الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى الشرق إلى جانب المسكوكات المغربية المضروبة فى "طودغا" وفى "وليلى" نفسها، والتى كان يوجد بها دار لسك النقود.
وعلى العكس من الاعتقاد السائد بأن الذى أنشأ مدينة الزاوية هو إدريس الأول، حينما فر إلى المنطقة هربًا من غضب الخليفة العباسى "هارون الرشيد"، فإن مدينة "مولاى إدريس" نشأت حول التصريح المقدس لمدفن الأدارسة على الحدود الخارجية من "وليلى" خلال القرن العاشر الهجرى/ السادس عشر الميلادى فى الرحلة التى اشتهرت بحركة الأولياء المسلمين فى المغرب.
واكتسبت "الزاوية" مكانة إسلامية مقدسة مع بداية الأسرة العلوية فى عهد "
مولاى إسماعيل
"، فغدت ملاذًا له حرمته ومقصدًا للزيارات الدينية. وكان يتعين على كل سلطان جديد أن يزور "مولاى إدريس"، التى لازالت تحتفظ بمكانتها الدينية حتى اليوم.
ويتشكل سكان المدينة الصغيرة من مجموعات تعج "بالأشراف الأدارسة" و"العلويين" بفروعهم الكثيرة المتشعبة.
مصطفى محمود [ب. بيرثر P.Berthier]
مولاى إسماعيل
هو مولاى إسماعيل بن الشريف أبو النصر الحاكم الثانى من أسرة العلويين المغاربة.
بعد موت السلطان "مولاى الرشيد"، نودى بمولاى إسماعيل، حاكم "مكناس" وشقيق السلطان المتوفى، سلطانًا فى العاصمة "فارس" فى 11 ذو الحجة سنة 1082 الموافق 14 إبريل سنة 1672، وعمره آنذاك لم يتجاوز 26 سنة.
إلا أن ثلاثة منافسين نزلوا حلبة الصراع ضده، الأول هو شقيقه "مولاى الحرانى" فى "قافلالت" والثانى ابن شقيق "أحمد بن محرز" الذى تولى فى "مراكش" وفى "سوس"، والثالث "الخضر غيلان" زعيم العصابات الثورية فى الغرب الشمالى، والتى كانت تلقى الدعم من الأتراك الذين حكموا الجزائر، إلا أنه هزم "غيلان" فى شمال "فاس" وأعدمه. واعترف بابن أخيه "الحرانى" أميرًا على "قافلالت".
وقال أحمد بن عبد اللَّه (المتوفى سنة 1091/ 1680) أحد أحفاد الأولياء فى
"ديلاء" ثورة عارمة فى منطقة "تادلا" والأقاليم الغربية بدعم من الأتراك فى الجزائر. بيد أن قواته البربرية لم تصمد طويلًا أمام القوات النظامية لمولاى إسماعيل بمدفعيتها فسقطت "مراكش" فى ربيع الثانى 1088 الموافق يونية 1677. وعمل إسماعيل المنتصر على ترويع السكان ليحافظ على الهدوء، فضرب أعناق أكثر من 10 آلاف، وسخر الآلاف من الأسرى، جنبًا إلى جنب مع العبيد المسيحيين فى المعاونة فى بناء قصر "مكناس" التى جعلها العاصمة العسكرية لدولته. وجاء الطاعون ليحصد أرواح الآلاف من الضحايا (1090/ 1679) فى أقاليم الغرب والريف، وهكذا منح القمع الكاسح للثورات البربرية وانتشار الوباء، "مولاى إسماعيل" فسحة من الوقت، استغلها فى إنشاء جيش محترف، فجند العبيد الزنوج السابقين ومنحهم زوجات، وخصهم بالممتلكات، ودربهم على استخدام الأسلحة، وشكل جيش "الحرس الأسود" الشهير من بين عبيد البخارى، ليؤكد سيادته على كافة أرجاء "المغرب".
وأسس فى نفس الوقت فيالق "المجتهدين" بدعوى مساندة الحزب الدينى المتشدد، ولكنه كان يهدف فى الواقع إلى مراقبة معاملات الأتراك مع الأوربيين فى الموانى، ومواجهة نفوذ مجاهدى البحر. وشنت هذه الفيالق، والتى كانت تتشكل فى قوامها من عدة مئات من العبيد المختارين بعناية فائقة، حرب عصابات متواصلة ضد الممتلكات الأوربية. واستولوا من الأسباب على "المعمورة" و"المهدية" الحديثة فى هجوم مباغت. وجمع "مولاى إسماعيل" ما يزيد عن مائة مدفع (15 ربيع الثانى 1092/ 4 مايو 1681). وشنوا غارات متقطعة على الإنجليز من جهة "الصنجاويين"، الذين أخلوا المدينة بعد تفجير المرفأ والتحصينات الموجودة بها (1 جمادى الأولى 1095/ 15 إبريل 1684).
وأرغمت "العرائش" فى سنة 1689، و"أصيلة" فى سنة 1691، على التسليم تحت وطأة هجمات "المجتهدين".
وسعى "مولاى إسماعيل" إلى التحالف مع لويس الرابع عشر ضد
الأتراك فى الجزائر، الذين كان لهم ضلع فى كل المؤامرات التى حكيت خيوطها فى "أطلس" ضد "الأشراف" فى "فارس". وقام التحالف حينئذ بين فرنسا و"باى" تونس وسلطان "فاس"، وحاول الأخير أن يعضده بالمصاهرة، فطلب يد الأميرة "دى كونتى". وعلى الرغم من فشل مساعيه، فإن هذا التحالف أمن لفرنسا مصالحها التجارية العظمى فى "ساليه" و"تيتوان" و"سافى". ونظم "مولاى إسماعيل" من جانبه العديد من الحملات ضد الأتراك بمساعدة فرنسا، والتى زوده تجارها بالأسلحة والذخائر. وانتقلت امتيازات "الأولياء"، وهم الحلفاء الطبيعيون للأتراك، إلى أيدى "الأشراف"، الذين تبنوا تدريجيًا اتجاه العناصر الدينية، والتى تشكلت على هيئة جماعات الإخوان. واستكمل إسماعيل هيمنة بالمنشآت العسكرية ونظام الحاميات لتأمين المرور والسيطرة على البربر فى "الريف". وجمع الأموال اللازمة بفرض الضرائب الباهظة دون تمييز عن طريق عملائه، وبشن الغارات المتواصلة على القبائل وفرض الرسوم الجمركية، ومن جباية أتاوة السدس على غنائم مجاهدى البحر، ومن الفدية المفروضة على الأسرى، ومن تلقى الهدايا القيمة من السفراء الأجانب. وامتزجت فى شخصيته القوة والدهاء والشجاعة مع القسوة والسادية. واتخذ مظهر المهتم بالأنشطة الفكرية لرعاياه، وأضفى على نفسه سمة الورع والتقوى ونشر الدعوة الإسلامية، إلى الحد الذى دعا معه "لويس الرابع عشر" إلى الدخول فى الإسلام.
واحتفظ فى سياسته الخارجية بعلاقات طيبة مع بريطانيا وفرنسا، لم يستغلها فى تحقيق النصر على أتراك الجزائر. واتسمت سياسته الداخلية، بقمع ثورات القبائل، ودعم "المخزن" وتقويتهم ضد تقلبات البربر، وبث الذعر لفرض السلام الذى تحقق عند وفاته، بعد فترة حكم استمرت 55 عامًا، فى 27 رجب 1139/ 20 مارس 1727، عن عمر يناهز 80 عامًا. ومن بين عدة مئات من الأطفال الذين أنجبهم من زوجاته العديدات، خلفه فى الحكم "مولاى أحمد الذهبى" - المؤلف. A. Cour
مصطفى محمود محمد [التحرير]