الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحزبية: أنواعها، وأحكامها:
الحزبية والتفرق اسمان لمسمى واحد، وهي من أعظم الجرائم التي تُرتكب في حق الأمة، لما لها من أثر عظيم في تفتيت الصف، وذهاب الريح، ثم الضعف وتسلط الأعداء، والحزبية صورة من صور التنازع، قال تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: (46)].
ولقد كانت الحزبية سبباً في ضعف الأمة، وانحراف كثير من الشباب المسلم عن المنهج الحق، وفقدانهم طرق الاستدلال، وقواعد معرفة الحق، مما دفعهم في كثير من الأحيان، إلى الغلو أو التساهل، بسبب التعصب للهيئات، أحزاباً كانت أو جمعيات، كما دفعهم إلى التعلق بالأعيان، قادة كانوا أو شيوخاً.
الأمر الذي يُذهب نور الحق، ووضوح الطريق.
لذا ترى كثيراً منهم قد انحرفوا عن العقيدة الصحيحة، والمنهج القويم، بل انحرف كثير منهم في أخلاقهم وسلوكهم بحزبيتهم، رغم أن نيات كثير منهم كانت خيراً، ولكن نية الخير لا تثمر إلا إذا كانت على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنهج أصحابه رضي الله عنهم.
واعلم -حفظك الله- إن لم يكن من ثمار التحزب سوى التفرق، وما يترتب عليه من الدفاع عن الهيئات والأعيان تعصباً، في وجه الدليل لكفى به شراً، ونعوذ بالله تعالى منها، وممن يدعو إليها، فالدعوة إليها دعوة إلى باطل بنص الكتاب والسنة {وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم:(32)].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا حلف في الإسلام، وأيما حلف في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة)) [مسلم: (2529)].
والحلف: هو تجمع قوم دون قوم على شروط معينة، وغالبها يكون خيراً للمتعاقدين على ذلك الحلف، وقد كان ذلك في الجاهلية، يجتمع بعض القوم دون الآخرين، ويتعاقدون على نصرة المظلوم، وإعانة الكل، وما شابه ذلك، كما كان ذلك في حلف الفضول، وحلف المطيبين، ثم حرم ذلك الإسلام.
وربما يتساءل المرء كيف يحرم الإسلام التعاقد على الخير؟ !
قلت: سر هذا في المقطع الثاني من الحديث ((وأيما حلف في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة)) أي: أن أي حلف كان في الجاهلية على خير، فقد جاء الإسلام بذاك الخير وأفضل منه، ولما كان المسلمون كلهم أعضاء في حلف -حزب- الإسلام، كان لا حاجة البتة إلى الدعوة إلى أحلاف في الإسلام جانبية، أو جيوب خفية، تقطع أوصاله، وتمزق كيانه، وتُزكي بذلك الضغائن، لا حاجة إلى ذلك إذ أصبح المؤمنون بالإسلام كلهم أمة واحدة، في حزب واحد، في عقد واحد، في شروط على الخير واحدة، تلزم الجميع، فمن دعا إلى الأحلاف -بعد هذا- ولو كانت لخير، فقد فرق -إذاً- أمة الإسلام، وجعل بعضها دون بعض، والله عز وجل يقول:{وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ * فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون: (52 - 53)].
ولما لم يدرك بعض الدعاة هذا المعنى العظيم، من تحريم التحالف والتحزب في دين الله -ولو على شروط ظاهرها الخير- لما لم يدرك ذلك، أبعد النجعة في شرحه لحديث:((لا حلف في الإسلام)) فقال: "أي: لا حلف على معصية" وقال: "من غير المعقول أن يحرم الإسلام التحالف على خير" ولو أدرك تمام الحديث، لما قال ما قال، ولعلم فساد المعنى الذي ذهب إليه: فإن لازم شرحه حسب تمام الحديث، أي: لا حلف على معصية، وأيما حلف في الجاهلية، كان على معصية، لم يزده الإسلام إلا شدة، أي: أن الإسلام يؤيد التحالف على المعصية، بل يزيدها قوة وشدة، فهل يقول هذا عاقل؟ وبهذا يتضح أن المحرم، هو ما تحزب عليه بعض المسلمين دون بعض، أو تحالفوا عليه لأي سبب كان.
كما أبعد النجعة من احتج على إباحة التحزب بأدلة التجمع المشروع، أو التعاون المطلوب، وسيأتي تفصيل ذلك.
وكذلك أخطأ من احتج على جواز التحزب بأدلة وجوب تحزب المسلمين جميعاً في مواجهة الكفر والكافرين، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ