الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام دين البشرية جمعاء، ودين مستقبلها:
لاشك عند كل مؤمن مطلع على كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن الإسلام دين البشرية جميعاً، يقيناً مستقراً، وإيماناً راسخاً بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: (28)]. ولأجل ذلك ختم الله برسوله محمد صلى الله عليه وسلم الأنبياء والرسل، وختم بالإسلام الأديان كلها، ونسخها، وكفّر من لم يدخل فيه، فقال تعالى:{إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: (190)].
وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: (85)]. وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: (48)]. وأوجب على الناس الدخول فيه كله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [سورة البقرة: الآية (208)].
وخطابات القرآن للناس جميعاً واضحة، وأوامره في ذلك جلية، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: (170)]. وقال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: (138)].
وتتجلى عالمية الإسلام، في سمو تشريعاته، وعموم خطاباته: يأيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، يا عبادي، فلم يناد بقومية، ولم يخاطب بعرق، بل نادى عموم البشرية، وخاطب أهل الإيمان كافة، وتتضح عالمية هذا الدين بشمول أحكامه، التي لا يحويها زمان، ولا يحدها مكان، ولا تخص شعباً دون الشعوب، ولا بلداً دون البلدان، بل هي عامة شاملة، صالحة للبشرية جمعاء، على اختلاف ألوانها ولغاتها، وتفرق أجناسها وقومياتها.
كما يجب أن يكون عند كل مسلم يقين، بأن الإسلام هو دين البشرية القادم، وأن الساعة لن تقوم حتى ينتشر الإسلام في أصقاع المعمورة كلها، بل سيهيمن عليها، لا يغادر مصراً إلا ويظله، ولا يبرح أرضاً إلا ويستوطنها، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: (9)].
فتقديم الضمير المنفصل في الآية ((هو)) دال على معان عظيمة، وله مغاز دقيقة، فمن ذلك: التفخيم والإشارة إلى ما سبق، والحصر، فهو الذي أرسل رسوله لا غيره، وهو إذن الذي يتولى أمره، وعليه وحده نصره.
وفي عُمق هذا التعبير، يتعلق أمل بل آمال مشرقة، ووراءه ستكون يوماً ما حقائق واقعية.
وتكمن وراء هذا الضمير ((هو)) أسماء الله الحسنى كلها، فـ ((هو)) بدلاً عن تسع وتسعين اسماً وصفة لله، فقوله:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} أي: "القدير" هو الذي أرسله، فهو قادر على نصره، ولو فعل الأعداء ما فعلوا، ولو كادوا ما كادوا، و"العليم" هو الذي أرسله فهو يعلم كيف ينصره، ومتى ينصره، و"الخبير" هو الذي أخبر عن نصره بعلم وصدق، و"العزيز" هو الذي أرسله فلا غالب له، و"الحكيم" هو الذي أرسله فيختار الوقت المناسب لنصره، والمكان المختار لإعلاء كلمته.
وذكر فعل الإظهار في قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} لأن "الإظهار" أعم من الانتصار، ولأن في الإظهار معنىً زائداً على "الانتصار، وهو: الهيمنة والقيادة، والقهر والسيطرة، وقوله تعالى:{الدِّينِ كُلِّهِ} يعني: أن الله سيظهره على الأديان والمذاهب والأنظمة جميعها دون استثناء، فإن لفظة الدين أعم من أي لفظة أخرى ترادفها، كالمذهب والمبدأ، والمنهج والحزب، وقوله تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: (8)]. فيه إشارة إلى أن الله يعلم بما سيقوم به الأعداء من محاولات شتى، وأساليب متنوعة، لإطفاء نور الله، وأنى لهم ذلك، وقد سمى الله دينه نوراً، وأضافه لنفسه تشريفاً وتعظيماً، حفظاً ونصراً، ولإشعار المتأمل، أن النور لا يمكن إطفاؤه أبداً؛ ذلك لأن النور لا يطفأ إلا من مصدره الأساس الذي ينبعث منه، كالبشر الذين يريدون إطفاء نور الشمس، ولما كان مصدر النور من الله، فأنى لهم أن يصلوا إليه فيطفئوه، ثم أنى لهم.
وقوله سبحانه: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: (8)]. فيه تأكيد لما سبق في معنى الإظهار الكلي على الأديان كلها، إذ سوف يتم الله إظهاره، ويكمل استعلاءه،
ويعم انتشاره في المعمورة كلها، ولو حاول ما حاول الكارهون له من المشركين والمنافقين، فالله هو صاحب الأمر، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو الذي يعلم سر كل شيء، وهو -لا غيره- الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون.
ثم تأتي الأحاديث المباركة لتؤكد هذا المعنى معنى الظهور الحسي، والاستعلاء المادي، على أديان البشرية جميعاً.
فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله زوى -أي: جمع وضم- لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)). [رواه مسلم: (8/ 171)].
وعن تميم الداري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر)) [رواه أحمد: (4/ 103) وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة (1/ 7)].
قال شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 7): "ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء، في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم، حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان".
قلت: وهذا الذي أشار إليه هذا الإمام، قد أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل، بما ستكون عليه حال الأمة في آخر الزمان، من الخلافة الراشدة، والقوة المانعة.
فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت)) [رواه أحمد: (4/ 273) وصححه شيخنا في السلسلة (1/ 7)].
قلت: وفي الآيات والأحاديث التي تبشر بأن المستقبل للإسلام، حافز قوي للمؤمنين، حتى يتحملوا المسئولية المناطة بهم، وأن يؤدوا الأمانة المعلقة بأعناقهم، حتى يتم أمر الله بالأسباب الكونية المادية المسنونة، والأحكام والأعمال الشرعية المعقودة بحسن النية، لا بالأماني المجردة عن الأعمال، والتباكي على الأمجاد، وتقاذف اللوم والاتهامات.
ووالله! ثم والله! الذي أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأبقى دينه إلى هذا الزمان! ليبقين دينه إلى آخر الزمان، وليأتين زمان يكون الإسلام فيه هو الظاهر على كل مكان في هذه المعمورة، لا يغادر بدواً ولا مصراً، ولا يترك حضراً ولا قصراً، إلا والناس -يومئذ- يوحدون ربهم، ويذوقون حلاوة إيمانهم، وينعمون بظل إسلامهم {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67].
فحذار ثم حذار من اليأس الذي يوسوس به الشيطان، إذا ما خسر المسلمون معركة، أو وقعت بهم مصيبة، أو تسلط عليهم عدو، إنما يريد الشيطان بذلك إلقاء اليأس في قلوب المسلمين، كي لا يعملوا بهذا الدين، ولهذا الدين، قال تعالى:{إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: (87)].
ولقد خسر الصحابة معارك، ووقعت فيهم أوابد، واجتمعت الأحزاب عليهم، وما زادهم ذلك إلا ثباتاً ويقيناً وعملاً، ومن الله تعالى قرباً، قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران آية: 173].
فقد خسروا في أُحد، وهزموا أول الأمر في حُنين، وقتل منهم سبعون عالماً وقارئاً في ساعة واحدة، في حادثة بئر معونة، وهي نسبة عالية في عددهم يومئذ، وغير ذلك مما وقع فيهم، ومع هذا كله، لم يفتّ ذلك من عضدهم، ولم يزعزع بالله ثقتهم، وكان شعارهم {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59]. وفي قراءة {ولا تحسبن} أي: لا تظن أن الكفار بانتصارهم في معركة، أو معركتين، غلبوا قدرة الله تعالى، فأفلتوا من قوته، كلا والله! فالله غالب على أمره، ولكنها حكمة الله البالغة، ودروسه المربّية، وابتلاءاته
المتكررة، قال تعالى:{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4]. ولكنا ما زلنا في تقصير في الأسباب الشرعية، وتفريط في السنن الكونية (1).
ورغم هذا كله، ورغم الصد الشديد عن ذكر الله، والتآمر على هذه الصحوة، والكيد بها، فما تزال أفواج التائبين مقبلة على الله، وما فتئت زمر المقبلين تتدفق على هذا الإسلام العظيم.
وما هذه الطلائع من الشباب العائد إلى ربهم في كل مكان إلا بشائر نصر، ومقدمات تمكين، ودلالات على صدق هذا الدين، وعودته نوراً يشرق على وجه المعمورة، فمن كان يظن أن يخرج من أصلاب التائهين في بلاد الغرب شباب يطيلون عزتهم بالإسلام قبل أن يطيلوا لحاهم، ويقصرون عن الشر قبل أن يقصروا ثيابهم؟ ! من كان يظن أن يخرج من أصلاب الذين كانوا ينادون بالعروبة والاشتراكية والشيوعية جيل يرفع راية التوحيد، ويدعو إلى الإسلام، ويلتزم أحكامه، إنه صدق هذا الدين، وأصالة هذا الدين، وأنه من رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على خاتم المرسلين، ليظهره على الدين كله ولو كره الكارهون، ولو كاد الكائدون {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص آية:(88)].
(1) قد فصلنا القول في ذلك في كتاب ((التِّيه والمخرج)) في باب التمسك بالإسلام جميعاً، قلت: قد نطقها بعض المترصدين هكذا ((التَّيْه والمخرج)).