الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهم سلبيات هذه الفتن:
تتلخص السلبيات التي أظهرتها هذه الفتن في الأمور التالية:
- فقدان التأصيل عند معظم الشباب، حتى أصبح كثير منهم حيراناً، لا يعرف متى يختلف ومتى يتفق؟ ما هو الخلاف المعتبر؟ ما هو خلاف الضلال؟ ما الفرق بين الجرح الذي يقتضي المفارقة؟ وجرح الأقران الذي لا يلتفت إليه؟ لا يفرق بين الكلام العاطفي المؤثر بلا برهان، وبين النقد العلمي المدلل بسلطان.
شريط يأخذه يمنة، وخبر يأخذه يسرة، لا يدرك أنه لا يخلو إنسان من الخطأ، وأن الخطأ أمر نسبي، وأنه ليس كل خطأ يُتكلم فيه، وليس كل خطأ ينشر بين الناس، وليس كل خطأ يفارق عليه، وإذا ذهبنا نفارق كل مخطئ لم نجد أحداً نتفق عليه أو معه.
فقدانه قواعد معرفة الحق، فهو لا يدري أين الحق؟ وكيف يصل إليه؟ ! ما الفرق بين العاطفة والدليل، وبين البرهان والتزيين، فتجده مع المتباكي، أو مع أول شاكي.
خلل في التقوى، وتجلى ذلك: في الانتقام للنفس، وفي الكذب الذي انتشر بين الناس، وما قام به بعضهم من تدليس في الأسئلة، وتحريف في القواعد، ووشاية وتحريش.
كما ظهرت قلة التقوى: في إثارة الفتنة بأسلوب عجيب، أسلوب التباكي، وأسلوب المناصح، ومن أعظم ما كشفت عنه هذه الفتن، تظاهر بعضهم بالتزام كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، حتى إذا ما دعي إلى ما أمر به الكتاب والسنة من التحاكم عند الخلاف، نأى بجانبه، وأعرض عن أمر ربه.
خفة في العقل، وقلة في الفهم، تجلى هذا، في الحيرة التي غشيت بعضهم، وسرعة التأثر والانقياد والانقلاب لأي خبر يرد، أو أي جرح يصدر، فهو يرى الرأي مساءً، ثم ينقلب عنه صباحاً.
اتباع الهوى: وواضح هذا بظهور العصبيات بمختلف أشكالها، فظهر عند بعضهم العصبية المذهبية، وعند آخرين العنصرية البلدية، بلدنا، علماؤنا، شعبنا، وأوضح من هذا: التعصب
للأعيان، والغلو فيهم، مدحاً أو طعناً، يوالي على ذلك ويفارق، ويحب ويخاصم، حتى إنك لا تجد من يخطئ شيخه، أو يصوب مخالفه، كما ظهر الهوى بأبشع صوره في الاتهامات بلا بينة، والافتراءات بلا برهان.
سوء الأخلاق: لقد ظهر سوء الأخلاق فيما نفثه بعضهم من حقد في ثنايا الكلام، ولؤم في صور التحريش والوشايات، لمخالفة في رأي، أو خروج عن مذهب، وصدرت ألفاظ من بعضهم لا يُتَصَوَرُ، صدورها من فساق الصبيان.
كما ظهر سوء الخلق في انعدام التسامح، والكبر في الجلوس مع من يظن أنه دونه، لعصبية بلدية -أي ليس من بلده- أو لغيرها.
ضعف الاتباع: بدا ذلك من خلال بحوث الناس عما لا ينفعهم، وتركهم ما ينفعهم، وعدم الاهتمام بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه في مثل هذه المواطن، كما ظهر ضعف الاتباع في انعدام التثبت، وتقليد الشيوخ بدل البحث عن الدليل.
ضعف في العلم والفهم: وقد وضح هذا؛ في بحث بعضهم عن دقائق الأمور، وغلوهم فيها، وعدم قدرتهم على التمييز بين الأصول والفروع، وبين القول واللازم، وصارت الحجة لعدد الشيوخ لا للدليل من الكتاب والسنة، وظهر هذا في عدم التفريق بين الأمور القطعية، والأمور الاجتهادية، وبين التخطئة والتضليل، فتُفسر التخطئة تضليلاً ثم تحذيراً، مع خلل واضح في موازنة المصالح والمفاسد فهماً وتطبيقاً، فضلاً عن أنه لا يحسن تخريج مناط، ولا يقدر على تحقيق مناط.
ومعظمهم لا يدري كيف تكون البينة على المدعي، ولا يفرق بين التهم التي تحتاج إلى إنكار، وبين غيرها، فضلاً عن فقدانه معنى البينة أصلاً، فالبينة عند كثير منهم، صراخ أو تباكي، أو ردود، أو تزكية لهذا الشيخ.
سوء في التربية: وتجلى ذلك في ضياع الأوقات، وهدر الطاقات، والمخاصمة بين الإخوان، والخوض في القيل والقال، وإسقاط فلان، ورفع علان، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، كما
ظهر سوء التربية جلياً في انعدام التثبت، وانعدام النظر البعيد في عواقب الأمور، ومفاسدها، وسقوط في كلام الأقران، فهو يقبل كل قول لشيخه كأنه قرآن، ويرفض كل قول يقوله مخالفه كأنه شيطان، وصدق الله:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ} [الفرقان: (20)].
الغفلة عن حكمة الفتن:
لما كانت الفتن من الله للابتلاء والتمحيص والاختبار، ولتثبيت المهتدي، وكشف الضال، كان من الضروري معرفة حدود الله في معالجتها، للوقوف عندها، ومن أهمها: ضبط اللسان، والتثبت في الأخبار، مهما كان الناقلون، والإعراض عما لا يعنيه، لذلك امتحن كثير من الشباب في هذه الفتن، وابتليت الأنفس الشّرَ، فنجى من كف يده ولسانه، وتثبت في الأخبار، واستفتى الأخيار، وخسر من تجاوز حدود الله تعالى، وتسرع في فعل أو كلمة.