الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة: إذا حكمت حوكمت، وإذا تعلمت هديت، وإذا دعوت أجرت
.
هذه قاعدة تربوية مهمة، معناها واضح بيّن، وهدفها سامٍ عظيم، وثمارها عظيمة النفع، كثيرة الفوائد.
أما معناها فهو: إذا حكمت على أحد -أي حكم كان- فأنت معرَّض للمحاكمة، ومقبل على المحاسبة، ومسؤول عن حكمك عند الله، فإن كان الحاكم من أهل الاجتهاد، وحكم بعدل أُجِرَ، سواء كان مصيباً أم مخطئاً، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد، أو كان من أهله، ولكنه حكم بالهوى من إلزامات وتحامل أَثِمَ، وأما إذا دعا المرء إلى الله بعلم وحكمة أُجِر على كل حال، سواء اهتدى المدعو أم لم يهتد.
قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران
…
)) [البخاري: (6919) ومسلم: (1716) عن عمرو بن العاص، وأبو داود: (3574) والترمذي: (1326) عن أبي هريرة].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((قاضيان في النار وقاض في الجنة)) [سبق تخريجه].
فتبين بهذا: أن القضاة سيحاكمون، وعن كل حكم صغير وكبير -أمام الله- مسؤولون، فإن حكموا بعدل وعلم أُجروا، وإن حكموا بجهل أو هوى أثموا.
قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: (36)].
وأما هدفها: فهو صرف الناس بعامة، والناشئة بخاصة، عن الحكم على العباد، إلى العلم النافع، والدعوة المباركة.
وأما إذا ما انصرفوا إلى الحكم على الخلق، من تكفير وتبديع وتفسيق، وانشغلوا بذلك عن العلم والدعوة، فيحصل بذلك مفاسد لا تخفى على أصحاب البصائر، من تضيع الأوقات، وهدر الطاقات، وإثارة الشحناء، وتفريق الصفوف.
وأما ثمارها: فيانعة القطاف، عظيمة المنافع، لا تخفى على كل ذي لب.
فإن من تجنب الحكم على الأعيان، وانشغل بطلب العلم، واهتم بدعوة الخلق، حفظ لنفسه الأوقات، وانتفع بما آتاه الله من الطاقات، وازداد درجات في العلم، وأجراً بالدعوة، وحفظ نفسه من القيل والقال، وازداد ثباتاً في الدين.
فإنه من الملاحظ: أن معظم الناشئة الذين ينشئون على تتبع العثرات، والتعلق بالأعيان، والحكم على العباد، وجدناهم ينحرفون، وسرعان ما يسقطون، وأن الذين ينشؤون على طلب العلم، ويداومون على العمل الصالح وإن قل، ويدعون إلى الله بالحكمة، وجدنا هم يثبتون، ووجدنا لأعمالهم ثماراً، ولأقوالهم قبولاً، والأمثلة على هذا من الواقع كثيرة، يدركها المنصفون المبصرون، ويتعامى عنها الغافلون.
ألا يرى العاقل كثيراً من هؤلاء الذين لا يحسنون فقهاً، بل ولا حفظاً للكتاب والسنة، بل ولا يحسنون النطق بالعربية، قد هجروا العلم، وجعلوا همهم التجريح، ودأبهم التقبيح، يغشون المجالس بثرثرتهم، يُكفرون هذا، يبدّعون ذاك، يضللون هؤلاء، يفارقون ويُحذرون ويُخَبِّثون، يدخلون في النيات، ويلزمون الإلزامات، لذا كان لزاماً طرح مثل هذه القاعدة، لكبح جماح هذه الفتنة، وتربيتهم وضبطهم، هذا هو مقصود القاعدة، ولم يكن مقصودها منع الحكم على أهل البدع والضلال، كما زعم بعض مثيري الفتن (1).
ثم هل يستوي رجلان:
رجل يريد إشغال الطلاب بالطعن بالعلماء، والدعاة، والحكم على الناس:(كافر، زنديق، مبتدع، فاسق، خبيث) جاعلاً ذلك دينه وديدنه، صباحه ومساءه، طعامه وشرابه، علمه، وعمله، ودعوته (2).
(1) وإن كنت أخطأت، فقد أخطأت في التعبير، وأصبت في المقصود، وأستغفر الله من ذلك .. ومع ذلك، أين الخطأ في التعبير .. ؟ ! ؟ لا يدرك ذلك متشنج ولو حمل دكتوراه .. ومقلدون تربوا على اللغات الأجنبية، ولم يرضعوا اللغة العربية.
(2)
اتصل بي أحد الأخوة الأفاضل من الجزائر، وأخبرني أن هؤلاء أشغلوا أنفسهم وغيرهم بهذا التبديع والتجريح، وقال: إن مثلهم كمثل من يعطي سكاكين لأولاد صغار .. فيجرحون الرجال بغير حق .. قلت: فإن لم يجدوا من يجرحونه جرح بعضهم بعضا كذلك فعل الذين من قبلهم، وسوف نرى.
ورجل يريد صرفهم عن ذلك إلى الاشتغال بالعلم النافع، والعمل الخالص، والدعوة المباركة، هل يستويان مثلاً! الحمد لله الذي وفقنا للإصلاح والتربية، وجعل بعضهم مشغولاً بغيره عن نفسه.
إذا تبين لك معنى هذه القاعدة: (إذا حكمت حوكمت، وإذا تعلمت هديت، وإذا دعوت أجرت) وتبين لك ثمارها، عرفت سر انحراف كثير من الشباب، وعرفت خطأ من عارضها، وأدركت دركة فهم من قال:(هذه قاعدة خبيثة) وأدركت قدر خلقه.
فإن القاعدة لا تقول: (من حكم حُكِم عليه) أو (من حكم أثم) كما حرفها بعضهم (1)،
والقاعدة لم تمنع الحكم بإطلاق، فلم تقل القاعدة (لا تحكموا ومن حكم ضل) أو (من حكم ابتدع) وإنما تحذر من مغبة التسرع في الحكم، وتنبه من يحكم على الناس، أن أمامه محكمة عند الله، لكي يرتدع إن لم يكن أهلاً لذلك، ويتريث إن كان أهلاً لذلك.
(1) حرّف بعضهم هذه القاعدة، وجعلها ((مَن حَكَم حُكِم عليه))، ثم عرضها على أحد العلماء الأفاضل، فأجاب الفاضل ((هذه مداهنة))، ثم جعل هذه الإجابة التي هي لقاعدته المزورة إجابة عن قاعدتنا، ثم نسبها لنا زوراً وبهتاناً، ولو عرضت علي هذه القاعدة المزورة، لأجبت بأنها باطلة، ولكن قاعدتنا ((إذا حكمت حوكمت)) شيء، وقاعدة المزور ((من حكم حُكِمَ عليه)) شيء آخر، وهو إما حرّف خبثاً، وإما حرّف جهلاً بالمعنى، فلم يفرق بين ((حوكم))، وبين ((حكم عليه))، وبينهما فرق لا يدركه المتعالمون، قد أجبنا عنه في الرد على الشيخ ربيع، وخلاصته: أن معنى حوكم: أي معرَّض للمساءلة .. ولا يلزم من ذلك أنه مخطئ، بله مؤاخذ. فقد يكون كذلك وقد لا يكون، حسب التفصيل في المتن، وأما معنى حكم عليه: أي أنه مخطئ. وأنه مؤاخذ بل آثم، وعدم الفهم بلية لا تقل عن الخبث .. لأن فيها تعالماً وتعدياً وافتراءً، والظاهر أنه حرّف ذلك خبثاً، لأن كل ما عرضه على الشيخ الفاضل محرّف، ومن ذلك ما نسبه لنا زوراً القول أنه:((لا علاقة للنية بالعمل)) وإنما نقول: لا علاقة للنية في تصحيح العمل، أي: إن حسن النية لا يصلح العمل الفاسد، ومن أراد أن يتثبت من كذب هؤلاء، فليرجع إلى كتاب ((واقعنا المؤلم)) ليرى بأم عينه كيف حرف هذا الظالم كلامي -ولا أقول الخبيث كما يصفون بذلك مخالفهم- فهل التحريف من أخلاق السلفيين؟ أم من أخلاق اليهود .. ؟ ! ؟ {يحرفون الكلم عن مواضعه} ، وعلى كل حال. نعوذ بالله من قلة الفهم، ومن تحريف الكلم عن مواضعه ..