الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما ضربوا نوعًا عرف بالدينار المزدوج أو المضاعف، وظهر فى عهدهم لأول مرة الدرهم "المربع" ولقد شابه الموحدون المرابطين فى عدم استعمالهم العملة النحاسية، والظاهر أنه لم تسك أية عملة زمن المهدى، وإن ظهر اسمه واسم عبد المؤمن وذريته فى النقوش إلّا لفترة قصيرة من عهد المأمون الذى رفض الاعتراف بالعقيدة الموحدية، وقد جرت العادة على ألا توضع التواريخ على السكة، وقل أن كان يظهر عليها اسم دور الضرب التى سكت فيها، وكانت نوعية المعدن التى تستعمل ومستوى الصنعة يبلغان من الروعة مكانة كبيرة، وكانت دور الضرب تقوم فى البلدان الآتية: بجاية، وتدغة وتونس وسلا وفاس ومراكش ومكناس وأشبيلية وجيان وقرطبة ورباط الفتح وتلمسان وسجلماسة، وشهد عصر الموحدين ظهور نوع من العملة الفضية يسمى millares فى شمال افريقية، كان النصارى قد سكّوه وجعلوه على نمط درهم الموحدين وصدّروه إلى البلاد الإسلامية.
الحياة الاقتصادية:
إن الدراسات التى تعرضت للزراعة فى أسبانيا زمن الموحدين كشفت النقاب عن أن الفلاحين كانوا على معرفة جيدة بأحوال الأرض والأسمدة المخصّبة وطرق الزراعة، وأن انتشار عدد كبير من النباتات إلى جانب وجود نظام دقيق للرىّ كان له أثره الفعال فى قيام رخاء زراعى كبير، ويدل تقويم ابن البناء (الذى وضع فى مراكش قرب نهاية عصر الموحدين) على أن الخبرة بالنواحى الزراعية فى المغرب كانت متقدمة رغم تأخرها نسبيا عن مثيلتها فى أسبانيا، كما أن نظام ملكية الأرض فى أسبانيا لم يكن خاضعًا لأى تدخل من جانب الموحدين عكس ما كان معمولا به فى مراكش إذ كان الهدف منه هنا تيسير جمع الضرائب وتوزيع "الإقطاعات" على العرب وقبائل البربر، وحينذاك ابتدع الموحدون نظاما موحدا خاصا بالأراضى، ويشير صاحب "القرطاس" إلى أن هذا النظام يرجع إلى الوراء إلى سنة 554 هـ (= 1159 م) حيث
وضعه عبد المؤمن الذى فرض الخراج على الأراضى المزروعة، أما فيما يتعلق بالصناعات الريفية والحرف التى كانت شائعة بين المسلمين فقد بقيت كما هى عليه زمن الموحدين، أما حجم الانتاج الصناعى فتبينه قائمة بعدد المنشآت الصناعية والمصانع فى مدينة فاس زمن الخليفة الناصر وهو الحاكم الذى كان له اهتمام كبير بهذه المدينة، وإليك بيانها:
3490 مصنع غزل ونسيج، 27 مصنعا للصابون و 86 مدبغة جلود، 116 مصبغة، 12 دكان حدادة، 11 مصنعا للزجاج، 472 طاحونة، ومائة وخمسة وثلاثون مصنعا لعمل مواد البناء وأربعمائة واثنتان وسبعون طاحونة تدار بالماء، وألف ومائة وسبعون مخبزا، وأربعمائة مصنع للورق ومائة وثمانون مصنعا للفخار، وتسعة آلاف واثنان وثمانون محلا لبيع شتى أنواع البضائع، وداران لسك العملة، وتتضمن نفس القائمة بيانات عن مؤسسات غير هذه التى ذكرناها منها: 8923 وحدة سكنية، و 17040 بيتا خاصا وثلاثة وتسعون حماما عاما، إلى جانب غيرها وعددها 42، وكذلك ثمانون سبيل ماء، و 785 مسجدًا، و 467 خانا.
ولقد واكب بداية عصر الموحدين التوسع التجارى الأوربى الكبير تجاه الشمال الأفريقى، وتشير اتفاقيات السلام والتجارة (التى ترجع إلى سنة 1150 م وما بعدها) والمحفوظة فى دور الوثائق الأوربية إلى أن هذه الاتفاقيات أبرمت بين الموحدين من جهة ومدن أوربا المختلفة من ناحية أخرى، وتهدف هذه الاتفاقيات إلى ضمان تأمين التجارة التى أخذت فى الزيادة بصورة كبيرة، وشجبت هذه المعاهدات القرصنة وأكدت رعاية السلطات المسئولة للتجار وما معهم من المتاجر، أما البيازنة الذين كانوا يلقون على الدوام حسن الرعاية فى أفريقية فقد كانوا موجودين فى تونس زمن عبد المؤمن الذى عقد اتفاقيتى سلام وصلح مع بيزا كانت أولاهما سنة 1133 م والثانية عام
1166 م، كما عقد معها أيضا اتفاقية تجارية سنة 1157 م، وفضلا عن ذلك فإن هناك اتفاقيتين مع بيزا (سنة 1186، 1189 م) لتنظيم التجارة بينها وبين سبتة ووهران وتونس وأسبانيا.
أما فيما يتعلق بجمهورية خبوا فقد أبرمت كثير من المعاهدات فيما بين عامى 1155 و 1164 م لتنظيم التجارة مع كل من طرابلس وسبتة وتونس وساليه وبوجه Bougie، أما مرسيليا فقد عقدت اتفاقا بشأن تجارة الخمور مع سبتة ووهران وبوجه وتونس وذلك فى سنة 1228 م، أما قبل ذلك أعنى سنة 1181 م فقد مُضيت اتفاقية بين مملكة الصقليين وبين جزر البليار تحت إشراف أمراء بنى غانية، الذين أمضوا بعد ذلك بثلاثة أعوام (1184 م) اتفاقية سلام وتجارة مع بيزا، ثم فى سنة 1188 م اتفاقية أخرى مع خبوة، وأقامت مراكش أول ارتباطات وعلاقات تجارية من ناحية قطالونيا، وكانت الارتباطات قاصرة على موانى البحر الأبيض المتوسط فقط لأن القرصنة كانت سوط عذاب يقض هدوء الساحل الأطلسى مما جعل العلاقات التجارية مع هذه النواحى أشدّ صعوبة منها مع غيرها، ولقد شهد القرن السابع للهجرة (الثالث عشر للميلاد) ظهور الإيطاليين والبروفنساليين والكتلان فى سبتة التى أخذت تفاوض برشلونة فى سنة 1227 م ومونبلييه سنة 1233 م سعيا وراء إقامة علاقات منظمة بينها وبينهم، كما زار التجار بعض الموانى الصغيرة الواقعة شرقى سبتة والموانى الأخرى غربها حيث طنجة إذ كان المرجان يصدر من هناك إلى أوربا، كما زاد التعامل التجارى مع Sole بسبب الذهب الذى يأتى أصلا من السودان الغربى. أما دخول القشتاليين إلى وسط مراكش هقد جاء فى وقت لاحق لذلك الوقت. وهناك عدد من الاتفاقيات أكبر من هذه الأعداد التى ذكرناها يرجع تاريخ عقدها إلى المراحل الأخيرة من عصر الموحدين، وقد أبرمت مع تونس فى الوقت الذى كانت فيه دولة الحفصيين موشكة على أن تعلن استقلالها عن دولة الموحدين.