الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لازم المذهب، ولازم القول:
معناه: أن يقول رجل قولاً، أو يذهب مذهباً، ويلزم من هذا المذهب أو القول، لوازم من أقوال ومذاهب.
فهل هذه الأقوال والمذاهب تلزمه، ويحكم عليه بها، أم لا؟
مثاله: قول أحدهم: إن الله في كل مكان، فلازم هذا أن الله في الحمامات والمزابل، ومن قال بهذا فقد كفر، لكن لا يمكن أن نكفر كل من قال إن الله في كل مكان؛ لأنه سيرد هذا اللازم، ولا يعتقده، ويدَّعي أنه لم يكن منتبهاً له، أو يكون له فيه تأول معين.
أحوال اللوازم:
إن كان اللازم من الله (1) تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فيلزم هذا العباد، بعد قيام الحجة عليهم، كقوله تعالى:{قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} [الإسراء: (42)]. فلازم من اعتقد وجود آلهة أن يبتغوا إلى الله سبيلاً، ولما كان هذا محالاً وباطلاً دل ذلك على بطلان ما اعتقدوه.
وقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: (22)] فلازم اعتقادهم أن تفسد السماء والأرض بتنازع الآلهة، ولما كان من المعلوم فساد ذلك ضرورة، علم أن هذا اللازم باطل مما دل على بطلان ما اعتقدوا.
- أن يُذكر لصاحب القول اللازم ويرده، وفي هذه الحالة، لا يلزمه أبداً، ومن نسبه إليه فقد افترى وظلم.
- أن يُذكر له اللازم فيقبله، فهذا صار من قوله ومذهبه.
(1) شبه جملة من الجار والمجرور خبر كان
- أن يُذكر القول، دون بيان لازمه، قبولاً أو رداً، وفي هذه الحال، لا يجوز نسبة اللازم إلى صاحب القول حتى يُعلم موقفه منه، فقد يكون غير منتبه لذلك، أو لم يخطر له على بال، فإلزامه به ظلم له، وكذب عليه.
قال شيخ الإسلام: "وعلى هذا فلازم قول الإنسان نوعان:
أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحقِّ حقٌّ، ويجوز أن يُضاف إليه، إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذهب الأئمة من هذا الباب.
والثاني: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد بينت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إن عرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له، فقد يُضاف إليه، فلا يجوز أن يُضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه، لكونه قد قال ما يلزمه وهو لم يشعر بفساد ذلك القول ولا يلزمه" [مجموع الفتاوى:(8/ 128)].
وقال: "وأما قول السائل: هل لازم المذهب؟ مذهب أم ليس بمذهب؟ فالصواب أن لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب له، إذا لم يلتزمه، فإنه إذا كان قد أنكره ونفاه، كانت إضافته إليه كذباً عليه ولو كان لازم المذهب مذهباً، للزم تكفير كل من قال عن الاستواء أو غيره من الصفات أنه مجاز، ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يستلزم قول غلاة الملاحدة المعطلين الذين هم أكفر من اليهود والنصارى"[مجموع الفتاوى: (20/ 217)].
وتحت هذا الباب تندرج صور وأمور، يجب التنبيه لها:
الأولى: اللازم الصحيح -أي إذا صح أن يكون لازماً- لا يلزمه إلا إذا التزمه، وهذا ما أشرنا إليه سابقاً، فكيف إذا كان لا يلزمه أصلاً.
الثانية: ما لا يصح أن يكون لازماً أصلاً، سوى سوء القصد، وعقم الفهم، كمن يهتم بالدعوة إلى الأخلاق فليزمونه مذهب رجل باطل، كان يدعو إلى الأخلاق، أو يلزمونه تقديم الأخلاق على التوحيد، أو كمن يستشهد بكلامٍ صوابٍ لرجل عنده أخطاء، فيُلزمونه بتلك
الأخطاء، بدعوى أن الاستشهاد يعني المدح، والموافقة على باطله، أو يصحح مسألة عند عالم أو داعية، فيلزمونه مسائل باطلة، عند هذا العالم أو الداعية، وما شابه هذامن الإلزامات الباطلة، والترصدات الباردة، وحكايتها يغني -عند العقلاء- عن الرد عليها.
ولنا ضرب المثال التالي لينتبه الغافلون:
قال شيخ الإسلام في الفقرة المنقولة سابقاً: "وقد بينت أن التناقض واقع في كل عالم غير النبيين".
فقد يقول مترصد من هؤلاء:
إذن هناك تناقض عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وإذن طعن شيخ الإسلام بأبي بكر وعمر، وإذن أيد بكلامه هذا الشيعة، وإذن
…
، وإذن
…
، علينا البراءة منه، ومقاطعته، ومقاطعة كل من لا يتبرأ منه، إلى غير ذلك مما نسمعه صباح مساء، من هؤلاء الشباب، الذين أُطلق لهم الرسن، من بعض أصحاب الفتن.
الصورة الثالثة: تفسير الكلام وفهمه، حسب ما يحلو للقارئ، أو السامع.
كمن يمدح داعية لموقف أو لمسألة، فيفسرون هذا مدحاً مطلقاً له، وتزكية كلية، ودعوة لمذهبه، أو ما عنده من باطل، ولو كان هذا الأمر صحيحاً، لاتهمنا شيخ الإسلام بتزكية مذهب الأشاعرة والمعتزلة بالكلية، حين يمدحهم في مواقفهم في الدفاع عن الإسلام، والرد على أعدائه.
أو كمن يذكر لفظاً من ألفاظ القرآن الكريم، أو السنة في عباراته، كلفظ: الطاغوت أو الجاهلية، فيلزمونه تفسير أصحاب المذاهب الباطلة لها، لمجرد ذكره كلمة ذكروها، رغم أنها مذكورة في الكتاب والسنة، ورغم أن قائلها واضح المذهب.
الدخول في النيات:
هذا الفعل هو من أقبح وأشنع ما وقفنا عليه من مذهب المترصدين، فإذا ما غضبوا على مخالف لهم، فسُرعان ما يَلِجونَ في نيته، ثم يزعمون أنهم يطلعون على قلبه، ويكشفون
حقيقته، ثم يَغْرِزونَ خناجر الاتهام فيه، ثم ينشرونها على حبال التشهير، باسم السنة وحماية الدين، ينشرونها وهي تقطر -بدعواهم- ضلالاً، وخبثاً، وفساداً، وابتداعاً، دون أدلة -والله- ولا براهين، سوى الظنون الفاسدة، والإلزامات الباردة، ثم يغدون ويروحون يتباكُون على الإسلام والأمة الإسلامية، والدعوة الحق، والمنهج السليم، وقلما ينجو مُخالف لهم منهم، حتى الإمامان لم ينجوا من خناجرهم، ودخولهم في نياتهم (1).
فما إن يُخالف مقلدهم أو شيخهم أو زعيمَهم مخالفٌ إلا سارعوا إلى محاضراته يترصدونها، وإلى كتبه ينبشونها، كما ينبش اللصوص القبور، يفتشون هنا وهناك، فوق التراب وتحت التراب، لعلهم يحصلون على حبل القمر، أو قشة البعير، ثم يطيرون بها فرحين، وهم يصرخون: قصد كذا، أراد كذا، هذا تكفيري، خارجي، مرجئي، مداهن، عميل، من أين أتى بثمن سيارته؟ من أين أتى بثمن بيته؟ من أين أتى بتذاكر سفره؟ ! لو لم يكن مرتبطاً لما فعل كذا، لو لم يكن كذا لما كان كذا، وكلها إلزامات يستحي أولاد الكتاتيب أن يفهموها فهمهم، وفضلاً عن أن هذا فساد في الخُلُقِ، وإفساد للخَلْقِ، فهو إسعار للفتن، ومخالفة صريحة لمنهج السلف في النصح، كما أن فيه إساءة ظن، وادعاء علم الغيب، فإن ما في القلوب لا يعلمه إلا علام الغيوب ((أفلا شققت عن قلبه)) حتى قال أسامة:((وددت أني لم أكن أسلمت قبل هذا)) وذلك لهول هذا الأمر، أن تمنى أن يكون قوله هذا قبل الإسلام، حتى لا يحاسب عليه، أفلا تتعظون يا أصحاب الدخول في النيات.
ولو كان هؤلاء مصلحين، لما كان هذا أسلوبهم، بل لقاموا: بالنصيحة السرية، وبالكلمة الطيبة، كما أمر الله عز وجل بذلك ورسوله صلى الله عليه وسلم، فإن أبى المنصوح فدونكم هو.
ولو شئنا أن نسلك مسلكهم هذا لقلنا: معظم أعمالهم هذه التي يترصدون بها عباد الله، إنما تدل على سوء قصدهم، وتبييتهم الشر لبعض مخالفيهم، وإثارة الفتن بين المسلمين، ولكنا لانفعل هذا، حتى لا نقع فيما نُهينا عنه.
(1) راجع حاشية ص 152