الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مندور، محمد
محمد عبد الحميد موسى (1907 م - 1965 م) شيخ نقاد الأدب المصرى والغربى المعاصرين، ولد فى كفر مندور بالقرب من منيا القمح بمحافظة الشرقية وكان أبوه متدينا متسامحا تلقى قسطا يسيرا من التعليم، وتعلَّم مندور على أيدى والده القرآن الكريم وكانت نشأته الدينية فى بيئة ريفية قد غرست فيه قيمًا اخلاقية ودينية حافظ عليها طوال حياته وفى سن الخامسة أرسل إلى كُتَّاب القرية وفى الخريف التالى ألحق بالمدرسة الابتدائية فى منيا القمح، وفى عام 1921 م انتقل إلى المدرسة الثانوية فى طنطا حيث درس الإنجليزية وحاز شهادة البكالوريا فى 1925 م بعد ذلك قام بتسجيل نفسه فى مدرسة الحقوق فى الجامعة المصرية على أمل أن يصبح نائبًا عامًا كما سجل نفسه أيضا فى قسمى اللغة العربية والاجتماعية وفى عام 1929 م حاز درجة الليسانس فى الأدب العربى وفى سنة 1930 م حاز على درجة الليسانس فى القانون وبعد ذلك مُنح وظيفة نائب عام ولكنه تركها ليقبل منحة حكومية للدراسة فى السوربون. وبعد دراسة استمرت تسعة أعوام حاز مندور درجة علمية فى الآداب واللغات القديمة وكذا فى القانون والاقتصاد السياسى وقد اعاقته الحالة السياسية المضطربة فى فرنسا عن إنهاء رسالة الدكتوراه وعجلت بعودته إلى مصر فى عام 1939 م ثم قضى الأعوام 1940 م، إلى 1941 فى الترجمة الإنجليزية والفرنسية إلى العربية وتدريس قسم الترجمة وفى عام 1942 م أنشئت جامعة الإسكندرية وعين بها كأستاذ للأدب العربى بها وهناك عمل أحمد آمين المفكر البارز على تشجيعه على انهاء رسالة دكتوراه والتى أتمها فى عام 1943 م.
وكانت أطروحته لنيلها هى طرق النقد العربى فى القرن الرابع الهجرى وقد نشرت تحت عنوان "النقد المنهجى عند العرب عام 1946 م" ومنذ ذلك الحين وهى تعد العمل المتميز عن النقد العربى فى العصور الوسطى.
وقد ترك منصبه فى جامعة الأسكندرية فى عام 1944 م ليعمل كرئيس تحرير لجريدة المصرى مباشرًا عملا فى مهنة متقلبة فى الصحافة السياسية والأدبية، وفى طليعة المعارضين لحكومة صدقى باشا والإنجليز ثم أعفى من منصبه ولفترة قصيرة اكتفى بنشر القليل من المقالات والتدريس فى معهد الفنون المسرحية المسائى وفى عام 1945 م عُين رئيسًا لتحرير جريدة الوفد المصرى المسائية والتى حولها تدريجيا إلى بيان ثورى ضد الإنجليز وعملائهم المصريين وعلى الرغم من كتاباته الاجتماعية ترأسه للجناح التحررى التقدمى لحزب الوفد فإنه لم يكن أبدًا شيوعيا وكان لانغماسه العميق فى السياسة القومية ومعارضته العنيفة لمعاهدة صدقى - بيفن سببا فى سجنه لعشرين مرة عام 1945 و 1946 م وكلفته غلق صحيفته المسائية "البعث" وبسقوط حكومة صدقى تولى مندور تحرير جريدة الوفد الجديدة (صوت الأمة) حيث تابع نضاله السياسى ضد الاحتلال وقد أدار مكتبًا ناجحًا للمحاماة بين عامى 1948 و 1954 م وواصل فى الوقت نفسه كتابة تحرير مجلة "صوت الأمة" وانتخب للبرلمان المصرى فى عام 1950 م وخدم فى عدة مجالس برلمانية وفى 1953 م عمل بالكتابة والتدريس فى معهد الجامعة العربية للدراسات العربية العليا وحتى وقت قصير قبيل وفاته 1965 م.
وتشمل أعماله الكاملة كتبًا عامة ومتخصصة تعالج موضوعًا واحدًا أو عدة موضوعات متصلة أو مذاهب أدبية وتراجم لأعمال متنوعة غالبًا من الفرنسية إلى العربية، مراجعات للكتب والمئات من المقالات النقدية والسياسية وبعض المحاولات البدائية فى الشعر وسيناريو واحدا.
وعلى الرغم من شهرته كصحافى سياسى ومترجم فإن سمعته تأتى فى المقام الأول كناقد أدبى بارز وتشمل أعماله الأدبية ثلاث مجالات رئيسية هى النقد النظرى والتطبيقى، والشعر والشعراء، والمسرح بشقيه الشعرى والنثرى وأكثر كتبه النقدية بروزًا هى "فى الميزان الجديد" والذى شرح فيه
نظريته عن الشعر المهموس وكذا "النقد المنهجى عند العرب" 1946 م وكتبًا أخرى مثل "فى الأدب والنقد" 1946 م والأدب ومذاهبه 1958 م والأدب وفنونه 1936 م والأعمال الرئيسية لمندور فى الشعر والشعراء تحوى عملا نظريًا عن الشعر هو "فن الشعر" 1960 م وسلسلة شهيرة لدراسات نقدية والشعراء المعاصرة المصريين وشعراء حركة الشعر الحر وأعماله الرئيسية فى المسرح تشمل "المسرح" 1959 م، و"الكلاسيكية والأصول الفنية للدراما"، ودراسات تطبيقية للمسرحيات الشعرية لأحمد شوقى (توفى 1932 م) والمسرح النثرى لتوفيق الحكيم (ولد 1898 م).
وأكثر التراجم تميزا عند مندور هى البحثين المشهورين واللذين أثرا بشدة فى تفكيره النقدى وعلما فى كتاباته النقدية على مدار رحلته المهنية وهما " Defence des letter"" دفاع عن الأحرف" لجورج دومال 1943 م، و"منهاج التاريخ الأدبى" 1946 م لجوستاف لانسون، وتغص التراجم الأخرى نطاقًا كاملًا للأفرع الأدبية من "مدام بوفارى" لفلوبير وحتى "الغراب" لإدجاز آلن بو.
وتشمل كتاباته السياسية والفكرية كتابًا رئيسيًا هو "الديموقراطية السياسية" 1952 م ومقالات لا تعد ولا تحصى والبعض منها نشر فى كتابين وتمرس مندور فى مدرسة النقد الفرنسى وخاصة الطريقة السائدة آنذاك "طريقة تحليل النص" قد طُبع فى كتاباته وبالطبع تطور إلى نظرية نقدية مرت بالنسبة له فى ثلاث مراحل مختلفة.
1 -
الانطباعية الجمالية حيث الأسبقية للتلائم مع القيم الجمالية وهذه الطريقة متبعة فى عملية المبتكرين والأكثر شهرة "النقد المنهجى عند العرب" و"فى الميزان الجديد" والذى تضمن أيضا نظريته عن "الشعر المهموس" فقد أعلن بأن الشعر ما هو إلا صوت خافت فهو "يهمس" ويتخاطب مع السامعين. شعرًا خاليًا من الخطابة المنمقة والزخارف البلاغية والعاطفة
الواهنة، ويعد شعر المهجر (خاصة شعر نعيمة) والشعر الحر أبلغ الأمثلة للشعر المهموس فى تقديره.
2 -
التحليل الوصفى وهنا يأخذ على عاتقه منهاجًا موضوعيًا يتحرى التحليل والتعريف والتعليم أكثر من الدلالة وقام بتطبيق هذه النظرية فى كتبه عن الشعر والمسرح (13) متضمنة السلسلة الشهيرة "الشعر المصرى بعد شوقى" والتى كتبها لمعهد الجامعة العربية للدراسات العربية العليا.
3 -
النقد الفكرى والذى يعتبر الأدب ذا وظيفة اجتماعية واتجاهه هذا كان محصلة لمعتقداته الإجتماعية ولإنعماسه فى السياسة القومية ويعزى إليه أنشطته المختلفة فى الصحافة والقانون والبرلمان وإهتمامه الدائم بالحياة الريفية المصرية وعلى الرغم من تشعب طريقته فإن النظرية الجوهرية النقدية عند مندور تناصر قضية ملاحقة الجمال فى أى عمل أدبى والحكم النهائى فى اعتقاده يتوقف على الذوق الشخصى المصقول والمعزز بمعرفة واسعة متنوعة وقد عَرَّف النقد بأنه فن التمييز بين الأسلوب الأدبى ووظيفته كتفسير وتقييم ودلالة النقد بهذا لديه القدرة على المشاركة فى إعادة خلق العمل الأدبى.
وكان حضور مندور الأدبى الملحوظ وابداعه الخصب، وأصالته وذكاؤه قد أدى إلى دخول معارك أدبية لا تنتهى مع معاصريه من النقاد خاصة العقاد (توفى 1964 م) ولمعارضى الشعر الحر وكان كل من النقاد وطرائقهم النفسية والدجماتيه ذات الفلسفة الوضعية، موضوعًا لنقده العلمى الماكر.
وأسلوب مندور الدقيق الأنيق غير المزخرف يعزز القدرة على الفهم وسهولة التناول لكتاباته الأصيلة فقد قام بتقديم مفاهيم عدة للتقاليد النقدية العربية المعاصرة مثل الشعر المهموس و"الأدب الهادف" فى الرومانسية الموضوعية و"النقد المنهجى" وعلى الرغم من اعتقاداته السياسية والاجتماعية فإن مندور بقى على مدار حياته ناقدًا أدبيًا وليس عقائديًا.