الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدل والإنصاف:
العدل والإنصاف من صفات هذا الدين العظيم، ومن صراطه المستقيم، ولقد تميزت به أمة الإسلام على سائر الملل والأمم، وضرب سلفنا الصالح المثل الأعظم في العدل والإنصاف، حتى صاروا قدوة فيه للناس، ولما رأى ذلك شعوب البلاد المفتوحة، دخلوا في الإسلام أفواجاً.
وإن للمعاملة الطيبة، والعدل والإنصاف مع الناس أثراً عظيماً، في تأثرهم بذلك، وقبولهم الدعوة، ودخولهم الإسلام، ولذلك كان العدل والإنصاف باباً مهماً وواسعاً من أبواب الدعوة إلى الله، لدخول الناس في الإسلام.
لذلك أمر الله عز وجل بهما ورسوله صلى الله عليه وسلم في مواطن كثيرة، مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، في العدل والرضا، والعسر واليسر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء: (135)].
وقال تعالى: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام: (152)].
ومن دلائل إنصاف هذا الدين العظيم، إنصاف أهل الكتاب رغم عداوتهم له، إذ قال تعالى:{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: (75)].
ولم يمنع الله عز وجل ولايتُه للصحابة، أن يشهد عليهم في أُحد بالخطأ، ويجعله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، قال سبحانه:{حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران: (152)].
فالأولى: شهادة للعدو، والثانية: شهادة على الأولياء.
وعَدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنصاف من الإيمان، فقال: ((ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: إنصاف الناس من نفسك
…
)) (1).
ونظراً لما يفعله كثير من الناس من الإجحاف في حال البغض، حذر الله عز وجل من أن يحملنا بغض قوم على أن لا نعدل معهم.
قال تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
…
} [المائدة: (8)].
وأمر بالعدل معهم، ولو كانوا مُبغَضين، وعدّ ذلك من التقوى، فقال سبحانه:{اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: (8)].
وعدّ سبحانه من لم يعدل مع الجميع -من قريب أو عدو- متبعاً لهواه، ظالماً لنفسه، وحذر من مغبة ذلك، فقال سبحانه:{فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: (135)].
ونظراً لما يفعله الإنسان من ظلم في حال الغضب، قال صلى الله عليه وسلم: ((وثلاث منجيات، فأما المنجيات: فالعدل في الغضب والرضا
…
)) [رواه الطبراني في الأوسط (5750) من حديث ابن عمر وحسنه شيخنا الألباني في الصحيحة (1802)].
ومع قطعية هذه النصوص، ووضوح دلالتها، تجد هذا الأمر -العدل والإنصاف- مفقوداً عند كثير من الناس، وما رأيت شيئاً فقده الناس أكثر من الإنصاف، حتى قال الذهبي رحمه الله:"والإنصاف عزيز" وقد خلَّط بعضهم بين العدل والإنصاف، وبين ما يسمى بفقه الموازنات.
ولا يسع المقام للتفصيل والرد، ولكن يمكن ذكر بعض الأمر:
- يحرم الظلم، أي ظلم كان، على كافر أو مبتدع أو فاسق.
(1) الحديث صحيح موقوفا حسن لغيره مرفوعاً، وقواه الحافظ العسقلاني في (الفتح)، أخرجه البخاري عن عمار معلقا (1/ 83) الفتح كتاب الإيمان باب إفشاء السلام من الإسلام (1/ 111)"طبعة دار الكتب العلمية "وابن أبي شيبة في الإيمان (131) وغيرهما راجع فصل الإنصاف وتخريج الحديث في كتاب "من فتن الصحوة "