الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التوحيد ومنزلته في الإسلام:
التوحيد: هو دين الأنبياء جميعهم، ومحور دعوتهم، وما أُرسلت الرسل، ولا أُنزلت الكتب إلا لأجله، وهو لب الإسلام وروحه، وأُسُّ الطائفة المنصورة ومنهجها، وهو قبل كل شيء، قبل العبادة وقبل الشريعة، وقبل الأخلاق.
وهو: تصديق ونطق، عمل ودعوة.
والتوحيد: يعمّ توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، على منهج سلف هذه الأمة، وما فصَّله الأئمة الأربعة، وابن عبد البر، وابن تيمية، وغيرهم من أئمة أهل السنة والجماعة، رحمهم الله تعالى.
فالربوبية: إفراد الله بأفعاله من خلق وإماتة، وإحياء ورزق، فكل ما يكون من الله فهو ربوبية.
قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: (25)]. (1)
والألوهية: إفراد الله بالعبادة والتوجه والقصد، فكل ما يصدر من العبد من عبادة، وتقرب فهو ألوهية {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل آية:(36)].
وتوحيد الأسماء والصفات: يعني الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، ووصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تشبيه، ولا تعطيل ولا تمثيل، وهو باختصار بكلمتين: إثبات مع التنزيه.
ولا قيام للفرد والأمة إلا بالتوحيد الشامل، ولا يقبل عمل إلا به، ومن وحَّد الله كما أمر، نجا من الخلود في النار، ولو كان أفسق الناس عملاً، وأسوأ الناس خلقاً، وأَما ذنوبه فأمرها إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذّبه.
قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
(1) وهذا ما كانت تقره قريش ومع هذا لم يدخلها الإسلام.
مُسْلِمُونَ} [آل عمران: (64)].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)) [أخرجه أحمد (5/ 236) وابن حبان: (4) وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة (1355)].
والإعراض عن التوحيد كفر، وحصره في معنى دون معنى ضلال -كحصره في أمور العبادة، أوفي أمور السياسة والدولة، أو في محاربة القبورية فحسب- وإن كان أكبر أقسامه، مع الإقرار بأصل التوحيد، وأن الاستهزاء بشيء من أحكامه وسننه، زيغ وفجور وكفر.
ويشمل التوحيد: التشريع العام والخاص، والحاكمية العامة والخاصة، والتحاكم، قال تعالى:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: (21)]. فسواء شرعوا لهم أحكاماً، أو عبادة، فكل ذلك مخالف للتوحيد، وحكم من يفعل ذلك على التفصيل عند أهل السنة، وقد ذكرنا طرفاً من هذا المعنى في باب الحاكمية، وسيأتي في أبواب متفرقة.
ويجب الاهتمام به جميعاً، ولا ينبغي أن يهمل جانب دون آخر، فالكل من التوحيد.
ويجب أن يُبدأ بالدعوة إلى التوحيد قبل كل شيء؟ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله تعالى
…
)) [رواه البخاري: (6937)]. (1)
(1) وما صدر مني من إطلاق أو عموم، في أي أمر من الأمور، وبخاصة في فضل الأخلاق وأهميتها، فهو من قبيل المجمل؛ المفصل في مكان آخر، ولم أقصد أن الأخلاق أو أي شيء آخر يكون قبل التوحيد أو يعادله، وهذا الإطلاق وارد لغة وشرعاً.
فعندما سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر قال: ((البر حسن الخلق)). [رواه مسلم (4/ 1980) رقم (2553) عن النواس بن سمعان].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن)). [رواه أحمد (6/ 446 - 448) عن أبي الدرداء وصححه شيخنا الألباني في الصحيحة (876)].
فأين ذكر التوحيد هاهنا؟ وهل غفل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهمية التوحيد؟ ! فليتق الله عز وجل المترصدون.
والجواب عن هذا: أن الأمر إذا فُصِّل وعُرِف لا يضر بعد ذلك إجمال فيه.
انظر - إن شئت - كتابي ((التيه والمخرج))، لترى حقيقة الأمر، ولتعلم الصادق من المتربص، وراجع باب العموم والإطلاق من هذا الكتاب لتزداد به علماً.
ويجب أن يعرض التوحيد جلياً واضحاً، لا لبس في الدعوة إليه ولا غموض، ولا مداهنة فيه، ولا مصلحة مقدمة عليه أبداً، كدعوى تجميع المسلمين أولى من تفريقهم على التوحيد، وما شابه هذه الدعوات المبنية على المصالح الظاهرة، وفسادها معلوم عند العقلاء بالضرورة.