الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منبر
المنبر هو البناء القائم أو منصة الخطابة التى تلقى المواعظ منها على جماعة المسلمين.
1 - النشأة التاريخية الأولى للمنبر ووضعه فى الإسلام:
عُرف المنبر زمن النبى، بخلاف المحراب الذى عُرف قبله. وتنطق كلمة منبر، أحيانًا، "مِمبر"، وهى مشتقة فى العربية من أصل يشير إلى "العُلو"، ومن المحتمل أن تكون الكلمة قد انتقلت إلى العربية من الحبشية مثلما كان الحال مع كلمة "مسجد". والكلمة تعنى أيضًا:"المقعد، والكرسى"، وتستخدم أحيانا بمعنى: السرج، والمحفة. وهى فى ذلك تتطابق مع "المجلس" و"السرير" أو "الكرسى". ويتوافق استعمال كلمة منبر كمنصة لإلقاء الموعظة مع تاريخ المنبر نفسه.
وحين كان الخطيب يخاطب العرب عادة كان يخاطبهم واقفا، وكثيرًا ما كان يضرب الأرض بقوسه أو برمحه؛ أو يعظهم وهو على راحلته، كما كان يفعل "قُس بن ساعدة" فى سوق عكاظ. وقد فعل النبى صلى الله عليه وسلم الأمرين معا ففى عرفة امتطى النبى ناقته أثناء خطبته، وفى مناسبات أخرى، حين كان يخاطب مجتمعه فى فترة بعثته الأولى، حتى أواخرها فى يوم فتح مكة كان يخطب واقفا. وكما ورد فى روايات اتخاذ النبى صلى الله عليه وسلم للمنبر، كان النبى صلى الله عليه وسلم يتخذ له مكانًا خاصًا فى مسجد المدينة يخطب منه، وتشير الكثير من المصادر إلى بداية معرفة المسلمين للمنبر وأشهرها رواية ابن سعد.
ويقال إن المنبر بنى من "طرفاء" الغابة، أو من شجيرات الآجام المجاورة للمدينة، وكان صانعه رجلًا روميا أو قبطيا يدعى "باقوم" أو "باقول"، وردت أسماء أخرى لصانعه مثل:(إبراهيم، ميمون، صباح، كلاب ومينا) وكان ياقوم هذا نجارا ولكنه مولى لزوجة رجل من الأنصار أو المهاجرين وقال آخرون: إنه كان من موالى العباس. ويُنسب اقتراح صنع المنبر أحيانًا للنبى صلى الله عليه وسلم وأحيانًا أخرى لغيره وقيل إن الجذع أنَّ أنينًا يشبه خوار الجمل أو
أنين الطفل حين اعتلى النبى صلى الله عليه وسلم مقعده الجديد، "لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قام من مجلسه حتى انتهى إليه، فقام إليه ومسه فهدأ ثم لم يسمع له حنين بعد ذلك اليوم وتتفق معظم الروايات على أن المنبر قد اتخذ فى بادئ الأمر للخطبة وأضافت بعضها أن الغرض منه كان إبلاغ حشد المصلين صوت النبى صلى الله عليه وسلم ويعلم أيضًا بأن النبى صلى الله عليه وسلم أقام الصلاة عليه، وأنه عند السجود، نزل عنه وعُنِىَ بأن يرى الناس صلاته وأن يتَّبعوه فيها. على أن هذه الرواية الأخيرة تقتضى ضمنا عادة الوقوف على المنبر.
فى هذا السياق، نشير إلى حديث أورده ابن الأثير مفاده أن الصحابة سألوا أن يتخذ له مكانا مرتفعا عند مجئ عدد كبير من الوفود إليه وهناك رواية أخرى مفادها أن النبى صلى الله عليه وسلم وقف على كرسى وخاطب رجلًا اسمه "تميم" وفد عليه لزيارته. وفى هذا المقام فنحن لدينا مقعد شرعى يجلس الحاكم عليه. ويتوافق ذلك دون شك مع سمة المنبر؛ ففى حين اعتاد الساميون الشماليون اتخاذ المقعد المرتفع، فإن العرب اعتادوا افتراش الأرض، والاتكاء على المساند ومن ثم صار المقعد المرتفع خاصية للحاكم أو للقاضى. ورد فى الخبر أن "ربيعة بن مخاشن"، كان أول من اتخذ المنبر أو السرير حين عمل قاضيا. وجلس "الحجاج" على كرسى خصص له ونقب له "سرير" حين قام بمحاكمة أعدائه، ثم نفس الأمر "ليزيد بن المهلب" حين أصدر أوامره بالخروج للحرب.
ويخالف "بيكر" الروايات التى تشير إلى أن المنبر قد خُصص أساسا للخطبة أول ما أنشئ، وهو يرى أنه خصص كرمز لعرش النبى [صلى الله عليه وسلم] القوى الذى صار له الحكم (*). ويتفق رأيه فى ذلك مع الروايات التى تقول بأن المنبر قد أنشئ فى السنة السابعة أو الثامنة أو التاسعة للهجرة، وهى السنوات التى ثبت فيها حكم النبى صلى الله عليه وسلم ولقد اتخذ النبى صلى الله عليه وسلم المنبر أيضًا لإعلان التعليمات
* من المحال طبعا أن يكون هذا التحليل صحيحا، فالنبى صلى الله عليه وسلم نفسه نفى أن يكون ملكا أو كالملك، وكان يركز على أنه "ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة"، وكانت الأرض مجلة، وكان ينام فوق حصير أو حشية من ليف. . إلى آخر ما هو معروف فى كتب السيرة (هيئة التحرير).
الهامة، ومن بينها على سبيل المثال، إعلان تحريم الخمر.
وكثيرًا ما كان يُطلق على منبر النبى صلى الله عليه وسلم "الأعواد"، وهى تسمية مشتقة من المادة المصنوع منها. وكان يتكون من درجْين ومجلس. ولقد اتخذ المنبر نفس الشكل بعد عهد الرسول فى خلافة أبى بكر وعمر وعثمان. وتظهر دلالته كعرش من الحقيقة التى تقول إن معاوية أراد فى سنة 50 هـ أن يأخذ معه منبر الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الشام "فلم يسمح له بذلك، ولكنه قام بزيادة درجه إلى ستة أدراج. وبعد ذلك بعدة سنين، قيل إن عبد الملك والوليد قد رغبا فى أخذ منبر النبى صلى الله عليه وسلم إلى دمشق.
وكان للأمويين منبرهم الخاص الذى يجلسون عليه، مثل من سبقوهم. وأخذ معاوية منبره معه عند سفره إلى مكة، ولقد ظل المنبر باقيا هناك بها حتى زمن الرشيد؛ فلما قدمها الرشيد حاجا سنة 170 هـ/ 876 - 787 م أو سنة 174 هـ/ 790 - 791 م قدم له أمير مصر"منبرا منقوشا" له تسع درجات أما المنبر القديم فقد وضع فى عرفة. وبعد ذلك صنع الخليفة "الواثق" منابر لمكة وعرفة ومنى. ولقد كان منبر مكة منبرًا قابلًا للحمل والنقل. وكان موضعه فى العادة إلى جوار المقام، لكنه كان ينقل إلى جانب الكعبة أثناء الخطبة ووفقا لما أورده البتانونى، ظلت هذه العادة قائمة حتى ابتنى السلطان سليمان القانونى (926 - 974 هـ/ 1520 - 1566 م) منبرًا من الرخام شمال المقام.
وكان هنالك شك فى إمكانية إقامة منابر فى مساجد الولايات ووفقًا لما أورده "القضاعى"، فإن عمرو بن العاص أقام له منبرًا فى جامعه بالفسطاط، إلا أن الخليفة عمر طلب منه إبعاده. وتشير هذه الحادثة بوضوح إلى أن المنبر كان بمثابة العرش، وهو حق للخليفة وحده لا ينازعه فيه منازع وبعد وفاة عمر، قيل إن عمرو بن العاص أعاد استخدام المنبر، وأن منبره ظل فى مسجده حتى قام الوالى "قُرة بن شريك" بإعادة بناء مسجد عمرو. وقد وُضع المنبر، أثناء عمارة المسجد، فى القيسارية التى كانت تستخدم
كمصلى. وعندما تمت عمارة المسجد سنة 92 هـ/ 711 م، لم يرجع قرة منبر عمرو إلى مكانه ولكنه أقام مكانه منبرًا جديدًا. وظل منبر قُرة قائمًا حتى سنة 379 هـ/ 989 م، حين استبدله الوزير الفاطمى يعقوب بن كلس بمنبر آخر مطلى بالذهب. وفى سنة 405 هـ/ 1014 - 1015 م قام الخليفة الحاكم بأمر اللَّه بوضع منبر جديد كبير فى جامع عمرو بن العاص.
ولا نسمع عن أى اعتراضات فى الأماكن الأخرى على إقامة المنابر فى الأمصار ففى المدائن وفى عام 16 هـ/ 637 م أقام سعد بن أبى وقاص منبرًا فى المسجد الذى ابتناه فى إيوان كسرى كما أقام أبو موسى الأشعرى بالبصرة منبرًا فى وسط مسجدها. على أن ذلك الموضع لم يكن ملائما لأنه كان على الإمام أن يعبر من المنبر إلى القبلة "ويتخطى رقاب" الجلوس من المسلمين لذلك حوَّل زياد المنبر إلى الحائط الجنوبى. ومن ناحية أخرى، فقد ورد إلينا أن عبد اللَّه بن العباس (والى البصرة 36 - 40 هـ/ 656 - 660 م) كان أول من ارتقى المنبر فى البصرة وصار المنبر رمزًا للحاكم وفى سنة 64 هـ/ 683 - 684 م) كانت هناك منابر فى كل الولايات وفى ذلك العام، تمت البيعة العامة لمروان بن الحكم ليس فى العاصمة فحسب بل وعلى المنابر الأخرى فى بلاد الحجاز، ومصر، والشام، والجزيرة، والعراق، وخراسان، وسائر الأمصار.
وفى القرن الأول الهجرى وبداية الثانى، نجد الوالى فى المدن الصغيرة يلقى الخطبة واقفا، ممسكا فقط بعصا. ولكن فى عهد حكم عبد الملك بن مروان نصبت المنابر فى قرى مصر. وحين أصبحت الخطبة مجرد عظة دينية، ولم يعد الحاكم هو الخطيب، صار المنبر منصة للوعظ الدينى وصار هنالك منبر فى كل مسجد تعقد فيه صلاة الجمعة. وفى نفس الوقت، أعنى، بعد عهد الرشيد، اكتمل التغيير بالتدريج فى وظيفة المنبر، وصار الواعظ يخطب من فوق المنبر واقفًا.
ولقد طبقت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم آنذاك بصدد إلقاء الخطيب خطبتين
للجمعة واقفا، "كما هو حاصل اليوم". ويعد المنبر الآن مشابها تماما على هذا النحو المنبر المسيحى. ومن المحتمل تمامًا أن يكون الأخير قد أثر فى شكل المنبر الإسلامى وقد جعل معاوية منبر المدينة أكبر، فى حين احتوى المنبر الذى حمله معه إلى مكة على ثلاثة درجات فقط، وكان بالطبع منبرًا محمولا قابلًا للنقل والتركيب. وسمعنا مرة أخرى عن منابر محمولة صنعت مؤخرا ليست كبيرة الحجم وقيل إن منابر المغرب كانت كلها منابر محمولة ويعتبر "ابن الحاج أن تلك بدعة ابتدعها" الحجاج والمنابر القديمة مصنوعة من الخشب. وعلى أن هناك حديثا يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قد صنع له كرسى من الخشب بقوائم حديدية لاستقبال تميم. ولكن منبر الحديد أقيم منذ بداية العهد الأموى؛ وكذلك المنبر من الحجر أيضًا، ثم بنيت المنابر من الأجر وعادة، ما ينصب المنبر وظهره ملاصق لحائط القبلة إلى جوار المحراب. وحاول المهدى رد المنابر إلى حجمها الأصلى الصغير، لكنه لم يستطع أن يوقف التطوير. وأقيمت عدة منابر فى المساجد الكبرى ويشير ابن الفقيه، (حوالى سنة 300 هـ/ 912 - 913 م) إلى وجود خمسة منابر فى مسجد القدس. أما فى جامع السلطان حسن بالقاهرة، كانت هناك خطط لبناء أربعة منابر، ثم تنفيذ ثلاثة منها، ولم يتم تنفيذ الرابع بسبب الانشغال فى إصلاح مئذنته التى تصدعت سنة 762 هـ/ 1361 م وحولت الانتباه عن تشييد هذا المنبر الرابع إلى عمل آخر. وقد أعطت الأهمية التى كانت للمنبر فى السابق زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، حرمة خاصة له، وتركزت حرمة المسجد حوله وحول المحراب.
وقيل أن الخليفة عثمان بن عفان كان أول خليفه يكسو منبر النبى صلى الله عليه وسلم بالقطيفة. وقام معاوية بنفس الصنيع ولم تكن تغطية "الحاكم بأمر اللَّه" للمنبر الحديدى بجلد مذهب إلا لما علاه من الصدأ، وزمن العباسيين، جرت عادتهم على أن يرسلوا كل عام كسوة لمنبر النبى من بغداد؛ لكن سلاطين العهود المتأخرة لم يكونوا يجددون هذه العادة بانتظام. ولدينا إشارات فى