المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌لازم المذهب، ولازم القول: معناه: أن يقول رجل قولاً، أو يذهب - منهج الاعتدال

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌واقعنا العام المؤلم:

- ‌أمتنا أمة البقاء والنصر:

- ‌واقعنا الخاص المفجع:

- ‌ظهور التكفير والإرجاء:

- ‌حاجتنا إلى الاعتدال:

- ‌عقيدة وشهادة:

- ‌الإسلام دين الحق، والعدل والسلام:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الإسلام دين الكمال والشمول:

- ‌الإسلام دين البشرية جمعاء، ودين مستقبلها:

- ‌التوحيد ومنزلته في الإسلام:

- ‌الشرك وخطورته:

- ‌من صور الشرك:

- ‌ضابط فهم الكتاب والسنة:

- ‌الطائفة المنصورة:

- ‌الانتساب إلى منهج السلف:

- ‌الإيمان تعريفه، ومذهب الحق فيه:

- ‌مذهب أهل السنة في الخلاف:

- ‌الخلاف أنواع:

- ‌1 - خلاف الترف:

- ‌2 - خلاف التنوع:

- ‌3 - الخلاف المعتبر أو خلاف الفهم والاجتهاد:

- ‌من صور الخلاف المعتبر:

- ‌الصورة الأولى: الخلاف بين أهل السنة أنفسهم:

- ‌الصورة الثانية: التأصيل والتمثيل:

- ‌الصورة الثالثة: الاختلاف في الأعيان:

- ‌الصورة الرابعة: اختلافهم في تصور مسألة أو فهم واقعة، ثم اختلافهم في حكمها

- ‌4 - خلاف الخطأ:

- ‌5 - خلاف الضلال:

- ‌6 - خلاف الهوى والجهالة:

- ‌7 - الخلاف الإداري:

- ‌قاعدته: التطاوع

- ‌حكم الاختلاف في العقيدة:

- ‌هل يجوز أن يلزم أحد أحداً باجتهاد أو رأي

- ‌خطورة الابتداع في الدين:

- ‌البراءة من البدع وأهلها، والتحذير من ذلك:

- ‌البدع وأهلها ليسوا سواء:

- ‌قواعد في معاملة أهل البدع:

- ‌الاستشهاد بقول أهل البدع

- ‌الطوائف الضالة:

- ‌المرجئة:

- ‌شبه حول الإرجاء:

- ‌الخوارج:

- ‌العلمانية والتجديدية:

- ‌أسباب ضلال الفرق الرئيسة:

- ‌المنهج معناه وقضاياه:

- ‌هل المنهج من العقيدة أم قسيمٌ لها

- ‌هل يجوز أن ينفصل المنهج عن العقيدة

- ‌العلماء ورثة الأنبياء:

- ‌الحكمة والرفق والعقوبة والقضاء:

- ‌الحاكمية: معناها، أنواعها، أدلتها

- ‌هل الحاكمية قسم رابع من أقسام التوحيد

- ‌السياسة: أنواعها، أحكامها:

- ‌فالسياسة الشرعية:

- ‌والسياسة البدعية:

- ‌الإنكار: أحكامه وأنواعه وقواعد إنكاره، وموقف المسلم منه:

- ‌شروط الإنكار وواجباته:

- ‌مراتب الإنكار ثلاث:

- ‌تنبيهات:

- ‌محذورات المنكِر خمسة:

- ‌المعينات على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المداهنة، المداراة، التقية:

- ‌طوائف الناس في هذا:

- ‌الجهاد: أحكامه، أنواعه

- ‌مفاسد الجهاد والخروج بغير ضوابط شرعية:

- ‌مفاسد القعود عن الجهاد، وعن الخروج الشرعي:

- ‌الحكام: أنواعهم، وأحكامهم:

- ‌والحكام -بعامة- أربعة:

- ‌الخروج على الحكام:

- ‌البيعة وأحكامها:

- ‌الراعي والرعية: أحكامهم، صفاتهم، واجباتهم

- ‌وجوب إنكار المنكر ولو لم يرض الحاكم:

- ‌على الرعية:

- ‌على الراعي:

- ‌تقدير المفاسد والمصالح:

- ‌داء المسلمين:

- ‌ الداء الأول: الجهل

- ‌ الداء الثاني: ضعف الإيمان

- ‌ الداء الثالث: تفرقهم وتمزقهم

- ‌ الداء الرابع: نفاذ كيد العدو

- ‌الداء الخامس: فقدان البيئة الصالحة

- ‌المجتمعات المعاصرة:

- ‌لا مواجهة ولا مداهنة:

- ‌ومن السنن المبتدعة في التغيير:

- ‌وجوب السعي إلى التغيير:

- ‌قواعد التغيير

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌القاعدة الرابعة:

- ‌القاعدة الخامسة:

- ‌أسس الإسلام:

- ‌الأول: العلم

- ‌تعريف العلم:

- ‌الثاني: العمل

- ‌وللعمل ضوابط ومحظورات:

- ‌الثالث: الدعوة إلى الله تعالى، أهميتها، حكمها، شروطها

- ‌حكمها:

- ‌ لا تجوز الدعوة إلا بشروط منها:

- ‌الناس في باب العلم والعمل والدعوة أطراف:

- ‌التكفير أنواعه وأحكامه

- ‌الكفر الأول: الكفر الأكبر:

- ‌الكفر الثاني: الكفر الأصغر:

- ‌التكفير -من حيث الإطلاق والتقييد- تكفيران:

- ‌التكفير تكفيران:

- ‌ونختم هذه المسألة بنصائح وتوجيهات:

- ‌الجاهلية: معناها، أحكامها، أنواعها

- ‌إقامة الحجة، والعذر بالجهل:

- ‌العموم، والإطلاق، والإجمال

- ‌لا يمكن اجتناب العموم:

- ‌وجوب اتباع المحكم، وحرمة اتباع المتشابه من الأقوال:

- ‌تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين يتبعون المتشابه:

- ‌الاحتجاج بالعموم والأخذ بالمتشابه من أسباب الضلال

- ‌كيف يفسر المتشابه؟ وكيف يحكم على قائله

- ‌الخلاصة:

- ‌من الضلال تفسير الكلام دون معرفة بأساليب اللغة العربية:

- ‌لازم المذهب، ولازم القول:

- ‌أحوال اللوازم:

- ‌أمثلة من اللوازم والتضليل:

- ‌المثال الأول:

- ‌المثال الثاني:

- ‌المثال الثالث:

- ‌التجسس وأحكامه:

- ‌الحزبية: أنواعها، وأحكامها:

- ‌صور للحزبية:

- ‌الفوضى وأحكامها:

- ‌العمل الجماعي، والعمل الفردي:

- ‌الضوابط الشرعية في التفريق بين التجمع المشروع، والحزبية المحرمة:

- ‌الفارق الأول:

- ‌الفارق الثاني:

- ‌الفارق الثالث:

- ‌الفارق الرابع:

- ‌الفارق الخامس:

- ‌الفارق السادس:

- ‌الفارق السابع:

- ‌مثال التجمع، ومثال التحزب:

- ‌التعصب:

- ‌ومن علاماته:

- ‌العلاج:

- ‌نداء لكل مسلم يحب عزة أمته:

- ‌العدل والإنصاف:

- ‌وإذا فُقِد العدل حل الظلم، وإذا انعدم الإنصاف وقع الإجحاف

- ‌فقه الموازنات:

- ‌ومما هو معلوم عند العلماء في هذا المقام:

- ‌حكم ذكر السلبيات في المسلمين

- ‌من أحكام النية في الإسلام:

- ‌الاهتمام بالأخلاق:

- ‌الغفلة الأولى:

- ‌الغفلة الثانية:

- ‌الغفلة الثالثة:

- ‌الغفلة الرابعة:

- ‌هل هناك فعلاً من ينكر الاهتمام بالأخلاق

- ‌الدعوة السلفية ودعاتها:

- ‌دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌المسلمون إخوة والكافرون أعداء:

- ‌المسلمون خير البرية، والكافرون شرها:

- ‌الوسائل والغايات:

- ‌سنة الله في الابتلاء، وحكمته في الافتتان:

- ‌حقائق كشفتها هذه الفتن:

- ‌أهم سلبيات هذه الفتن:

- ‌أربع قواعد تُهدم في الفتن:

- ‌الأولى: البحث عن الدليل والتمسك به

- ‌الثانية: رد التنازع إلى الكتاب والسنة

- ‌الثالثة: التثبت والسماع من الطرف الثاني

- ‌الرابعة: وجوب الاعتصام بالإسلام بين أهل السنة والجماعة

- ‌العواصم من الفتن:

- ‌الأول: استشعار المسلم بأنه مفتون

- ‌الثاني: كف اللسان واليد ما استطاع المسلم إلى ذلك سبيلاً

- ‌الثالث: التثبت والسماع من الطرف الثاني

- ‌ الرابع من الفتن: إعمال القواعد العظيمة في الإسلام:

- ‌ الخامس: العمل بأدب الخلاف، وقواعد الإنصاف، والبعد عن التعصب

- ‌ السادس: الوقوف عند حدود الله

- ‌ السابع: الرجوع إلى الراسخين

- ‌الأسلوب: أنواعه، وحكمه

- ‌تنوع الأساليب العربية:

- ‌إسقاط هب من التعبير

- ‌تعليق الأمر بالمحال:

- ‌حكاية قول الخصم دون نسبته إليه:

- ‌تجديد أسلوب الخطاب:

- ‌لكن هل يجوز إلقاؤه على الناس:

- ‌ الأولى: فهم الآخرين

- ‌الثانية: دعوى الخطأ

- ‌منهج الجرح والتعديل:

- ‌وأما الموانع فمنها:

- ‌ومن شروطها وأحكامها كذلك:

- ‌وبناء على ما سبق:

- ‌من أحكام التنازع:

- ‌ماذا يجب على المتنازعين

- ‌ماذا يجب على المسلمين في حال نشوء نزاع بين طرفين

- ‌من أحكام الردود:

- ‌كلام الأقران:

- ‌مفاسد هذا المذهب

- ‌قواعد الإنصاف في هذا الباب:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية من قواعد الإنصاف في هذا المقام:

- ‌القاعدة الثالثة من قواعد الإنصاف:

- ‌القاعدة الرابعة من قواعد الإنصاف:

- ‌قاعدة (نصحح ولا نجرّح):

- ‌قاعدة: إذا حكمت حوكمت، وإذا تعلمت هديت، وإذا دعوت أجرت

- ‌سيد قطب:

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الثالثة:

- ‌حكم الاستشهاد بأقوال سيد:

- ‌البراءة من أخطاء سيد:

- ‌حكم سيد قطب نفسه:

- ‌النصيحة الأخيرة:

- ‌وباختصار احذر خمساً:

- ‌الخاتمة

- ‌وأخيراً:

- ‌المراجع

الفصل: ‌ ‌لازم المذهب، ولازم القول: معناه: أن يقول رجل قولاً، أو يذهب

‌لازم المذهب، ولازم القول:

معناه: أن يقول رجل قولاً، أو يذهب مذهباً، ويلزم من هذا المذهب أو القول، لوازم من أقوال ومذاهب.

فهل هذه الأقوال والمذاهب تلزمه، ويحكم عليه بها، أم لا؟

مثاله: قول أحدهم: إن الله في كل مكان، فلازم هذا أن الله في الحمامات والمزابل، ومن قال بهذا فقد كفر، لكن لا يمكن أن نكفر كل من قال إن الله في كل مكان؛ لأنه سيرد هذا اللازم، ولا يعتقده، ويدَّعي أنه لم يكن منتبهاً له، أو يكون له فيه تأول معين.

‌أحوال اللوازم:

إن كان اللازم من الله (1) تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيلزم هذا العباد، بعد قيام الحجة عليهم، كقوله تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: (42)]. فلازم من اعتقد وجود آلهة أن يبتغوا إلى الله سبيلاً، ولما كان هذا محالاً وباطلاً دل ذلك على بطلان ما اعتقدوه.

وقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: (22)] فلازم اعتقادهم أن تفسد السماء والأرض بتنازع الآلهة، ولما كان من المعلوم فساد ذلك ضرورة، علم أن هذا اللازم باطل مما دل على بطلان ما اعتقدوا.

- أن يُذكر لصاحب القول اللازم ويرده، وفي هذه الحالة، لا يلزمه أبداً، ومن نسبه إليه فقد افترى وظلم.

- أن يُذكر له اللازم فيقبله، فهذا صار من قوله ومذهبه.

(1) شبه جملة من الجار والمجرور خبر كان

ص: 142

- أن يُذكر القول، دون بيان لازمه، قبولاً أو رداً، وفي هذه الحال، لا يجوز نسبة اللازم إلى صاحب القول حتى يُعلم موقفه منه، فقد يكون غير منتبه لذلك، أو لم يخطر له على بال، فإلزامه به ظلم له، وكذب عليه.

قال شيخ الإسلام: "وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان:

أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحقِّ حقٌّ، ويجوز أن يُضاف إليه، إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.

والثاني: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له، فقد يُضاف إليه، فلا يجوز أن يُضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه، لكونه قد قال ما يلزمه وهو لم يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزمه" [مجموع الفتاوى:(8/ 128)].

وقال: "وأما قول السائل: هل لازم المذهب؟ مذهب أم ليس بمذهب؟ فالصواب أن لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب له، إذا لم يلتزمه، فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه، كانت إضافته إليه كذباً عليه ولو كان لازم المذهب مذهباً، للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات أنه مجاز، ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يستلزم قول غلاة الملاحدة المعطلين الذين هم أكفر من اليهود والنصارى"[مجموع الفتاوى: (20/ 217)].

وتحت هذا الباب تندرج صور وأمور، يجب التنبيه لها:

الأولى: اللازم الصحيح -أي إذا صح أن يكون لازماً- لا يلزمه إلا إذا التزمه، وهذا ما أشرنا إليه سابقاً، فكيف إذا كان لا يلزمه أصلاً.

الثانية: ما لا يصح أن يكون لازماً أصلاً، سوى سوء القصد، وعقم الفهم، كمن يهتم بالدعوة إلى الأخلاق فليزمونه مذهب رجل باطل، كان يدعو إلى الأخلاق، أو يلزمونه تقديم الأخلاق على التوحيد، أو كمن يستشهد بكلامٍ صوابٍ لرجل عنده أخطاء، فيُلزمونه بتلك

ص: 143

الأخطاء، بدعوى أن الاستشهاد يعني المدح، والموافقة على باطله، أو يصحح مسألة عند عالم أو داعية، فيلزمونه مسائل باطلة، عند هذا العالم أو الداعية، وما شابه هذامن الإلزامات الباطلة، والترصدات الباردة، وحكايتها يغني -عند العقلاء- عن الرد عليها.

ولنا ضرب المثال التالي لينتبه الغافلون:

قال شيخ الإسلام في الفقرة المنقولة سابقاً: "وقد بينت أن التناقض واقع في كل عالم غير النبيين".

فقد يقول مترصد من هؤلاء:

إذن هناك تناقض عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وإذن طعن شيخ الإسلام بأبي بكر وعمر، وإذن أيد بكلامه هذا الشيعة، وإذن

، وإذن

، علينا البراءة منه، ومقاطعته، ومقاطعة كل من لا يتبرأ منه، إلى غير ذلك مما نسمعه صباح مساء، من هؤلاء الشباب، الذين أُطلق لهم الرسن، من بعض أصحاب الفتن.

الصورة الثالثة: تفسير الكلام وفهمه، حسب ما يحلو للقارئ، أو السامع.

كمن يمدح داعية لموقف أو لمسألة، فيفسرون هذا مدحاً مطلقاً له، وتزكية كلية، ودعوة لمذهبه، أو ما عنده من باطل، ولو كان هذا الأمر صحيحاً، لاتهمنا شيخ الإسلام بتزكية مذهب الأشاعرة والمعتزلة بالكلية، حين يمدحهم في مواقفهم في الدفاع عن الإسلام، والرد على أعدائه.

أو كمن يذكر لفظاً من ألفاظ القرآن الكريم، أو السنة في عباراته، كلفظ: الطاغوت أو الجاهلية، فيلزمونه تفسير أصحاب المذاهب الباطلة لها، لمجرد ذكره كلمة ذكروها، رغم أنها مذكورة في الكتاب والسنة، ورغم أن قائلها واضح المذهب.

الدخول في النيات:

هذا الفعل هو من أقبح وأشنع ما وقفنا عليه من مذهب المترصدين، فإذا ما غضبوا على مخالف لهم، فسُرعان ما يَلِجونَ في نيته، ثم يزعمون أنهم يطلعون على قلبه، ويكشفون

ص: 144

حقيقته، ثم يَغْرِزونَ خناجر الاتهام فيه، ثم ينشرونها على حبال التشهير، باسم السنة وحماية الدين، ينشرونها وهي تقطر -بدعواهم- ضلالاً، وخبثاً، وفساداً، وابتداعاً، دون أدلة -والله- ولا براهين، سوى الظنون الفاسدة، والإلزامات الباردة، ثم يغدون ويروحون يتباكُون على الإسلام والأمة الإسلامية، والدعوة الحق، والمنهج السليم، وقلما ينجو مُخالف لهم منهم، حتى الإمامان لم ينجوا من خناجرهم، ودخولهم في نياتهم (1).

فما إن يُخالف مقلدهم أو شيخهم أو زعيمَهم مخالفٌ إلا سارعوا إلى محاضراته يترصدونها، وإلى كتبه ينبشونها، كما ينبش اللصوص القبور، يفتشون هنا وهناك، فوق التراب وتحت التراب، لعلهم يحصلون على حبل القمر، أو قشة البعير، ثم يطيرون بها فرحين، وهم يصرخون: قصد كذا، أراد كذا، هذا تكفيري، خارجي، مرجئي، مداهن، عميل، من أين أتى بثمن سيارته؟ من أين أتى بثمن بيته؟ من أين أتى بتذاكر سفره؟ ! لو لم يكن مرتبطاً لما فعل كذا، لو لم يكن كذا لما كان كذا، وكلها إلزامات يستحي أولاد الكتاتيب أن يفهموها فهمهم، وفضلاً عن أن هذا فساد في الخُلُقِ، وإفساد للخَلْقِ، فهو إسعار للفتن، ومخالفة صريحة لمنهج السلف في النصح، كما أن فيه إساءة ظن، وادعاء علم الغيب، فإن ما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب ((أفلا شققت عن قلبه)) حتى قال أسامة:((وددت أني لم أكن أسلمت قبل هذا)) وذلك لهول هذا الأمر، أن تمنى أن يكون قوله هذا قبل الإسلام، حتى لا يحاسب عليه، أفلا تتعظون يا أصحاب الدخول في النيات.

ولو كان هؤلاء مصلحين، لما كان هذا أسلوبهم، بل لقاموا: بالنصيحة السرية، وبالكلمة الطيبة، كما أمر الله عز وجل بذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن أبى المنصوح فدونكم هو.

ولو شئنا أن نسلك مسلكهم هذا لقلنا: معظم أعمالهم هذه التي يترصدون بها عباد الله، إنما تدل على سوء قصدهم، وتبييتهم الشر لبعض مخالفيهم، وإثارة الفتن بين المسلمين، ولكنا لانفعل هذا، حتى لا نقع فيما نُهينا عنه.

(1) راجع حاشية ص 152

ص: 145