الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الداخل. ومن هنا تعلقت آمال المهدية بالجزايرى غازى حسن باشا عندها قاد حملة ضد "حكم الاثنين" إبراهيم بك ومراد بك، فى حين قاد أحد أنصار المهدية (وكان من أصل مغربى) جماعة من الثوار ضد الفرنسيين فى عام 1799، كذلك قام مهدى آخر بثورة فى صعيد مصر ضد محمد على باشا فى عامى 1822 - 1823 وثمة منشور من المنشورات ضد المهدية السودانية يذكر أحد أسلاف المهدية فى الخرطوم ويدعوه بإبراهيم السودانى ولكننا لا نعرف عنه شيئا أكثر من هذا. ويوحى الاسم بأن صاحبه من أهالى السودان. وإذن فقد كانت المهدية السودانية هى آخر حلقة فى سلسلة الحركات المهدية وأكثرها نجاحا. وهى حركات وأن كانت تقدم نفسها فى صيغة دينية من حيث الشكل إلا أنها ذات أهداف اجتماعية وسياسية واضحة.
2 - الموقف الثورى فى السودان المصرى:
فى الستين عاما التى سبقت ظهور الحركة المهدية حدثت تغييرات عميقة كان لها تأثيرها على المجتمع التقليدى وعلى الإسلام فى السودان وبلغ هذا التأثير حد الثورة فقد أدى غزو محمد على باشا (عامى 1820 - 1821) إلى أنهاء ما كانت تتمتع به جماعات عديدة مستقرة وكذلك البدو الرحّل من استقلال، فقد أنشا نظاما ادرايا مركزيا شديدًا يكلف أعباء وإليه غير مألوفة (ولا شك أن الفساد والاغتصاب قد ضاعف من ثقل هذه الأعباء) مما كان له أثر قاس عليهم أضف إلى ذلك أن مطالب التحديث فى مصر كانت تعنى فى الوقت نفسه أن الموظفين فى السودان نادرا ما كانوا ذوى كفاءة أو نزاهة. ومن بين الفئات التى تدهور وضعها السياسى والاجتماعى تحت ظل تركيا الفقهاء من أهل البلد، فقد كانوا عبر القرون الثلاثة السابقة يقومون ببعض الوظائف، فهم إما مدرسون لتدريس القرآن والشريعة أو زعماء صوفيون أو محكمون، أو وسطاء أو شفعاء لدى الحكام، وقد أدى انشاء جهاز "علماء"[الدين] يحكمه تدرج وظيفى تقليدى لخدمة المساجد الحكومية واندماج هؤلاء فى الجهاز
القضائى، أدى كل هذا إلى خلق فئة منافسة من القادة الدينيين. وعلى الرغم من أن الأفراد من عائلات "الفقهاء" القدامى كانت فرصتهم أكبر للإفادة من الدراسة فى الأزهر، والدخول فى السلك الوظيفى الرسمى إلا أن التنافر ظل قائما بصورة أساسية بين "الفقهاء" و"العلماء" الذين تدعمهم الحكومة، والذين كان يلقبهم المهدى بعلماء السوء.
3 -
وكان تطور الأحداث فى العقدين السابقين على ظهور المهدية قد زاد من توتر العلاقة بين تركيا وسكان السودان المصرى كما أدى استبداد الخديو اسماعيل الشديد (1863 - 1879 م) زيادة الشعور بسلطان الحكومة بعد أن كانوا قد بدأوا ينعمون بنوع من اللين النسبى فى السنوات الأخيرة من حكم محمد على باشا وخلفائه كما تم ضم سلطنة دارفور سنة 1874 م ومنذ أواسط القرن اقتحم التجار الباحثون عن العاج والرقيق مناطق كانت مجهولة وبلغوا النيل الأبيض وبحر الغزال، أى خارج شمال السودان المسلم والمستعرب، وبعيدا تماما عن رقابة الموظفين الأتراك - المصريين. ولما كانت تجارة الرقيق التى تغذيها هذه المناطق تعدو وصمة عار فى نظر أوربا، كان الهدف الرئيسى للخديو أن يخضع جنوب وغرب السودان لأدارته، وبالتالى يصبح بإمكانه القضاء على تجارة الرقيق -إلا أن تنفيذ مثل هذه السياسة كان من شأنه أن يهدد المصالح الراسخة ومصالح القبائل الرُّحَّل فى شمال السودان لا سيما الدناقلة "والجعليون" الذين انغمسوا فى تجارة الرقيق وتطوروا من تجار صغار (جلّابة) إلى تجار أمراء مثل الزُّبَيْر رَحْمة منصور سيد بحر الغزال الغريبة وقاهر دارفود- وازداد الموقف خطورة حين عين الخديو أوربيين وأمريكيين لتنفيذ سياسته. إذ كان لتعيين مسيحيين فى وظائف عليا وقع كريه فى نفوس السودانين. وكان أحد رؤساء هؤلاء المغتربين هو الضابط البريطانى تشارلز جورج جوردون الذى لعب -بوصفه حاكما للإقليم الاستوائى (1873 - 1876 م) وحاكما عاما للسودان (1877 - 1879 م) - دورا رئيسيا فى تلك المحاولات التى