهل الأهواء والبدع

- ‌المبحث الأول: لزوم الجماعة وذم الفرقة

- ‌مفهوم الجماعة:

- ‌المبحث الثاني: موقف جمال الدين السرمري من أهل البدع

- ‌تمهيد

- ‌الموقف من أهل البدع:

- ‌أولاً: حراسة الدين، وإبطال البدع:

- ‌ثانياً: الهجر:

الفصل: ‌المطلب الأول: الإيمان بالملائكة:

‌المبحث الأول: الإيمان بالملائكة والإيمان بالرسل

لما كانت المادة العلمية لدى جمال الدين السرمري فيما يتعلق بالملائكة قليلة، أما ما يتعلق بالرسل فأكثرها سيأتي الكلام عليه في القسم الثاني من خطة البحث -قسم التحقيق-، جعلت هذه المادة في مطلبين تحت مبحث واحد.

‌المطلب الأول: الإيمان بالملائكة:

الملائكة خلق من خلق الله تعالى خلقهم من نور، يجب الإيمان بوجودهم، وأنهم {عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26 - 27]، ويجب الإيمان بالملائكة جملة وتفصيلاً، جملة فيما أجمل، وتفصيلاً فيما فصل من أسمائهم، وأوصافهم، وأعمالهم التي كلفهم الله بها، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة.

فالإيمان بالملائكة: أحد أركان الإيمان وأصوله الذي لا يصح اعتقاد مسلم ولا يتم إيمانه إلا به، قال جل جلاله:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة: من الآية 177].

وقال سبحانه وتعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} [البقرة: من الآية 285].

وقال عز وجل: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: من الآية 136].

وفي حديث جبريل المشهور عندما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، قال: «الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خير وشره

» الحديث (1).

(1) رواه مسلم (1/ 39)، كتاب الإيمان، باب الإيمان ماهو وبيان خصائله، ح 9.

ص: 184

وقد أجمل الإمام جمال الدين السرمري القول في هذا الأصل، ولم يتطرق -فيما وفقت عليه من كتبه- إلى الذين تخبطوا فيه كما هي الحال عند من يسمون بـ"فلاسفة الإسلام" الذين أنكروا حقيقة الملائكة، وزعموا أنها خيالات وأشكال نورانية يتخيّلها النبي في نفسه، وهي مجردات ليست داخل العالم ولا خارجه، ولا فوق السماء، ولا تحتها، وليست موصوفة بالصعود، ولا النزول، وليس لها تدبير البتة، ولا تتكلم، ولا تنتقل من مكان إلى مكان

ونحو ذلك؛ وإنما ذكر السرمري بعضاً من أخبار الملائكة كما دلت عليها النصوص من الكتاب أو السنة، والتي تتضمن إيمانه بوجودهم حقيقة، وما ثبت من أسمائهم وصفاتهم وما وكلوا به من أعمال، وأنهم أحياء ناطقون، لا كما تزعم الفلاسفة.

فمن ذلك قوله في الإيمان بإسرافيل عليه السلام، وأنه الموكل بالنفخ بالصور:

"وينفخ إسرافيل في الصور نفخة

لصعق وأخرى فيه ينفخ للنشر" (1).

ومن ذلك ذكره لخبر الملائكة السيارة، فقال في فضل مجالسة أهل الذكر:

"عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فُضلاً يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكرٌ قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضاً بأجنحتهم، حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا افترقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عز وجل وهو أعلم، من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا يا رب، قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يارب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرتُ لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال: فيقولون: رب فيهم فلانٌ عبدٌ خطّاء، إنما مر فجلس معهم، قال: فيقول: وله

(1) نهج الرشاد في نظم الاعتقاد، ص 38.

ص: 185

قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم» متفق عليه" (1).

ومن ذلك ذكره لخبر تأمين الملائكة خلف الإمام، فقال في فضل التأمين خلف الإمام عند قوله {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: من الآية 7]: "عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه، وذلك أنه جاء في الحديث: إن الملائكة إذا سمعت الإمام يقول: {وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: من الآية 7] تقول: آمين، فإذا قال العبد: آمين، فقد وافق الملائكة في التأمين، فيغفر له ما تقدم من ذنبه، كما قال صلى الله عليه وسلم "(2).

ومن ذلك ذكره لخبر ملك الموت، فقال: "عن سعيد بن المسيب عن عبدالرحمن بن سمرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن في مسجد المدينة فقال: «إني رأيت الليلة عجباً» فقالوا: وما هو يا رسول الله؟ قال: «رأيت رجلاً من أمتي جاءه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره بوالديه فرده عنه

» (3).

ومن ذلك ذكره لخبر لعن الملائكة للمرأة الممتعنة عن الفراش لغير عذر، فقال في باب عشرة النساء:"وقال: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح» متفق عليه"(4).

ومن ذلك قوله في محبة الملائكة للرائحة الطيبة: "وفي الطيب خاصية أن الملائكة تحبه، والشياطين تنفر منه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة الكريهة والمنتنة، فلهذا كانت المساجد ومواضع الذكر مهابط الملائكة ومجتمعهم، والحشوش مأوى الشياطين، والأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأوراح الخبيثة تحب الأرواح الخبيثة، فالخبيثات للخبيثين، والطيبات للطيبين،

(1) الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 94.

(2)

الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 118.

(3)

الأربعون الصحيحة فيما دون أجر المنيحة، ص 152.

(4)

إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة، ص 473.

ص: 186

والطيبون للطيبات" (1).

ومن ذلك قوله في صلاة الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم: "وقد أمر الله سبحانه المؤمنين بالصلاة والسلام عليه، وأخبر أنه وملائكته يصلون عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] "(2).

ومن ذلك ذكره لخبر صف الملائكة مع الأنبياء في الإسراء وصلاتهم خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ففي حديث الإسراء عنه صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى جمع الأنبياء والملائكة صفوفاً قال فقدّمني وأمرني أن أصلّي بهم فصليت بهم ركعتين

" (3).

ومن ذلك ذكره لخبر تغسيل الملائكة لحنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه، فقال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت الملائكة تغسل حنظلة بن أبي عامر بين السماء والأرض بماء المزن في صحاف الفضّة» قال أبو أسيد الساعديّ: فذهبنا فنظرنا فإذا رأسه يقطر ماء فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأرسل إلى امرأته يسألها فأخبرته أنه خرج وهو جنب فولده يقال لهم بنو غسيل

الملائكة" (4).

ومن ذلك ذكره لخبر دنو الملائكة لسماع قراءة ابن خضير رضي الله عنه، فقال:"قال: «تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبح الناس ينظرون إليها لا تتوراى منها» وكان حسن الصّوت، فدنوّ السكينة والملائكة لسماع قراءة ابن خضير أعظم من تسمّع الجبال والطير والوحش لصوت داود عليه الصلاة والسلام"(5).

ومن ذلك قوله في نصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم: "فقال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} [التحريم: من الآية 4] فأيّ

(1) شفاء الآلام في طب أهل الإسلام (مخطوط) ورقة: 154 ب.

(2)

شرح اللؤلؤ في النحو، ص 41.

(3)

خصائص سيد العالمين [ق 2/ظ].

(4)

خصائص سيد العالمين [ق 36/ظ].

(5)

خصائص سيد العالمين [ق 40/و].

ص: 187

ظهير أعظم من هذا وأيّ ناصر أقوى من هذا فكانت الملائكة المقرّبون أنصاره صلى الله عليه وسلم وأعوانه يقاتلون بين يديه في الحروب كفاحاً ويمنعون عنه ويدافعون دونه ولمّا تواعدت قريش ليأخذوه فيقتلوه وقد دخل المسجد يصلّي فسمعوا صوتاً ما ظنّوا أنّه بقي بتهامة جبل إلا نتق فغشي عليهم فما عقلوا حتى قضى صلاته ثم رجع إلى أهله سالماً ثم تواعدوا عليه مرّة أخرى فنهضوا عليه فجاء الصَّفا والمروة حتى التقى أحدهما بالأخرى فحالتا بينه وبينهم ولمّا حلف أبو جهل ليطأنّ عنقه إن رآه مصلّياً فلما همّ بذلك لم يفجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه وقال: رأيت بيني وبينه خندقاً من نار وأهوالاً وأجنحة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو دنا منّي لاختطفته الملائكة عضواً عضواً

" (1).

ومن ذلك ذكره لخبر ملك الجبال، فقال:"على أنّ محمّداً صلى الله عليه وسلم أعطي من تسخير الجبال ما لو شاء لصارت جبال مكّة معه ذهَباً وقال له مَلَكُ الجبال: إن شئت أن أُطْبِقَ عليهم الأخْشَبَينِ يعني جَبلي مكّة على الكفّار فقال صلى الله عليه وسلم: «بل أرجو أن يُخْرِجَ اللهُ من أصلابهم من يعبد الله تعالى لا يشرك به شيئاً» "(2).

ومن ذلك ذكره لخبر سؤال الملكين في القبر: "وذلك أن الميت إذا وضع في قبره جاءه ملكان فيُقعدانِه ويسألانه: من ربك، ومن نبيك، وما دينك

" (3).

ومن ذلك ذكره لخبر وصف ملك من الملائكة، فقال: "وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «يا عائشة لو شئتُ لسارت معي جبال الذّهب، جاءني ملك إنّ حُجزته لَتُسَاوِي الكعبةَ

" (4).

وقال في موضع آخر: "وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله أعطى ملكاً من الملائكة أسماع الخلائق فهو قائم على قبري إلى يوم القيامة لا يصلي عليّ

(1) خصائص سيد العالمين [ق 44/و-ظ].

(2)

خصائص سيد العالمين [ق 41/و].

(3)

خصائص سيد العالمين [ق 29/ظ].

(4)

خصائص سيد العالمين [ق 41/ظ].

ص: 188

أحد إلا سمّاه باسمه واسم أبيه وقال: يا أحمد صلّى عليك فلان بن فلان وتكفّل لي الربّ عز وجل أن أردّ عليه بكل صلاة عليه عشراً صلى الله عليه وسلم» " (1).

ومن ذلك ذكره لخبر وصف الملائكة الذين مر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج، فقال: "قال: ثم مررت بملك آخر جالس على كرسي قد جُمِعَ له الدنيا بين ركبتيه وفي يديه لوح مكتوب من نور ينظر فيه لا يلتفت يميناً وشمالاً ينظر فيه كهيئة الحزين فقلت: من هذا يا جبريل وما مررت بملك أنا أشدّ خوفاً منه مني من هذا، قال: وما يمنعك كلنا بمنزلتك هذا ملك الموت دائبٌ في قبض الأرواح وهو من أشد الملائكة عملاً وأدأبهِم، قلت: يا جبريل كل من مات ينظر فيه إلى هذا، قال: نعم، قلت: كفى بالموت طامةً، فقال: يا محمّد ما بعد الموت أطمّ وأعظم، قلت: يا جبريل ادنني من ملك الموت أُسَلِّم عليه وأسأله فأدناني منه فسلمت عليه فأومئ إلي فقال له جبريل: هذا محمد نبيّ الرحمة ورسول العرب فرحّب بي وحيّاني وأحسن بشارتي وإكرامي وقال: أبشر يا محمد فإني أرى الخير كله في أمتك، فقلت: الحمد لله المنّان بالنعم، ما هذا اللوح الذي بين يديك؟ قال: مكتوب فيه آجال الخلائق، قلت: فأين أسماء من قبضت أرواحهم في الدهور الخالية؟ قال: تلك الأرواح في لوح آخر قد أعلمت عليها وكذلك

أصنع بكل ذي روح إذا قبضتُ روحَه حَلَّقتُ عليها، فقلت: يا ملك الموت سبحان الله كيف تقدر على قبض أرواح جميع أهل الأرض وأنت في مكانك هذا لا تبرح، قال: ألا ترى أن الدنيا كلها بين ركبتيّ وجميع الخلائق بين عينيّ ويداي تبلغان المشرق والمغرب وخلفهما فإذا نفدَ أجل عبد من عباد الله نظرت إليه وإلى أعواني فإذا نظر أعواني من الملائكة أني نظرت إليه عرفوا أنه مقبوض فعمدوا إليه يعالجون نزع روحه فإذا بلغ الروحُ الحلقومَ علمتُ ذلك ولا يخفى عليّ شيء من أمري مَددت يدي إليه فقبضتُه فلا يَلِي قبضَه غيري فذلك أمري وأمر ذوي الأرواح من عباد الله، قال: فأبكاني حديثُه وأنا عنده ثم جاوزنا فمررنا بملك آخر ما رأيت من الملائكة خلقاً مثله عابس كالح الوجه كريه المنظر شديد البطش ظاهر الغضب فلما نظرت إليه رُعبت

(1) خصائص سيد العالمين [ق 61/و].

ص: 189

منه جدّاً، فقلت: يا جبريل من هذا فإنّي رُعبت منه رعباً شديداً، قال: فلا تعجب أن تُرعَب منه كلّنا بمنزلتك في الرّعب منه هذا مالك خازن جهنم لم يتبسّم قط ولم يزل منذ ولّاه الله جهنّم يزداد كلّ يوم غضباً وغيظاً على أعداء الله تعالى وأهل معصيته لينتقم منهم، قلت: ادنني منه فأدناني منه فسلم عليه جبريل فلم يرفع رأسه، فقال: جبريل يا ملك هذا محمّد رسول العرب فنظر إليّ وحيّاني وبشّرني بالخير، فقلت: مُذ كَم أنت وَاقِدٌ على جهنم، فقال: منذ خُلقتُ حتى الآن وكذلك حتى تقوم الساعة، قلت: يا جبريل مُره فليُرني طريقاً من النار فأمره ففعَل فخرج منه لهبٌ ساطع أسوَد معه دخان كدر مُظلم امتلأ منه الآفاق فرأيت هولاً عظيماً وأمراً فظيعاً أعجز عن صفته لكم فغشي علي وكاد يذهب نفسي فضمّني جبريل إليه وأمره أن يَرُدّ النارَ فردّها فجاوزناها

" (1).

إلى نحو ذلك من الأخبار التي ذكرها جمال الدين السرمري، والتي تتضمن إيمانه -كما تقدم- بوجودهم حقيقة.

وما ذكره جمال الدين السرمري هو الحق الذي دلت عليه النصوص وقال به أهل السنة الجماعة.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إنه من المتواتر عن الأنبياء صلوات الله عليهم أن الملائكة أحياء ناطقون يأتونهم عن الله بما يخبر به ويأمر به تارة، ويقاتلون معهم تارة، وكانت الملائكة أحياناً تأتيهم في صورة البشر والحاضرون يرونهم، وقد أخبر الله عن الملائكة في كتاب بأخبار متنوعة، وذلك يناقض ما يزعمونه من أن الملك إنما هو الصورة الخيالية التي ترتسم في الحس المشترك أو أنها العقول والنفوس"(2).

(1) خصائص سيد العالمين [ق 71/و]-[ق 72/و].

(2)

الرد على المنطقيين ص 489 - 490، لابن تيمية، دار المعرفة، بيروت.

ص: 190