الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويذكر بعض المؤرخين تسعة أعمال أخرى للنسائى منها كتاب الخصائص فى فضل على بن أبى طالب (القاهرة 1308 هـ/ 1890 م - و"كتاب الضعفاء والمتروكين (طبع فى أجزاء 1323 هـ/ 1905 - 1906 م. وفى اللَّه أباد 1325 هـ/ 1907 م) والسنن و"تسميات فقهاء الأمصار".
المراجع:
- الذهبى: طبقات الحفاظ.
- ابن حجر العسقلانى: تهذيب التهذيب (حيدر أباد 1325 هـ/ 1907 م).
- الزركلى: أعلام.
بهجت عبد الفتاح (أ. ج. وينسنك A. J. Wensinek)
النسخ
أو "الناسخ والمنسوخ"، عنوان عام لعدة نظريات فى ميادين علوم التفسير والحديث وأصول الفقه، من حيث إن المقارنة تكون بين الأحاديث ببعضها، أو الآيات القرآنية ببعضها البعض، أو الآيات القرآنية بالأحاديث عندما يوجد بينها تعارض.
وكون الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد امتدت بعثته لربع قرن، يثير مسألة التدرج فى التشريع فيما يتعلق بتفصيلات القرآن والسنة. والنسخ يتعلق بهذين المصدرين وبالعلاقة بينهما. والأكثرية تعتقد بإمكانية نسخ الآية بغيرها، والحديث بحديث مثله. أما نسخ القرآن بحديث أو الحديث بالقرآن فيثير جدلا واسعا بين العلماء.
ويذكر ابن مسعود أنه قبل هجرته للحبشة كان يحيى الرسول [صلى الله عليه وسلم] أثناء صلاته فيرد عليه التحية، ولكنه بعد عودته بادره بالتحية فلم يرد عليه، وبين له بعد الصلاة أن الأمر نزل من اللَّه بعدم الكلام أثناء الصلاة، وهذا مثال لنسخ قاعدة مصدرها حديث بحديث آخر.
ومن نسخ القرآن بالقرآن يشار للآية 180 من سورة البقرة التى تتحدث عن جعل الوصية للوالدين والأقربين على أنها منسوخة بآيات المواريث التى حددت الأنصبة فى سورة
النساء. وأيضًا الآيات المكية التى كانت تحث المؤمنين على الصبر على أذى الكفار، مع الآيات المدنية التى تأمر برد العدوان، كدليل على أن تغير الظروف يقتضى تغير القاعدة. والترتيب الزمنى هو ما يبين حكمة التغيير، حيث إن القرآن الكريم يجب ألا ينطوى على تعارض بنص الآية 82 من النساء {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} .
والعنصر الأساسى فى المفهوم العام للنسخ هو التعديل والاستبدال ولكن أضيف لذلك بالنسبة للقرآن فقط معنى المحو، وذلك تأويلا للآيات 6 - 7 من سورة الأعلى {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} والرعد 39 {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ. . .} والإسراء 86 {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ. . .} والحج 52 {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ. . .} ، والبقرة 106 {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} . والآيتان الأخيرتان تذكران النسخ صراحة. ومن تلك الآيات نستخلص أن نسيان الوحى من الرسول جائز وقوعه، واستحالة وقوع ذلك منه مرده أنه محكوم بقدرة اللَّه الذى له أن يضع كتابه فى صورته النهائية التى يراها له. ووجه الخلاف يقع فى المواضع التى كان فيها النسخ، وتأثيرها فى تشكيل الصورة النهائية لنظرية النسخ. ومما يذكر فى هذا القبيل ما قيل عن محو آيات نزلت بخصوص شهداء بئر مؤتة، وبشأن ابن آدم، وأن سورتى التوبة والأحزاب كانتا فى نفس طول سورة البقرة، حتى "رفع" اللَّه هذه الآيات وغيرها، ليكون المصحف فى النهاية على الصورة التى نراها عليه الآن، بعد أن تم جمع متفرقاته بعد وفاة النبى [صلى الله عليه وسلم].
ويعطينا التفسير بالمثل الدوافع والمصطلحات فى موضوع النسخ، أو التعديل التشريعى، فبمقارنة الآيتين 101 من النحل {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ. . .} بالآية 106 من سورة البقرة
المذكورة سابقا، فإن استخدام لفظ "آية" فى الآيتين يبين أن المقصود هو الآيات القرآنية [وليس بمعنى "معجزة"]، ومن ثم فإن جواز التبديل، أو حتى المحو سيحدث أثره على النصوص، من ذلك: الآية 66 التى خفضت العدد الذى يستطيع للمسلم أن يحاربه من عدوه من عشرة، كما ورد فى الآية السابقة عليها، إلى اثنين (يسمى هذا فى الفقه "حد الزحف") والآية 13 من المجادلة التى ترفع عن المسلمين الصدقة التى تقدم بين يدى الرسول [صلى الله عليه وسلم] المذكورة فى الآية 12 السابقة عليها، وآيات تغيير القبلة فى سورة البقرة، والآية 2 من النور بالنسبة للآية 15 من النساء فيما يتعلق بعقوبة الزنا. وقد تناولت دراسات متخصصة عديدة تعد بالمئات، أمثلة على النسخ وأحكامه. فالآية 5 من التوبة، والمسماة "آية السيف"، قيل إنها نسخت مائة وأربعا وعشرين آية.
والحقيقة ذات المغزى أن الآية 106 من البقرة، وهى البرهان الأساسى للنسخ، تضع النسيان بجوار النسخ {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا} ، مفسرة فى ضوء الآية 101 النحل، بأن ذلك يعنى التبديل، قد أدى إلى أن النسخ يمكن أن يكون لفظا وحكما، أو "تبديل" كما جاء فى آية الحج. وبنفس المنطق يمكن الرد على ما قيل من تعارض بين الآيات أو الأحاديث على أنها نسخ للحكم دون النص.
فيشار إلى تغيير القبلة، من حيث إن القرآن لم يشر للقبلة الأولى وهو ما أدى ببعض الأصوليين إلى القول بأنه نسخ للقرآن بالقرآن، بينما ذهب آخرون إلى أنه مثال على نسخ السنة بالقرآن. كما أشير إلى أنه ليس هناك نسخ بين الآية 180 من البقرة وآيات المواريث فى سورة النساء، حيث إن الوصية غير المواريث، وآيات سورة النساء تتناول كلا من الميراث والوصية، ولكن الحديث "لا وصية لوارث" قد يؤخذ على أنه نوع من نسخ القرآن بالسنة. على أن أقوى اعتراض على إمكانية نسخ القرآن بالسنة أو العكس ما ذهب إليه الشافعى الذى يجعل من ذلك السمة المميزة لنظريته فى المصادر التشريعية التى
تمثل ثورة فى علم أصول الفقه. فهو قد كافح بلا كلل ضد المنكرين لتكون السنة المصدر الثانى للتشريع بعد القرآن على أساس ما قد يوجد من تعارض بين الأحاديث، وعدم كفاية الضمانات ضد التزييف والتزوير والخطأ، كما يحدث فى سند الحديث، والذى يجعل الحديث غير صحيح، مستشهدًا بالآيات التى تقرن طاعة الرسول [صلى الله عليه وسلم] بطاعة اللَّه، وبالآيات التى تبين أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد وهبه اللَّه الحكمة، التى يفسرها بأنها السنة. وهو يستشف من الآيتين 106 البقرة، و 101 النحل ويحتج بهما ضد المالكية والحنفية على أن النسخ اختصاص مطلق للَّه سبحانه. كما يستند إلى النص {نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} بأنه ليس هناك شئ أفضل أو مساو للسنة.
كما يستند إلى الآية 15 من يونس {. . . قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ. . .} ليؤكد على أن القرآن والسنة لا يمكن أن يتعارضا، فكلاهما من اللَّه سبحانه. فالسنة تفسر القرآن، ولا تعارضه. فالقرآن لا ينسخ إلا بالقرآن، والسنة لا تنسخ إلا بالسنة.
ويستند البعض لمبدأ إعجاز القرآن، وأن آياته لا يمكن أن تتفاوت فى قدرها لكونها جميعًا من لدن اللَّه، لينفوا النسخ بين آياته، ناهيك عن أن ينسخ بالسنة التى هى بشرية المصدر. ويرد القائلون بالنسخ بأن ذلك ينصب على الأحكام وليس على النصوص، وهى التى يمكن أن تتفاوت. وبنفس المنطق يمكن لحكم من السنة أن يكون أعلى من حكم من القرآن، وهو ما يهدم نظرية الشافعى.
وقد حوت كتابات المفسرين الأوائل على حالات عديدة مما تعتبر متضمنة قدرأ كبيرًا أو صغيرًا من التناقض، الأمر الذى دفع المتأخرين منهم إلى القول بضرورة التمييز بين ما يعتبر تطبيقا حقيقيا للنسخ وبين عدم فهم حكمة ومغزى التغيير فى التشريع. فالتشريع البشرى هو القابل للتعديل لعدم الصلاحية، وهو ما ليس واردًا فى حق التشريع السماوى فاللَّه بعلمه
اللانهائى يعلم الحوادث وزمانها منذ بدء الخليقة إلى قيام الساعة ومن ثم فلا داعى للنسخ، ويفرق هذا المنطق بين علم اللَّه وإرادته. فالنسخ من اللَّه عمل إرادى محكم، مقدر منذ الأزل، إلى أن تكتمل الشريعة بالصورة التى يريدها اللَّه. فالنسخ يبدو لفهمنا القاصر على أنه تبديل، بينما هو فى الواقع إعلان بنهاية حكم شرعى وبدء حكم شرعى آخر، سواء كان ذلك من نبى آخر أو من نفس النبى [صلى الله عليه وسلم]. وقد قيل باعتراض آخر، مفاده أن النهى عنه من المنكر وأن المأمور به من المعروف، ومعنى التعديل فى الأحكام جعل المعروف منكرا والمنكر معروفًا، ويرفض القائلون بالنسخ ترسيخ مبدأ الخير والشر الكامنين فى الأشياء، فاللَّه فى اختباره لعباده من ناحية الطاعة له أن يحرم عليهم ما يشاء ويحلل لهم ما يريد، وهو ما يفسر الخلاف بين الشرائع من مكان لآخر ومن زمان لآخر. فالخير هو ما يأمر اللَّه به، والشر هو ما ينهى عنه. ويستثنى من ذلك القضايا المتعلقة بالإيمان. لكن الأحكام الشرعية فى القرآن، قد نص صراحة على أنها أحكام وقتية (لا يوجد دليل على هذه الدعوى).
وقد لجأ الشافعى فى رأيه بالفصل بين القرآن والسنة من ناحية نسخ أيهما للآخر إلى مبدأ أسماه "التخصيص"، وهو الذى يؤخذ خطأ على أنه استبعاد. وضرب لذلك مثلا بالآيتين الخاصتين بعقوبة الزنا فى سورة النساء وسورة النور. ويفرق الفقه بين زنا البكر الذى تحكمه الآية (2) من سورة النور وزنا المتزوج، وهو ما لم يتحدث عنه القرآن. وبالنسبة لعقوبة الرجم، فقد ذهب الفقه إلى رجم المحصن بالحجارة لكن ثار النقاش حول أصلها. فالرجم مرفوض عند بعض الفقهاء على أساس عدم وجود عقوبتين فى كتاب اللَّه. وقد صيغت آية سورة النساء على أنها مؤقتة:{حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} . ويستخلص الفرق بين زنا البكر وزنا المتزوج من قسوة الأسلوب فى سورة النور واعتداله فى سورة النساء. ويأخذ البعض الحكم المنصوص عليه فى سورة النور بأنه السبيل {أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} المذكور فى
النساء، ومن ذلك حديث عبادة الذى حدد فيه الرسول [صلى الله عليه وسلم] عقوبة الزنا للنساء بالجلد لغير المحصنة والجلد ثم الرجم للمحصنة. وتشير الأقوال بعد ذلك أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] طبق عقوبة الجلد والرجم على النساء والرجال بعد ذلك، وأقوال أخرى تفيد أن الرسول [صلى الله عليه وسلم] قد أسقط الجلد واكتفى بالرجم. وفى رد الشافعى على هذا الموقف قال بأن حديث عبادة هو أول ما روى عن الرسول [صلى الله عليه وسلم] بعد الآية من سورة النساء، فهو نسخ لها. وأما ما قام به الرسول [صلى الله عليه وسلم] من إسقاط الجلد فهو تخصيص للعقوبة الواردة فى حديث عبادة وهو نسخ للسنة بالسنة، رغم أنه اعترف بأن حديث عبادة هو مثال على نسخ القرآن بالسنة.
وفى الرد على إنكار الرجم على أساس أنه لا توجد عقوبتين فى كتاب اللَّه، يورد مالك حديثا لعمر بمقتضاه أن آية الرجم كانت موجودة فى القرآن، وأنها كانت تتلى فى الصلاة (ونصها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللَّه)، وعمل بموجبها الرسول [صلى الله عليه وسلم] وأبو بكر وعمر وأن عمر لم يشأ أن يضيفها حتى لا يتهم بأنه غير فى كتاب اللَّه. وجمهور الفقهاء قبل وبعد الشافعى مقتنعون بأن الرجم هو حالة من حالات نسخ القرآن بالسنة، وقد فشل الشافعى فى رفضه لذلك أن يبرر المصدر لعقوبة الرجم فى الفقه، وهو ما حدا بشاخت إلى القول بأن أساس نظرية الشافعى حول هذه القضية قد انهار.
وقد قال بعض الفقهاء الذين تأثروا بفكر الشافعى إن حديث عمر يستخلص منه نوع ثالث من النسخ، وهو النسخ للنص مع الإبقاء على الحكم.
ويستند الشافعى على هذا النوع الثالث للنسخ فى قضية عدد الرضعات المشبعات فى الرضاعة المحرمة للزواج، فقد ورد عن عائشة قولها إنه كان هناك نص قرآنى بتحديد عدد الرضعات بعشر، ثم نزل نص آخر بجعلها خمسا، وقد رفض مالك هذا القول بصرامة لكونه منافيا لما جرى عليه العمل، أما الشافعى فقد جعل منه أساسًا لفقهه. هذا النوع الثانى من نسخ التلاوة دون الحكم، يمكن أن ينسب إلى الشافعى.
والحالة الثالثة من هذه الصورة من