الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بين يدي الكتاب
واقعنا العام المؤلم:
ففي الوقت الذي تئن فيه أمتنا من الجراح، وهي أحوج ما تحتاج إلى ساعة كفاح؟ كفاحٍ لرفع الجهل الذي ران على معظم هذه الأمة، فأسقطها في الشركيات والبدع وعبادة الدنيا، كفاحٍ في تحرير هذه الأمة من تبعية التقليد، تقليد الآباء، تقليد الشيوخ، تقليد العادات، كفاح يفك عنق هذه الأمة من رِبقة التشبه والتبعية للكفار.
وفي الوقت الذي تحتاج فيه أمتنا لرد إلى دينها الحق، وتوحيدها الصحيح، وإلى رفع درجة إيمانها، واستنهاض عزائمها، لرفع هذا الذل الذي ساد معظم بلادها، ولدفع هذا الظلم الذي غشي أغلب أفرادها، فما إن تنتهي من مصيبة إلا وتقع فيما هو أكبر منها، مؤامرات عظيمة تدبر، خطط خطيرة بخبث تنفذ، نساء تُرمَّل، أطفال تُيتَّم، فتيات تُنتهك أعراضهن، شباب تُذبح كالنعاج، رجال تشرد كالقطعان، دموع تفجر كالبراكين، دماء تجري كالأنهار، وا أسفاه على أمة هذه حالها، بل وا نكبتاه.
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد
…
تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
إلا من رحم الله في بعض الديار الإسلامية.
تيارات عارمة، سيول جارفة، همجية قادمة، تحمل أفكاراً بائدة، أو علمانية فاسدة، أو شهوانية ماجنة، تهدد واقعنا، باسم الإسلام المجدد تارة، وباسم الإصلاح أو المصلحة تارة أخرى.
تحرير المرأة، إصلاح المجتمع، تصحيح الأوضاع السياسية، رفع المستوى الاقتصادي، تثقيف الناس، التعددية الحزبية السياسية، مقاومة التطرف، الحرية الشعبية (الديمقراطية) والوطنية والقومية، وأخيراً العولمة ومقاصدها، من التذويب والخلط، والتمييع والدمج والانفتاح، وتبعاتها من منظمة التجارة العالمية، التي وراءها ما وراءها، من المكائد والتخطيط،
{إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ} [النجم: 23]. وواقعنا الداخلي لا يقوى على النهوض فضلاً عن المواجهة.
فالمسلمون: أحزاب متفرقة، وجماعات متناحرة، ومناهج دعوية متناقضة، وأشياخ كسالى، وباحثون متقوقعون، وأفراد فوضويون، (1) إلا من رحم الله من الصالحين، حتى إذا ما خلت الساحة من الدعوة -إلا قليلاً ممن يدعو إلى الله على صراطه المستقيم- استغل هذا الفراغ دعاة الشر، وتعاون أهل البغي، فانتشر بذلك الفساد، وكثر الابتداع والانحراف، حتى عاش معظم أفراد أمتنا في جهل عضوض، وغفلة مهلكة، وهوى متبع، ودنيا للعوام مفسدة، وللملتزمين مغرقة، وللدعاة مشغلة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورعاة، وما أدراك ما الرعاة، كثير منهم غافلون، وعن الذكر معرضون، بل منهم من للإسلام والمسلمين محاربون، إلا من رحم الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اللهم هذا حالنا الضعيف لا يخفى عليك، وهذا أمرنا المضطرب بين يديك.
اللهم لا تكلنا لأحد إلا إليك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك.
في هذه الظروف العصيبة، التي تمر بها أمتنا، والتي أحوج ما نكون فيها إلى وحدة الصف التي لا تتحقق إلا بوحدة العقيدة، ووحدة المنهج، والعمل على الطريق المستقيم، طريق الكتاب والسنة وسلف هذه الأمة.
وفي هذه الظروف العصيبة، التي أحوج ما نكون فيها إلى إحياء الأخوة والمحبة، والتناصح والألفة، ترانا نتتبع عثرات إخواننا، يتقصَّد بعضنا تحطيم بعض، نتعمَّد فضح دعاتنا، نترصد أخطاء علمائنا، نستبدل النصيحة بالفضيحة، والوفاق بالشقاق، والأخوة والمحبة بالبغضاء والحسد والحقد! .
ردود على ردود، افتراءات على افتراءات، اتهامات تلو الاتهامات، فقدنا طرق الاستدلال، ضيعنا حقيقة الدليل، هجرنا أسباب التثبت، دليلنا حظوظ أنفسنا، نقبل الأخبار حباً
(1) ليس المقصود كل شيخ، أو كل باحث أو فرد، وإنما هو وصف لأحوال، وذكر لوقائع.