الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكم ذكر السلبيات في المسلمين
يشرع ذكر سلبيات بعض أفراد الطائفة المنصورة بإجمال دون تعيين لنصحهم، ولا يعني هذا الطعن بالطائفة المنصورة، والكتاب والسنة مليئان بذلك، كقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: (152)].
وقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ} [النساء: (72)].
وأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا كثيرة منها: ((ما بال أقوام
…
)) [رواه البخاري، ومسلم وغيرهما وبعدة مناسبات].
ومنها قوله: ((إن منكم منفرين
…
)) [رواه البخاري: (670) وأحمد: (2/ 273) عن أبي مسعود عقبة بن عمر].
وعلى هذا جرت بعض أقوالي كقولي: إن بعض السلفيين كسالى، أي: كسالى في نشر دعوتهم، وإن بعضهم لا يفهمون الدعوة، وهذا صحيح، فقد رأينا من ينتسب إلى هذه الدعوة المباركة، ولا يدرك كثيراً من أصولها، كما هي الحال في بلاد جنوب شرقي آسيا وغيرها.
ومنهم من يظن لجهله بواقع المسلمين: أن كل من ينتسب إلى هذه الدعوة، هو على درجة عظيمة من التوحيد والعلم والتقوى.
ومنهم من يعتقد -لوسوسة فيه، أو لسوء ظَنٍّ مَرَدَ عليه- أن كل كلمة ينتقد فيها أفراد ينتسبون إلى جماعات، هو نقد للجماعة كلها أو لمنهجها، فإذا انتُقِدَ بعض أفراد طائفته، ظن أنه هو المقصود بذلك، أو المقصود بهذا أئمتها.
ومن ذلك ما يظنه بعضهم -لسوء فهم، أو قلة علم- يظن أن انتقاد السلفيين بذكر أخطائهم، هو انتقاد للسلفية، ولاشك أن السلفية شيء، والسلفيين شيء آخر، كالإسلام والمسلمين، وعلى هذا فانتقاد بعض السلفيين بحق جائز، وانتقاد السلفية زندقة وجهل،
كانتقاد الإسلام والمسلمين، وإذا انتُقِد بعض الصحابة، فهل يعني هذا، انتقاد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو انتقاد الإسلام؟ !
ومنهم من يظن أن السلفيين في مقام العصمة، وأن نصحهم يعني الطعن بهم، ولا شك أنهم خيرة الناس لتوحيدهم واتباعهم، ولكن هذا لا يعني عصمتهم، فهم من المسلمين، وفيهم ما فيهم، وليسوا هم بأعز -عند الله وعند الناس- من الصحابة، وقد قال الله فيهم:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: (152)].
وقال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((أفتان أنت يا معاذ)) [البخاري (5775) ومسلم (465) عن جابر بن عبد الله].
وقال صلى الله عليه وسلم مخاطباً الصحابة والمسلمين من بعدهم: ((إن منكم منفرين
…
)) سبق تخريجه.
فهل قصد بذلك أبا بكر وعمر، أم قصد من ينفر، سبحان الله! وكذلك كان قصدي من عباراتي في نصح السلفيين، كقولي: منهم من يفقد الحكمة، أو كسالى، أو عبارات نحوها لا أذكرها الآن، وذلك تحقيقاً لقوله تعالى:{وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: (152)].
فما بال بعضهم لا يعرف العدل والإنصاف؟
هذا ولم يمنع شيخَ الإسلام مانعٌ، أن يذكر سلبيات أهل الحديث، تحقيقاً للعدل والإنصاف، وبياناً للحق ونصحاً فيه، قال رحمه الله: "ثم إنهم -أي أهل الحديث- بهذا المنقول الضعيف، والمعقول السخيف، قد يُكفّرون ويُضللّون، ويُبَدّعون أقواماً من أعيان الأمة ويجهلونهم، ففي بعضهم من التفريط في الحق، والتعدي على الخلق، ما قد يكون بعضه خطأ مغفوراً، وقد يكون منكراً من القول وزوراً، وقد يكون من البدع والضلالات، التي توجب
غليظ العقوبات، فهذا لا ينكره إلا جاهل أو ظالم، وقد رأيت من هذا عجائب" (1)[مجموع الفتاوى 4/ 24].
وقال ابن ناصر الدين الدمشقي: "كما أن جماعة من علماء الأثر بالغوا في الإثبات، وقبول الضعيف والمنكر، ولهجوا بالسنة والاتباع (2) فحصل الشغب، ووقعت البغضاء، وبدّع هذا هذا، وكفّر هذا هذا"[الرد الوافر 2/ 20].
قلت: ونحن كذلك قد رأينا في زماننا ما هو أعجب، ممن ينتسب إلى السلفية، غير أن هؤلاء يكفرون، وهؤلاء يبدعون.
فهم في منهجهم كالتكفيريين من حيث سوء الخُلق، والتعدي على الخلق، وبذاءة اللسان، والاتهام بغير تثبت.
وكثيراً ما كان شيخنا الألباني وغيره من علماء الدعوة، يصرحون على الملأ بأخطاء السلفيين، وكان شيخنا يتأوه ويزفر من ذلك، ويكرر قولته المشهورة:"لقد سعينا في التصفية، ولم نسع في التربية".
وكان حفظه الله يقول: "أصيبت أمتنا في عقيدتها، وأصيب السلفيون في أخلاقهم". (3)
(1) قلت: رحمك الله ياشيخ الإسلام .. ما أعدلك؛ وما أصدقك في واقعك، بل وفي واقعنا؛ وكأنك تعيش بين أظهرنا .. وإذا كان ابن تيمية رأى العجائب في بعض أهل الحديث، فقد رأينا في بعضهم البلايا من الكذب والتدليس. والتحريش والتحريض.
(2)
قلت: رحمك الله من موفق، فإن كثيراً ممن يثيرون الفتن في مراكز المسلمين، يلهجون بالسنة والدين، والاتباع والبراءة من أهل البدع، فما أشبه اليوم بالبارحة.
وضابط الفرق بينهم وبين المتبعين حقاً الذين يتهمون ظلماً، هو اتباع الراسخين من الأئمة كالألباني وابن باز في زماننا، فمن تركهم واتبع من هو دونهم في إثارة الفتن كان من أولئك.
(3)
ومن العجب أن تجد قوماً يلوكون بألسنتهم أعراض العلماء والدعاة .. بالاسم الصريح، والوصف القبيح .. حتى لاكت ألسنتهم الشيخين الكبيرين وغيرهما من العلماء، فأما الألباني فقالوا عنه:(سلفيتنا أقوى من سلفيته)، وأما ابن باز حفظهما الله فقالوا:(مداهن لأهل البدع)، (طعن السلفية طعنة خبيثة)، فقلما ينجو داعية أو عالم من لسانهم، ويرون هذا من النصح.
وإذا ذكر رجل سلبية بعامة، دون تعيين صاحبها لإصلاحها، قالوا: هذا طعن في الطائفة المنصورة ..
فعلى منهجهم هذا في الطعن، يجوز لهم ذلك الطعن في الأفراد تعييناً ولو كانوا علماء، ولا يجوز لغيرهم النصح بعامة، والظاهر أن هؤلاء قد فقدوا عقولهم قبل تقواهم. ولو حوسبوا على منهجهم: لكانوا هم الذين يطعنون بالسلفية لأنهم يطعنون بأئمتها.