المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الإسلام دين البشرية جمعاء، ودين مستقبلها: - منهج الاعتدال

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌بين يدي الكتاب

- ‌واقعنا العام المؤلم:

- ‌أمتنا أمة البقاء والنصر:

- ‌واقعنا الخاص المفجع:

- ‌ظهور التكفير والإرجاء:

- ‌حاجتنا إلى الاعتدال:

- ‌عقيدة وشهادة:

- ‌الإسلام دين الحق، والعدل والسلام:

- ‌الوجه الأول:

- ‌الوجه الثاني:

- ‌الوجه الثالث:

- ‌الإسلام دين الكمال والشمول:

- ‌الإسلام دين البشرية جمعاء، ودين مستقبلها:

- ‌التوحيد ومنزلته في الإسلام:

- ‌الشرك وخطورته:

- ‌من صور الشرك:

- ‌ضابط فهم الكتاب والسنة:

- ‌الطائفة المنصورة:

- ‌الانتساب إلى منهج السلف:

- ‌الإيمان تعريفه، ومذهب الحق فيه:

- ‌مذهب أهل السنة في الخلاف:

- ‌الخلاف أنواع:

- ‌1 - خلاف الترف:

- ‌2 - خلاف التنوع:

- ‌3 - الخلاف المعتبر أو خلاف الفهم والاجتهاد:

- ‌من صور الخلاف المعتبر:

- ‌الصورة الأولى: الخلاف بين أهل السنة أنفسهم:

- ‌الصورة الثانية: التأصيل والتمثيل:

- ‌الصورة الثالثة: الاختلاف في الأعيان:

- ‌الصورة الرابعة: اختلافهم في تصور مسألة أو فهم واقعة، ثم اختلافهم في حكمها

- ‌4 - خلاف الخطأ:

- ‌5 - خلاف الضلال:

- ‌6 - خلاف الهوى والجهالة:

- ‌7 - الخلاف الإداري:

- ‌قاعدته: التطاوع

- ‌حكم الاختلاف في العقيدة:

- ‌هل يجوز أن يلزم أحد أحداً باجتهاد أو رأي

- ‌خطورة الابتداع في الدين:

- ‌البراءة من البدع وأهلها، والتحذير من ذلك:

- ‌البدع وأهلها ليسوا سواء:

- ‌قواعد في معاملة أهل البدع:

- ‌الاستشهاد بقول أهل البدع

- ‌الطوائف الضالة:

- ‌المرجئة:

- ‌شبه حول الإرجاء:

- ‌الخوارج:

- ‌العلمانية والتجديدية:

- ‌أسباب ضلال الفرق الرئيسة:

- ‌المنهج معناه وقضاياه:

- ‌هل المنهج من العقيدة أم قسيمٌ لها

- ‌هل يجوز أن ينفصل المنهج عن العقيدة

- ‌العلماء ورثة الأنبياء:

- ‌الحكمة والرفق والعقوبة والقضاء:

- ‌الحاكمية: معناها، أنواعها، أدلتها

- ‌هل الحاكمية قسم رابع من أقسام التوحيد

- ‌السياسة: أنواعها، أحكامها:

- ‌فالسياسة الشرعية:

- ‌والسياسة البدعية:

- ‌الإنكار: أحكامه وأنواعه وقواعد إنكاره، وموقف المسلم منه:

- ‌شروط الإنكار وواجباته:

- ‌مراتب الإنكار ثلاث:

- ‌تنبيهات:

- ‌محذورات المنكِر خمسة:

- ‌المعينات على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المداهنة، المداراة، التقية:

- ‌طوائف الناس في هذا:

- ‌الجهاد: أحكامه، أنواعه

- ‌مفاسد الجهاد والخروج بغير ضوابط شرعية:

- ‌مفاسد القعود عن الجهاد، وعن الخروج الشرعي:

- ‌الحكام: أنواعهم، وأحكامهم:

- ‌والحكام -بعامة- أربعة:

- ‌الخروج على الحكام:

- ‌البيعة وأحكامها:

- ‌الراعي والرعية: أحكامهم، صفاتهم، واجباتهم

- ‌وجوب إنكار المنكر ولو لم يرض الحاكم:

- ‌على الرعية:

- ‌على الراعي:

- ‌تقدير المفاسد والمصالح:

- ‌داء المسلمين:

- ‌ الداء الأول: الجهل

- ‌ الداء الثاني: ضعف الإيمان

- ‌ الداء الثالث: تفرقهم وتمزقهم

- ‌ الداء الرابع: نفاذ كيد العدو

- ‌الداء الخامس: فقدان البيئة الصالحة

- ‌المجتمعات المعاصرة:

- ‌لا مواجهة ولا مداهنة:

- ‌ومن السنن المبتدعة في التغيير:

- ‌وجوب السعي إلى التغيير:

- ‌قواعد التغيير

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية:

- ‌القاعدة الثالثة:

- ‌القاعدة الرابعة:

- ‌القاعدة الخامسة:

- ‌أسس الإسلام:

- ‌الأول: العلم

- ‌تعريف العلم:

- ‌الثاني: العمل

- ‌وللعمل ضوابط ومحظورات:

- ‌الثالث: الدعوة إلى الله تعالى، أهميتها، حكمها، شروطها

- ‌حكمها:

- ‌ لا تجوز الدعوة إلا بشروط منها:

- ‌الناس في باب العلم والعمل والدعوة أطراف:

- ‌التكفير أنواعه وأحكامه

- ‌الكفر الأول: الكفر الأكبر:

- ‌الكفر الثاني: الكفر الأصغر:

- ‌التكفير -من حيث الإطلاق والتقييد- تكفيران:

- ‌التكفير تكفيران:

- ‌ونختم هذه المسألة بنصائح وتوجيهات:

- ‌الجاهلية: معناها، أحكامها، أنواعها

- ‌إقامة الحجة، والعذر بالجهل:

- ‌العموم، والإطلاق، والإجمال

- ‌لا يمكن اجتناب العموم:

- ‌وجوب اتباع المحكم، وحرمة اتباع المتشابه من الأقوال:

- ‌تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين يتبعون المتشابه:

- ‌الاحتجاج بالعموم والأخذ بالمتشابه من أسباب الضلال

- ‌كيف يفسر المتشابه؟ وكيف يحكم على قائله

- ‌الخلاصة:

- ‌من الضلال تفسير الكلام دون معرفة بأساليب اللغة العربية:

- ‌لازم المذهب، ولازم القول:

- ‌أحوال اللوازم:

- ‌أمثلة من اللوازم والتضليل:

- ‌المثال الأول:

- ‌المثال الثاني:

- ‌المثال الثالث:

- ‌التجسس وأحكامه:

- ‌الحزبية: أنواعها، وأحكامها:

- ‌صور للحزبية:

- ‌الفوضى وأحكامها:

- ‌العمل الجماعي، والعمل الفردي:

- ‌الضوابط الشرعية في التفريق بين التجمع المشروع، والحزبية المحرمة:

- ‌الفارق الأول:

- ‌الفارق الثاني:

- ‌الفارق الثالث:

- ‌الفارق الرابع:

- ‌الفارق الخامس:

- ‌الفارق السادس:

- ‌الفارق السابع:

- ‌مثال التجمع، ومثال التحزب:

- ‌التعصب:

- ‌ومن علاماته:

- ‌العلاج:

- ‌نداء لكل مسلم يحب عزة أمته:

- ‌العدل والإنصاف:

- ‌وإذا فُقِد العدل حل الظلم، وإذا انعدم الإنصاف وقع الإجحاف

- ‌فقه الموازنات:

- ‌ومما هو معلوم عند العلماء في هذا المقام:

- ‌حكم ذكر السلبيات في المسلمين

- ‌من أحكام النية في الإسلام:

- ‌الاهتمام بالأخلاق:

- ‌الغفلة الأولى:

- ‌الغفلة الثانية:

- ‌الغفلة الثالثة:

- ‌الغفلة الرابعة:

- ‌هل هناك فعلاً من ينكر الاهتمام بالأخلاق

- ‌الدعوة السلفية ودعاتها:

- ‌دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:

- ‌المسلمون إخوة والكافرون أعداء:

- ‌المسلمون خير البرية، والكافرون شرها:

- ‌الوسائل والغايات:

- ‌سنة الله في الابتلاء، وحكمته في الافتتان:

- ‌حقائق كشفتها هذه الفتن:

- ‌أهم سلبيات هذه الفتن:

- ‌أربع قواعد تُهدم في الفتن:

- ‌الأولى: البحث عن الدليل والتمسك به

- ‌الثانية: رد التنازع إلى الكتاب والسنة

- ‌الثالثة: التثبت والسماع من الطرف الثاني

- ‌الرابعة: وجوب الاعتصام بالإسلام بين أهل السنة والجماعة

- ‌العواصم من الفتن:

- ‌الأول: استشعار المسلم بأنه مفتون

- ‌الثاني: كف اللسان واليد ما استطاع المسلم إلى ذلك سبيلاً

- ‌الثالث: التثبت والسماع من الطرف الثاني

- ‌ الرابع من الفتن: إعمال القواعد العظيمة في الإسلام:

- ‌ الخامس: العمل بأدب الخلاف، وقواعد الإنصاف، والبعد عن التعصب

- ‌ السادس: الوقوف عند حدود الله

- ‌ السابع: الرجوع إلى الراسخين

- ‌الأسلوب: أنواعه، وحكمه

- ‌تنوع الأساليب العربية:

- ‌إسقاط هب من التعبير

- ‌تعليق الأمر بالمحال:

- ‌حكاية قول الخصم دون نسبته إليه:

- ‌تجديد أسلوب الخطاب:

- ‌لكن هل يجوز إلقاؤه على الناس:

- ‌ الأولى: فهم الآخرين

- ‌الثانية: دعوى الخطأ

- ‌منهج الجرح والتعديل:

- ‌وأما الموانع فمنها:

- ‌ومن شروطها وأحكامها كذلك:

- ‌وبناء على ما سبق:

- ‌من أحكام التنازع:

- ‌ماذا يجب على المتنازعين

- ‌ماذا يجب على المسلمين في حال نشوء نزاع بين طرفين

- ‌من أحكام الردود:

- ‌كلام الأقران:

- ‌مفاسد هذا المذهب

- ‌قواعد الإنصاف في هذا الباب:

- ‌القاعدة الأولى:

- ‌القاعدة الثانية من قواعد الإنصاف في هذا المقام:

- ‌القاعدة الثالثة من قواعد الإنصاف:

- ‌القاعدة الرابعة من قواعد الإنصاف:

- ‌قاعدة (نصحح ولا نجرّح):

- ‌قاعدة: إذا حكمت حوكمت، وإذا تعلمت هديت، وإذا دعوت أجرت

- ‌سيد قطب:

- ‌المرحلة الأولى:

- ‌المرحلة الثانية:

- ‌المرحلة الثالثة:

- ‌حكم الاستشهاد بأقوال سيد:

- ‌البراءة من أخطاء سيد:

- ‌حكم سيد قطب نفسه:

- ‌النصيحة الأخيرة:

- ‌وباختصار احذر خمساً:

- ‌الخاتمة

- ‌وأخيراً:

- ‌المراجع

الفصل: ‌الإسلام دين البشرية جمعاء، ودين مستقبلها:

‌الإسلام دين البشرية جمعاء، ودين مستقبلها:

لاشك عند كل مؤمن مطلع على كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بأن الإسلام دين البشرية جميعاً، يقيناً مستقراً، وإيماناً راسخاً بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: (28)]. ولأجل ذلك ختم الله برسوله محمد صلى الله عليه وسلم الأنبياء والرسل، وختم بالإسلام الأديان كلها، ونسخها، وكفّر من لم يدخل فيه، فقال تعالى:{إن الدين عند الله الإسلام} [آل عمران: (190)].

وقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: (85)]. وقال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: (48)]. وأوجب على الناس الدخول فيه كله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [سورة البقرة: الآية (208)].

وخطابات القرآن للناس جميعاً واضحة، وأوامره في ذلك جلية، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ} [النساء: (170)]. وقال تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: (138)].

وتتجلى عالمية الإسلام، في سمو تشريعاته، وعموم خطاباته: يأيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، يا عبادي، فلم يناد بقومية، ولم يخاطب بعرق، بل نادى عموم البشرية، وخاطب أهل الإيمان كافة، وتتضح عالمية هذا الدين بشمول أحكامه، التي لا يحويها زمان، ولا يحدها مكان، ولا تخص شعباً دون الشعوب، ولا بلداً دون البلدان، بل هي عامة شاملة، صالحة للبشرية جمعاء، على اختلاف ألوانها ولغاتها، وتفرق أجناسها وقومياتها.

كما يجب أن يكون عند كل مسلم يقين، بأن الإسلام هو دين البشرية القادم، وأن الساعة لن تقوم حتى ينتشر الإسلام في أصقاع المعمورة كلها، بل سيهيمن عليها، لا يغادر مصراً إلا ويظله، ولا يبرح أرضاً إلا ويستوطنها، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف: (9)].

ص: 24

فتقديم الضمير المنفصل في الآية ((هو)) دال على معان عظيمة، وله مغاز دقيقة، فمن ذلك: التفخيم والإشارة إلى ما سبق، والحصر، فهو الذي أرسل رسوله لا غيره، وهو إذن الذي يتولى أمره، وعليه وحده نصره.

وفي عُمق هذا التعبير، يتعلق أمل بل آمال مشرقة، ووراءه ستكون يوماً ما حقائق واقعية.

وتكمن وراء هذا الضمير ((هو)) أسماء الله الحسنى كلها، فـ ((هو)) بدلاً عن تسع وتسعين اسماً وصفة لله، فقوله:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ} أي: "القدير" هو الذي أرسله، فهو قادر على نصره، ولو فعل الأعداء ما فعلوا، ولو كادوا ما كادوا، و"العليم" هو الذي أرسله فهو يعلم كيف ينصره، ومتى ينصره، و"الخبير" هو الذي أخبر عن نصره بعلم وصدق، و"العزيز" هو الذي أرسله فلا غالب له، و"الحكيم" هو الذي أرسله فيختار الوقت المناسب لنصره، والمكان المختار لإعلاء كلمته.

وذكر فعل الإظهار في قوله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} لأن "الإظهار" أعم من الانتصار، ولأن في الإظهار معنىً زائداً على "الانتصار، وهو: الهيمنة والقيادة، والقهر والسيطرة، وقوله تعالى:{الدِّينِ كُلِّهِ} يعني: أن الله سيظهره على الأديان والمذاهب والأنظمة جميعها دون استثناء، فإن لفظة الدين أعم من أي لفظة أخرى ترادفها، كالمذهب والمبدأ، والمنهج والحزب، وقوله تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: (8)]. فيه إشارة إلى أن الله يعلم بما سيقوم به الأعداء من محاولات شتى، وأساليب متنوعة، لإطفاء نور الله، وأنى لهم ذلك، وقد سمى الله دينه نوراً، وأضافه لنفسه تشريفاً وتعظيماً، حفظاً ونصراً، ولإشعار المتأمل، أن النور لا يمكن إطفاؤه أبداً؛ ذلك لأن النور لا يطفأ إلا من مصدره الأساس الذي ينبعث منه، كالبشر الذين يريدون إطفاء نور الشمس، ولما كان مصدر النور من الله، فأنى لهم أن يصلوا إليه فيطفئوه، ثم أنى لهم.

وقوله سبحانه: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: (8)]. فيه تأكيد لما سبق في معنى الإظهار الكلي على الأديان كلها، إذ سوف يتم الله إظهاره، ويكمل استعلاءه،

ص: 25

ويعم انتشاره في المعمورة كلها، ولو حاول ما حاول الكارهون له من المشركين والمنافقين، فالله هو صاحب الأمر، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وهو الذي يعلم سر كل شيء، وهو -لا غيره- الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون.

ثم تأتي الأحاديث المباركة لتؤكد هذا المعنى معنى الظهور الحسي، والاستعلاء المادي، على أديان البشرية جميعاً.

فعن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله زوى -أي: جمع وضم- لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)). [رواه مسلم: (8/ 171)].

وعن تميم الداري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر)) [رواه أحمد: (4/ 103) وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة (1/ 7)].

قال شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 7): "ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء، في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم، حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان".

قلت: وهذا الذي أشار إليه هذا الإمام، قد أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل، بما ستكون عليه حال الأمة في آخر الزمان، من الخلافة الراشدة، والقوة المانعة.

فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت)) [رواه أحمد: (4/ 273) وصححه شيخنا في السلسلة (1/ 7)].

ص: 26

قلت: وفي الآيات والأحاديث التي تبشر بأن المستقبل للإسلام، حافز قوي للمؤمنين، حتى يتحملوا المسئولية المناطة بهم، وأن يؤدوا الأمانة المعلقة بأعناقهم، حتى يتم أمر الله بالأسباب الكونية المادية المسنونة، والأحكام والأعمال الشرعية المعقودة بحسن النية، لا بالأماني المجردة عن الأعمال، والتباكي على الأمجاد، وتقاذف اللوم والاتهامات.

ووالله! ثم والله! الذي أرسل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأبقى دينه إلى هذا الزمان! ليبقين دينه إلى آخر الزمان، وليأتين زمان يكون الإسلام فيه هو الظاهر على كل مكان في هذه المعمورة، لا يغادر بدواً ولا مصراً، ولا يترك حضراً ولا قصراً، إلا والناس -يومئذ- يوحدون ربهم، ويذوقون حلاوة إيمانهم، وينعمون بظل إسلامهم {لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام: 67].

فحذار ثم حذار من اليأس الذي يوسوس به الشيطان، إذا ما خسر المسلمون معركة، أو وقعت بهم مصيبة، أو تسلط عليهم عدو، إنما يريد الشيطان بذلك إلقاء اليأس في قلوب المسلمين، كي لا يعملوا بهذا الدين، ولهذا الدين، قال تعالى:{إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: (87)].

ولقد خسر الصحابة معارك، ووقعت فيهم أوابد، واجتمعت الأحزاب عليهم، وما زادهم ذلك إلا ثباتاً ويقيناً وعملاً، ومن الله تعالى قرباً، قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران آية: 173].

فقد خسروا في أُحد، وهزموا أول الأمر في حُنين، وقتل منهم سبعون عالماً وقارئاً في ساعة واحدة، في حادثة بئر معونة، وهي نسبة عالية في عددهم يومئذ، وغير ذلك مما وقع فيهم، ومع هذا كله، لم يفتّ ذلك من عضدهم، ولم يزعزع بالله ثقتهم، وكان شعارهم {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ} [الأنفال: 59]. وفي قراءة {ولا تحسبن} أي: لا تظن أن الكفار بانتصارهم في معركة، أو معركتين، غلبوا قدرة الله تعالى، فأفلتوا من قوته، كلا والله! فالله غالب على أمره، ولكنها حكمة الله البالغة، ودروسه المربّية، وابتلاءاته

ص: 27

المتكررة، قال تعالى:{وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4]. ولكنا ما زلنا في تقصير في الأسباب الشرعية، وتفريط في السنن الكونية (1).

ورغم هذا كله، ورغم الصد الشديد عن ذكر الله، والتآمر على هذه الصحوة، والكيد بها، فما تزال أفواج التائبين مقبلة على الله، وما فتئت زمر المقبلين تتدفق على هذا الإسلام العظيم.

وما هذه الطلائع من الشباب العائد إلى ربهم في كل مكان إلا بشائر نصر، ومقدمات تمكين، ودلالات على صدق هذا الدين، وعودته نوراً يشرق على وجه المعمورة، فمن كان يظن أن يخرج من أصلاب التائهين في بلاد الغرب شباب يطيلون عزتهم بالإسلام قبل أن يطيلوا لحاهم، ويقصرون عن الشر قبل أن يقصروا ثيابهم؟ ! من كان يظن أن يخرج من أصلاب الذين كانوا ينادون بالعروبة والاشتراكية والشيوعية جيل يرفع راية التوحيد، ويدعو إلى الإسلام، ويلتزم أحكامه، إنه صدق هذا الدين، وأصالة هذا الدين، وأنه من رب العالمين، نزل به الروح الأمين، على خاتم المرسلين، ليظهره على الدين كله ولو كره الكارهون، ولو كاد الكائدون {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص آية:(88)].

{مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} [الحج آية: 15].

(1) قد فصلنا القول في ذلك في كتاب ((التِّيه والمخرج)) في باب التمسك بالإسلام جميعاً، قلت: قد نطقها بعض المترصدين هكذا ((التَّيْه والمخرج)).

ص: 28