الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رؤوسهم، فوقعوا في شراك نصبت لهم، فارتد ذلك آثاراً سلبية عليهم، وعلى الدعوة، وعلى أمتهم.
وقد وقعوا في ذلك؛ نظراً للأعداد الغفيرة العائدة إلى الله، وندرة العلماء الراسخين، وغياب المربين، وقلة الأقوياء الأمناء من الموجهين، فضلاً عما يبيته العدو من مكر شديد، وخبث كبير.
وباتت الدعوة إلى الاعتدال من أولى الأولويات، والاعتدال: هو اتباع الشرع دون إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تمييع، ومن جهل بأمر أو موقف فعليه بالراسخين من أهله، وليعلم المسلم أنه لا اعتدال إلا بالشرع، ومن خرج عن الشرع فقد تطرف (1)، ومن صور التطرف الخروج عن الراسخين.
ولقد وقع في التطرف كثير من الناس، غلواً أو تقصيراً، في الأحكام والأفعال، وقلما ترى ذاك الوسط المعتدل.
ظهور التكفير والإرجاء:
فظهر التكفير بأبشع صوره، وبلغ به الحد تكفير أئمة الإسلام، والخروج على عامة المسلمين يكفرونهم ويذبحون أطفالهم وشيوخهم، وينتهكون أعراض نسائهم.
وقابل هذا: إرجاء بأسخف صوره، بلغ حداً، أن جعل أعداء الإسلام الملحدين مؤمنين، وأئمة الكفر من الشيوعيين واللادينيين، ولاة أمر كثير من المسلمين، يجب طاعتهم، وتحرم معصيتهم، حتى منعوا الخروج على المستعمرين، وسوغوا لهم الحكم بما شرعت الشياطين.
(1) التطرف يشمل الذين يتطرفون عن الحق غلواً في الدين، أو تقصيراً فيه، أو تحريفاً لأحكامه.
وقد خصت اللفظة في الآونة الأخيرة من قبل خصوم الإسلام بالغلاة، وبكل من يتمسك بهذا الدين، ويجاهد لإعلاء كلمته ولو كان على سبيل الاعتدال.
وبلغ الغلو مبلغاً: أن حرم بعضهم الاستفادة من العلماء الذين وقعوا في بعض البدع والأخطاء، وحرقوا كتبهم، بل بدّعوا من استغفر لهم.
وذهب غلاة آخرون، إلى تحريم الاستعانة بالوسائل العصرية، في الدعوة والحياة الدنيوية، وإن كان ذلك دون مخالفة شرعية، وعدّوا ذلك من الابتداع والضلال.
وقابلهم آخرون، بالتساهل في الدين، بل بالتقصير والمداهنة لعوام المسلمين، وأتوا بعلوم غريبة، وفتاوى عجيبة، فأباحوا ما حرم الله في الكتاب والسنة، وما أجمعت عليه الأمة، فأباحوا الربا، والدخول في جيوش الكفار، والإقامة بين أظهرهم دون اضطرار، وقالوا: إن اليهود والنصارى إخواننا، وأباحوا الموسيقى والتصوير، وما شابه ذلك من الباطل والتزوير.
ونشأت فرقة في زماننا يمكن تسميتها ((فتنة التبديع والتخريب المبدّعة)) مبدؤها: تبديع الناس وتضليلهم، بل قذفهم وتخبيثهم، لوقوعهم -في ظنهم- في بدعة، أو فيما حكموا هم عليه بأنه بدعة، بل بدعوهم لأنهم لم يبدعوا من بدعوهم، وقد يكون الأمر كله من باب الاجتهاد، والخلاف المعتبر، وساروا على قاعدة أحدثوها، لم يسبقهم إليها أحد من الإنس والجن، ((من لم يبدّع المبتدع، فهو مبتدع، يجب هجره وفضحه و
…
)) والمبتدع -عندهم- هو الذي يرونه هم أنه مبتدع، ولو خالفوا الأولين والآخرين.
ولا يفرقون بين بدعة وبدعة، ولا بين من وقع في بدعة وبين من كان في أصوله البدعة، أو يدعو إلى بدعة، يفرق ويفارق عليها، وبين من كان مخالفاً في بدعته الكتاب والسنة باتفاق، وبين من كان مجتهداً متأولاً، فبدّعوا من أهل العلم من لا يستحق ذلك، وغمزوا بهم، وأمروا بهجرهم، وهجر من لا يبدعهم وإلا هجروهم.
ومن تلك الفتن: التعلق بالحزبيات والجماعات على مختلف صورها، وتنوع مشاربها.
ومن ذلك: التعلق بالأعيان شيوخاً أو زعماء، وتقليدهم بأبشع صور التقليد، وإذا كان يمكن إعذار مقلدي المذاهب الأربعة لجهلهم، ولعلو مكانة الأئمة رحمهم الله، علماً وفضلاً، فقهاً وديناً، فإنك لا تجد لهؤلاء عذراً، إلا الجهل وقلة الفهم، والتنطع وسوء الخلق.
ولقد وقع بذلك مفاسد كبيرة، وفتن عظيمة، وضياع أوقات ثمينة، وتفرق كبير من أجل الأعيان، وأصبحت علامة المهتدي عندهم موافقة شيخهم، وآية الضال الحزبي المبتدع -على تعبيرهم- مخالفة شيخهم، وحصل من جراء ذلك كذب واتهامات، ووشاية وافتراءات، انتقاماً وحسداً.
وكلها مبنية على ظنون كاذبة، وتحميل الكلام ما لا يحتمل، وتفسيره على ما يُشتهى، وإلزامات لا تلزم، بنوا عليها أحكاماً وأفعالاً، وغالب الذين يفعلون هذا لا يُعرفون بعلم ولا دعوة، وإنما عُرفوا بتتبع عورات الناس، والتنقيب عن عيوب ألفاظهم، فإن لم يجدوا لهم عورة، ألزموهم إلزامات من عندهم، ثم دخلوا في نياتهم، فانظر إلى أول كتاب ألفوه، وإلى أكبر شغل اشتغلوه! هل هو في العلم؟ أم في العمل؟ أم في الدعوة وأساليبها؟ أم في تتبع العورات، والنبش في الألفاظ، وإلصاق الاتهمات (1)؟ !
(1) وقد أصابني من غبارهم كما أصاب الذين من قبلي. كما هي سنة الله في خلقه في الابتلاء، وكان سر ذلك نصحي لبعضهم: بعدم مواجهتهم بعض الحكام لانتفاء الشروط، وتحقق الموانع .. ولنصيحتنا للأفغان بالسعي لتحقيق شروط النصر، وإلا ستكون النتائج وخيمة، والعاقبة أليمة، ثم تبيّن للجميع بعد ذلك صحة قولنا، وسداد نصيحتنا، وكثير منهم أعلن تراجعه، واعترف بأخطائه، ولكن الغبار ما يزال على بعض عيون الناس، مما قذفونا به، بغير حق من مكان بعيد، ظلماً وزوراً، والله شهيد على ما يفعلون.
وآخرون قذفوا بالتهم، لاستشهادنا بقول من وقع في بدعة، أو لاستعمالنا ألفاظاً ورد أكثرها في القرآن الكريم كالطاغوت والجاهلية والصحوة .. مما لا يوافق منهج المداهنة.
وآخرون افتروا حسداً من عند أنفسهم، أو عصبية وعنصرية .. ولم يأت أحد منهم بأدلة شرعية، أو أخبار صحيحة، سوى تناقل القيل والقال، أو تحميل الكلام، أو الكتابة بأسلوب العاطفة الذي ينخدع به كثير من الناس.
والحقيقة أن بعضهم قد أوتي أسلوباً عظيماً في الخداع، وطريقة ماكرة في التمويه، فظاهره الصدق، وحقيقته الكذب والخداع والتمويه، والتباكي على الحق، وعلى الأمة الإسلامية، وأخيراً على الدعوة السلفية. ومن ذلك أن عمد أحد المجهولين إلى تحريف عبارات لي، أو قطعها من سياقها وسباقها. ثم عرضها على بعض الشيوخ .. فمنهم من أمسك فنجى، ومنهم من قدح بناء على المسائل المنسوبة لنا كذباً فظلم، ومنهم من كان في نفسه عصبية وعنصرية ظهرت في كلامه، ((مثل حرفي .. قطبي .. محترق)) وما شابه هذه الألفاظ الممجوجة .. ثم عمد المجهول مع عصابته لنشر الشريط، على أن الشيوخ يحذرون من الكاتب، وما علم هذا المسكين، والذين اغتروا به، أن الإسلام دين علم ودليل، لا دين شيوخ وتهويل، فأما من أجاب عليها من المجيبين دون تعيين الاسم، فقد أدى ما عليه، ومن عين الاسم، فقد ظلم ظلمين؛ ظلم التهمة والقدح بغير حق سوى سماع من مجهولين، والظلم الآخر: القضاء من غير تثبت، ولا سماع من =