الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العموم، والإطلاق، والإجمال
اقتضت لغة التخاطب بين الناس تباين تعابيرهم، واختلاف تراكيبهم، وتنوع أساليبهم، ولذلك كان في الكلام عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وإجمال وتفصيل، وذلك حسب مقصودهم، وقوة عوارضهم، واختلاف مقامهم، وقديماً قيل:"لكل مقام مقال".
ويتأثر المقال بأسلوب القائل، ووضع المستمع، وحال الحدث، وما كان من سياق وسباق في الحديث، فقد يتكلم متكلم بعموم سبقه في أذهان الناس خصوص، أو إجمال سبقه في فهم المخاطبين تفصيل، أو بإطلاق سبقه في حديث آخر تقييد، أو يخاطبهم بأسلوب معين متعارف عليه عندهم، غير معروف عند غيرهم (1).
لا يمكن اجتناب العموم:
واعلم -يا رعاك الله- أن العموم والإطلاق والإجمال، لا ينجو منه أحد، ولن ينجو أحد؛ لأن ذلك مقتضى اللغة، وفطرة الإنسان، وعرف الناس.
وإذا كان كلام الله المعجز في فصاحته وبيانه، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي حوى جوامع الكلم وخواتمه، لم يخل من العموم، والإطلاق، والإجمال، أفيستطيع بشر مثلنا أن يتخلى عن ذلك؟ !
والعمومات والإطلاقات في الكتاب والسنة كثيرة جداً، وكثير منها لم يُرد بها العموم والإطلاق، بل أريد منها أمرًا مفيدًا أو خاصًا، قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: (173)]. فهل أراد سبحانه كل الناس، وقال سبحانه:{وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب (72)]. فهل أراد سبحانه كل إنسان، والأنبياء من الإنسان؟ !
(1) لكن بعض الناس يتعمد العموم كذباً وتدليساً، فيقولون:((طعن سيد بالأنبياء)) ثم تنظر فلا ترى سوى سوء أدب ومع نبي واحد، وهكذا يفعلون وليس في هذا دفاع عن خطأ سيد، ولكن خطأ سيد لا يبيح لنا الكذب والتحامل عليه، فتصحيح الأخطاء شيء وهو واجب، والكذب والتدليس والتهويل شيء آخر وهو محرم
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أثقل شيء في الميزان حسن الخلق)) فهل يحتج بهذا العموم على أن الأخلاق أثقل من التوحيد؟ والجواب عن مثل هذا العموم: أنه سبق في أذهان المخاطبين -وهم ها هنا الصحابة- أنه لا شيء أثقل من التوحيد، فلا يضرهم بعد ذلك أن يخاطبوا بمثل هذا الإجمال في الحديث:((أثقل شيء في الميزان حسن الخلق)).
وللتخصيص والتقييد صور كثيرة، ليس هاهنا محل تفصيلهما، وإنما أردنا بهذا إشارة وتنبيهاً إلى أنه قد يخصص العام، ويقيد المطلق، أحياناً بأصول المتكلم العامة، أوبمفهوم الخطاب، أوبواقع الحال.
ومثال ذلك: لفظة ((الناس)) الأولى من قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: (173)] مخصوصة ببعض الناس، بل بمن نقل الخبر فحسب، وهم قلة قليلة جداً، رغم عموم لفظة الناس، و ((الناس)) الثانية هي غير الأولى، وهي مخصوصة بالأحزاب الذين جمعوا أنفسهم لقتال المؤمنين. (1)
(1) لكن .. كيف يفهم هذا قوم لا يحسنون النطق بالعربية، فضلاً عن أن يفهموا هذه القواعد، وكيف يتصرف قوم حيال هذه الخلافات تصرفا سليماً، وهم لم يتربوا إلا في مدارس سوء الظن، وتعمد الترصد، والدخول في النيات .. اللهم إليك نشكو جهالنا، وتطاول الأحداث على علمائنا ودعاتنا.