الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقه الموازنات:
هذا الباب تتمة لما قبله، وفيه تداخل نظراً للاشتراك في المعنى.
وفقه الموازنات: اصطلاح مُحدث، ولا ضير في الاصطلاح، إذا لم يخالف مضمونه حقاً.
وقول الحق فيه: ما قاله أئمة أهل السنة، الذين عرفوا بالعدل والإنصاف، لا بالظلم والإجحاف، والتشنج والإفساد، كالأئمة الأربعة، وابن تيمية، وابن القيم، وما كان عليه هذان الإمامان ابن باز، والألباني، حفظهما الله، ولا ضير على من اتبعهم، ولكن البئيس من خالفهم، وصفَّ نفسه في صفِّهم، أو تعالم عليهم، وأعرض عن التحاكم إليهم كبراً وعنصرية.
ومما هو معلوم عند العلماء في هذا المقام:
الأول: إذا أريد الوقوف على حقيقة معيّن، جُمعت حسناته وسيئاته، ثم يُنظر في أمره ومن كان له بصر، فليراجع سير أعلام النبلاء، وكتب الجرح والتعديل، وعمل الناقدين المنصفين من الفحول من هذه الأمة.
فإن كانت أصوله صحيحة، وهو من أهل الاجتهاد، وكانت طرق استدلاله مستقيمة، فلا يلتفت إلى وقوعه في خطأ أو خطأين، أو تمثيل أو تمثيلين، أو أكثر من ذلك.
وإن كانت أصوله فاسدة، عدّ من أهل البدع والضلال، ولا يلتفت إلى إصابته في مسألة أو مسألتين أو أكثر، ولا يمنع من الاستشهاد بما أصاب به لغرض شرعي، إذا انتفت موانع الاستشهاد.
الثاني: لا يحل نشر سيئات الأئمة العاملين ذوي الأصول الصحيحة، ولا أخطاء العلماء الراسخين إلا عند الحاجة لتصحيحها، وفي حدود ضيقة، ودون التعرض لأعيانهم، على قاعدة:(نصحح ولا نجرح).
الثالث: ينبغي التفريق بين الأخطاء العلمية، والأخطاء الشخصية.
فأما الأولى: فيجوز تصحيحها بالطرق العلمية، والأخلاق الإسلامية، ويفضل نصح العالم قبل النشر، وذلك تحقيقاً للتناصح، ودفعاً لإشغال الناس.
وأما الأخطاء الشخصية: فلا يجوز نشرها البتة، إلا إذا ترتب على السكوت عنها مفسدة، وذلك بعد نصحه وإصراره.
الرابع: لا يحل نشر حسنات أهل البدع والضلال، لكي لا يغتر الناس بهم إلا في حدود ضيقة، تتحقق فيها مصلحة، وتندفع المفسدة، ولا يترتب عليها اغترار.
الخامس: لا يلزم كلما ذكر رجل من أهل البدع لسبب ما، أن تذكر بدعته وضلالته، إلا حين غلبة الظن بوقوع الاغترار.
السادس: إن على المسلم أن يتقي الله عز وجل في كل لفظ يلفظه، ولا يحمله أخطاء المخطئين، وابتداع المبتدعين على ظلمهم، وتحميلهم ما لم يحملوه، وسوء الظن بكل فرد منهم.
فأمامنا حساب، وبين يدي الله تحاكم، وإنه لا يستبعد أن يغفر الله للمخطئين لحسن قصدهم، أو لحسنات عندهم، ويعاقب المنتقدين ولو كانوا صحيحي العقيدة، وذلك لظلمهم لإخوانهم، وافترائهم عليهم، أو لسوء أخلاقهم، وفحش عباراتهم، فإن المرأة التي كانت تؤذي جيرانها، هي في النار رغم حسن عقيدتها، وحسن عبادتها، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها، أي: ظلمتها، فكيف بظلم علماء ودعاة اجتهدوا فأخطأوا أو حتى وقعوا في الابتداع، فصاحب هذا الظلم أولى بالنار ممن أساء إلى جاره، أو ظلم هرة، ولذلك كانت القاعدة التالية وهي الأخيرة.
السابع: لا يجوز هضم كل حسنات الرجل إذا ما سقط في أخطاء، ولا يجوز ظلمه والتعدي عليه، ولا يجوز إساءة الظن بكل مخطئ، ومبتدع، بل الأولى ترك ذلك بالكلية.
وقد ذكر شيخ الإسلام من حسنات أهل البدع، ومن سلبيات أهل الحديث، في مواضع كثيرة سيأتي بعضها إن شاء الله في باب جواز ذكر السلبيات.
ويمكن مراجعة مجموع الفتاوى [4/ 12 - 24]. (1)
ومن ذلك: ما نقلناه عنه قبل قليل: "ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة، وحسنات مبرورة، ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخطأ في بعض ذلك فالله يغفر له خطأه، تحقيقاً للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [سورة البقرة: 286]. ومن اتبع ظنه وهواه فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ظنه صواباً بعد اجتهاده، وهو من البدع المخالفة للسنة، فإنه يلزمه نظير ذلك أو أعظم أو أصغر فيمن يعظمه هو من أصحابه، فقل من يسلم من مثل ذلك في المتأخرين".
ومن ذلك كذلك ما نقلناه قبل قليل عن ابن القيم -بعد أن تكلم عن أهل البدع-: "وهذه الشطحات أوجبت فتنة على طائفتين من الناس، إحداهما: حجبت بها عن محاسن هذه الطائفة
…
، والطائفة الثانية: حجبوا بما رأوه من محاسن القوم، وصفاء قلوبهم، وصحة عزائمهم، وحسن معاملاتهم عن رؤية عيوب شطحاتهم، ونقصانها، فسحبوا عليها ذيل المحاسن، وأجروا عليها حكم القبول والانتصار لها، واستظهروا بها في سلوكهم.
وهؤلاء أيضاً معتدون مفرطون.
والطائفة الثالثة: -وهم أهل العدل والإنصاف- الذين أعطوا كل ذي حق حقه، وأنزلوا كل ذي منزلة منزلته، فلم يحكموا للصحيح بحكم السقيم المعلول، ولا للمعلول السقيم بحكم الصحيح، بل قبلوا ما يقبل، وردوا ما يرد، ألا ليت بعض الناس يسمعون، ويعقلون وينصتون، وهذا هو الذي عليه هذان العالمان ابن باز والألباني فاسألوهم إن كنتم صادقين.
(1) وإذا خالف هذا القول قول أهل السنة وبخاصة هذين الإمامين، فأنا راجع عنه في حياتي وبعد مماتي، وسوف أكتب تفصيلاً في هذا إن شاء الله تعالى، لكن ما يزال بعض الناس في إعجابهم برأيهم سادرين، وعلى الأئمة متعالمين، وكأنهم يرون أنفسهم معصومين.