الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما التجديدية: فتدعو إلى تجديد الدين نفسه، وإلى تبديل الأصول الفقهية، وتغيير القواعد الكلية، لا تجديد دين الناس أنفسهم وإيمانهم، ولا دعوتهم إلى التمسك بدينهم، والتحلي بأخلاقه (1).
وهاتان الدعوتان من أخطر الدعوات التي دبت في الأمة، ظاهرهما الإصلاح، وباطنهما الضلال المحض، والهدم لهذا الدين، سواء شعر دعاة هذه المذاهب بذلك أم لم يشعروا.
أسباب ضلال الفرق الرئيسة:
تنحصر أسباب ضلال الفرق عن الحق في ثلاثة أسباب رئيسة:
السبب الأول: عدم الانضباط بمنهج الصحابة، فهذا هو السبب الأساس، الذي دفعهم إلى الضلال، وهو الفارق الأول، والخلاف الرئيس بيننا وبينهم، وهو عدم اتباعهم منهج الصحابة في الفهم، والعمل، والسلوك، ثم فرخ هذا الخلاف بعد ذلك.
وعلى هذا فليس الخلاف الأساس بيننا وبين الخوارج التكفير بالذنب، وبيننا وبين المعتزلة القول بخلق القرآن، إنما الخلاف الأساس: خروجهم عن منهج الصحابة والسلف، ثم تفرعت هذه الضلالات، وستتفرع ضلالات أخرى عندهم وعند غيرهم، (2) لهذا السبب الأساس.
السبب الثاني: الهوى، وله صور كثيرة منها: تقديم المصالح الدنيوية، وحظوظ النفس على المصالح الشرعية.
السبب الثالث: الجهل بأصول هذا الدين، وأساليب اللغة العربية وقواعدها، والجهل بطرق استنباط الأحكام، والجهل بتطبيق قواعده، كالموازنة بين المصالح والمفاسد، وفقدان العمل بفقه الأولويات، وعدم تطبيق قاعدة:"دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح"
(1) راجع كتابنا (صراع الفكر والاتباع) ففيه رد على هؤلاء.
(2)
لم يدرك هذا بعض الحاقدين فذهب يتقول علينا، عامله الله.
والجهل بقواعد التعاون بين المسلمين، فيما يجوز وما لا يجوز، والجهل بحقوق الولاء والبراء، والأخوة، ومن أهم المسائل في هذا المقام، الجهل بقواعد الخلاف، أنواعه، وآدابه، ومواقفه.
ثم حصل من الفرق بسبب ذلك خلافات كثيرة، كالخروج على الحاكم المسلم العاصي، أو الظالم، والتكفير بالذنب، والقول بخلق القرآنـ و
…
الخ، وهي خلافات كما ترى عظيمة، ومفاسدها كبيرة، لكن كل هذه الخلافات ترجع إلى الأسباب السابقة.
وثمة أسباب أخرى، وراء هذا التفرق الذي يعاني منه المسلمون، منها ما يكون اجتهادياً لا ينبغي التفرق لأجله، ومنها ما يكون بسبب فقدان التربية، الأمر الذي جعل كثيراً من الشباب حيارى، وغير ذلك مما لا محل لذكرها هنا (1).
وينبغي التفريق بين القولين:
((الخلافات بين الجماعات والفرق)) و ((الانشقاقات في الجماعات)) فأما الأول: فالمقصود واضح، وهو أسباب الخلافات بين الطوائف، وقد أشرنا إلى معظمها.
وأما الانشقاقات في الجماعات، أي: ضمن الجماعة الواحدة، من هذه الجماعات، والأحزاب المعاصرة، فمعظمها أخلاقي، كالتنازع على المصالح الشخصية، والاختلاف على المناصب الإدارية، والخوض في الأمور المالية، والتفرق على آراء لا توجب شقاقاً، ولا تفسد اجتماعاً، ولا ينفي هذا وجود خلافات منهجية، وأحياناً عقدية، ولكنها قليلة أمام الأسباب الأخلاقية. (2)
(1) راجع محاضرة ((الخلاف أنواعه ومواقفه)).
(2)
هذا الذي قصدت بعبارتي، فليتق الله الذين يترصدون، وينقلون ولا يفهمون، وليتنبه الذين يُسألون، وليتريث الذين يسمعون، فإنها أمانة النقل، وأمانة التصديق وأمانة يسمعون. {وقفوهم إنهم مسؤولون} [الصافات:(24)] ثم لماذا يشنع إخواننا على من قال: ((انشقاقات الجماعات أخلاقية)) وهم يرون أن الأخلاق من العقيدة، وفضلاً عن أنهم لم يفهموا المقصود، فقد خالفوا المعهود.