الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهج الجرح والتعديل:
دندن بعضهم كثيراً على قاعدة: ((الجرح مقدم على التعديل)) ثم جعلها سلّماً لجرح العباد، وتحقيق المراد، حتى أصبحت منهجاً يربى عليه الطلاب، وينشأ عليه الحدثاء، فحصل بذلك من الفساد بين العباد الشيء الكثير والكبير، وقد غفلوا عن أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، وأن للجرح شروطاً وأحكاماً.
قال السبكي: "ضرورة نافعة، لا تراها في شيء من كتب الأصول، فإنك إذا سمعت أن الجرح مقدم على التعديل، ورأيت الجرح والتعديل، وكنت غراً بالأمور، أو فَدْماً (1) مقتصراً على منقول الأصول، حسبت أن العمل على جرحه، فإياك ثم إياك، والحذر كل الحذر من هذا الحسبان.
بل الصواب عندنا: أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه ومزكوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرح، من تعصب مذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه، ونعمل فيه بالعدالة. وإلا فلو فتحنا هذا الباب، وأخذنا تقديم الجرح على إطلاقه، لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون. [قاعدة في الجرح والتعديل/ صـ 13].
- لا يقبل جرح من أحد إلا أن يكون ثابتاً مفسراً، فلا يجرح المسلم بالاجتهاد ولا باللوازم، ومعظم جراحات اليوم بالاجتهاد والظنون، وباللوازم العجيبة.
اشتكى إلينا شاب من أهل السنة والجماعة هَجْر أخيه، ولما سئل أخوه، قال: قاطعته لأنه مبتدع، فقد رأيته مع غالين في التكفير، فانظر كيف جرحه وهجره بمجرد الرؤية.
(1) الفدم: من لا فهم عنده كبير، ولا قدرة له على تميز الحق من غيره.
قال الحافظ: "قال أبو عبد الله (1): كل رجل ثبتت عدالته، لم يقبل فيه تجريح أحد، حتى يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه"[تهذيب التهذيب: (7: 273)].
وهذه قاعدة عظيمة بحاجة أن يتربى الناشئة عليها.
وقال الحافظ: قال الإمام ابن جرير الطبري: "لو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة، ثبت عليه ما اُدَّعي عليه، وسقطت عدالته، وبطلت شهادته بذلك، للزم ترك أكثر محدثي الأمصار؛ لأنه ما منهم -أحد- إلا وقد نسبه قوم إلى ما يرغب به عنه، ومن ثبتت عدالته، لم يقبل فيه الجرح، وما تسقط العدالة بالظن" من ((هدي الساري)) [2: 151 - 152].
قلت: جزاك الله عنا خير الجزاء، فما أحوجنا إلى هذا التأصيل.
وأما قاعدة: قبول الجرح المفسر، فليست كذلك على إطلاقها؛ لـ ((أن الجارح لا يقبل منه الجرح، وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه، ومادحوه على ذاميه، ومزكوه على جارحيه، إذا كانت هناك قرينة يشهد العقل بأن مثلها حامل على الوقيعة في الذي جرحه، من تعصب مذهبي، أو منافسة دنيوية، كما يكون بين النظراء أو غير ذلك
…
)). [قاعدة في الجرح والتعديل لتاج الدين عبد الوهاب السبكي/صـ 24].
وإذا علمت أن مالكاً والشافعي مجروحان، والجارحون أئمة، وأن البخاري وابن حبان مطعون بهما في عقيدتهما، والطاعنون أئمة، والطعون والجروح فيهم مفسرة، وأقوال بعضهم المنسوبة إليهم -التي طعن بهم لأجلها- ثابته، إذا علمت ذلك، فلا تلتفت بعد ذلك إلى هذه الجراحات، التي ملئت الدنيا في زماننا، والتي زعم أصحابها أنها مفسرة، إلا بعد تحقق الشروط، وانتفاء الموانع،
(1) قال بعضهم: المقصود بأبي عبد الله: الإمام أحمد. لكن السياق لا يفيد ذلك، فد قال الحافظ قبل سطور: قال أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي، ثم تداخل الكلام، فالظاهر عندي أي المقصود هاهنا: بأبي عبدالله: الإمام محمد بن نصر. والله أعلم