الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإغتصب لنفسه الحكم وأسس دولة المماليك الجراكسة.
دولة سلاطين المماليك الجراكسة
لقد إتبعت دولة سلاطين المماليك الجراكسة، التى بدأت باستيلاء الظاهر برقوق على الحكم فى رمضان 784 هـ/ نوفمبر 1382 م، تدبيرًا منتظما وغير متغير فى معظمه بصدد عملية تولى السلطة والحكم. فنجد قائدًا يغتصب العرش، وخلال سنين قليلة فى معظم الأحوال، يعزل على يد ثائر آخر، وهكذا تتكرر دورة الأحداث.
ولكن السلطنة كانت تطمع المتمردين من دوائر محددة، وخاصة من فرق السلاطين العسكرية السابقة. ولقد كان الصراع قد تركز آنذاك أساسا بين أولاد برقوق وأولاد قايتباى، وقد خرج من كل منهما خمسة حكام. وحيث أن قايتباى كان مملوكا لبرسباى، الذى كان نفسه مملوكا لبرقوق، فقد يكون من الممكن أن نعتبر أن سلاطين الجراكسة قد كونوا بيتا حاكمًا.
ولقد واجهت دولة سلاطين المماليك الجراكسة فى سنواتها الأولى تهديدًا مماثلا لما واجهه الظاهر بيبرس فى أواخر القرن السابغ الهجرى/ الثالث عشر الميلادى -وهو خطر الإبادة بواسطة قوات تيمورلنك التركية المغولية. ولقد أجاب برقوق على هذه الهجمة المغولية، بعرضه على أحمد بن أوبس الجلائرى فى سنة 496/ 1394، الذى طرده تيمور من بغداد أن يلجأ إليه وتشكيل جبهة عامة مع العثمانيين ومغول القبيلة الذهبية، للرد بحسم على تيمور.
ولم تنكسر حدة عاصفة التتار إلا بعد سنة 803 هـ/ 1400 - 1401 م، خلال عهد فرج بن برقوق. ولقد أضطر فرج وقواته إلى إخلاء الشام، التى إحتلها تيمور وخربها. على أن تيمور، لم يحاول أن يغزو مصر. وفى شعبان 803 هـ/ مارس 1400 م، بدأ تيمور فى الإنسحاب من دمشق، بعد أن حمى جانبه للتقدم نحو العثمانيين.
وعلى الرغم أن سلطنة المماليك استمرت خلال القرن التاسع للهجرة الخامس عشر الميلادى كقوة عظمى، إلا أنها كانت تعانى من تدهور اقتصادى وعسكرى طويل. ويُعزى تزايد ضعفها
الإقتصادى فى الغالب إلى عوامل سياسية -فلقد تسببت صراعات القواد العسكرية الحزبية فى ضعف الإدارة مما أدى بالتالى إلى تدهور الزراعة.
ويرجع السبب الأساسى للتدهور الإقتصادى الذى أصاب البلاد آنذاك إلى تزايد الوفيات التى نجمت عن كثرة إنتشار وجاء الطاعون. ولقد وقع أخطر طاعون وهو المعروف بالطاعون الأسود سنة 749 هـ/ 1348 - 1349 م، خلال أوائل عهد حكم السلطان الناصر حسن، وبسبب إزدياد الوفيات وبخاصة بين المماليك، فقد تطلب ذلك أعباءًا وأموالًا باهظة من جانب السلاطين والقواد للحفاظ على فرقهم العسكرية، وتناقص عدد المماليك السلطانية من 12.000 مملوك فى نهاية سلطانة الناصر محمد الثالثة إلى أقل من نصف هذا العدد تحت حكم سلاطين الجراكسة ولقد كان تأثير الطاعون كبيرًا فى إنقاص أعداد المزارعين والحرفيين. ولقد خلت القرى من سكانها، وأهملت أعمال الرى، وتعرضت الأرض الزراعية للبوار. ولقد تناقص خراج مصر فى القرن الأخير الحاكم السلطنة من أكثر من 9 مليون دنيار إلى أقل من مليونى دنيار. وعانت الإسكندرية مركز صناعة الأقمشة، كثيرًا من الطاعون الأسود، وأستمر تدهورها طوال فترة حكم الجراكسة. ولقد إنعكس فى مصر وسوريا ضعف الإدارة وتقلصت أعداد السكان أزاء تزايد ضغط القبائل البدوية وزحفها على الأراضى الزراعية والطرق وفى تلك الفترة قام برقوقا بتوطين فرع من قبيلة هوارة فى سعيد مصر، وظلوا مسيطرين فى هذه الناحية حتى قيام الحكم العثمانى.
وفى الفترة ما بين عهد برقوق عند بداية حكم دولة المماليك الجراكسة، وعهد حكم قانصوه الغورى آخر حكامهم، شغلت دولة المماليك بحرب برية واحدة رئيسية، وهى حربهم مع العثمانيين ما بين سنوات 890 - 896 هـ/ 1485 - 1491 م. ولقد كان السبب المؤكد لهذه الحرب فى عهد قايتباى (872 - 901 هـ/ 1468 - 1496 م) هو تهديد العثمانيين للإمارات الحدودية، ابلستين التى كانت منذ أن
أنشأتها الأسرة الحاكمة فى منتصف القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى تحت حكومة المماليك. وقد تفاقم هذا النزاع الذى كان مركزًا على المصالح بتداخل الاعتبارات السياسية العليا فيه وذلك حين غضب السلطان بايزيد الثانى (886 هـ/ 1481 م) على قايتباى لإعطائه حق اللجوء السياسى لأخيه "جم" الثائر عليه فى بلاده.
ولقد حاول قانصوه الغورى استعادة قوة دولته العسكرية. فأسس الفرقة العسكرية المزودة بالبنادق) سنة 916 هـ/ 1510 م، لكن الفرقة القديمة ظلت موجودة حتى تم حلها سنة 920 هـ/ 1514 م. وأولى الغورى اهتمامًا بسلاح المدفعية، الذى أخذ المماليك فى استعماله منذ أواخر القرن الثامن الهجرى/ الرابع عشر الميلادى، وبذل جهودًا لإحياء تدريبات الفروسية القديمة.
وفى بداية حكمة قانصوه الغورى (906 - 922 هـ/ 1501 - 1516 م)، حوصرت سلطنة المماليك بثلاث قوى كبرى. ففى الشمال كانت هناك دولة العثمانيين، التى جابهت من ناحية الشرق قوة الشاه إسماعيل الصغرى العسكرية. وفى الجنوب، كان الأسطول البرتغالى مسيطرًا على المحيط الهندى ومهددًا البحر الأحمر.
ولقد كان المماليك ينقصهم الخبرة بالقتال البحرى وكيفية التعامل مع هذا الخطر. ولقد جاءتهم الامدادات المادية والبشرية استعدادًا لحملة 1514/ 920 العثمانية على أن العداوة العثمانية - الصفوية ورطت المماليك حين قام السلطان سليم الأول العثمانى بغزو الشام، ليؤمن جانبه، وأنزل الهزيمة بالغورى (الذى مات أثناء المعركة) عند مرج دابق (25 رجب 922 هـ/ 24 أغسطس 1516 م). وبعد ذلك تقدم إلى مصر، وأوقع هزيمة ثانية بالمماليك عند الريدانية (29 ذو الحجة 922 هـ/ 23 يناير 1517 م). وسقطت القاهرة، وتلى ذلك القبض على آخر سلاطين المماليك، الأشرف طومان باى وشنقه. وبذلك أصبحت مصر ولاية عثمانية وأنفصلت إداريًا عن الشام.