الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدهما: أنه يجوز ويزول عنه ملكه، كما لو أعتق عبدا، واختاره أبو هريرة.
والثانى: لا يجوز ذلك، واختاره الشيخ أبو إسحاق، والقفال، والقاضى أبو الطيب وهو الأصح فى «الروضة» و «الشرح» . ولو فعله عصى ولم يخرج عن ملكه بالإرسال؛ لأنه يشبه سوائب الجاهلية، وقياسا على ما لو سيب دابة.
واختار صاحب «الإيضاح» وجها ثالثا، وهو: إن قصد بعتقه التقرب إلى الله تعالى زال ملكه عنه، وإلا فلا.
وطير الماء حلال بجميع أنواعه إلا اللقلق فإنه يحرم أكله على الصحيح كما قال الرافعى.
وحكى الرويانى فى طير الماء وجهين عن الصيمرى، والأصح ما قاله الرافعى، ويدخل فيه البط والأوز ومالك الحزين.
قال أبو عاصم العبادى: وهى أكثر من مائة نوع، ولا يدرى لأكثرها اسم عند العرب؛ فإنها لم تكن ببلادهم.
(د) وإليك ما جاء فى الحديث الشريف عن الطير
.
[374]
عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: «جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصّفاح «1» ، فجاءهم عبد المطلب، جدّ النبى صلى الله عليه وسلم فقال:
إن هذا بيت الله تعالى لم يسلط الله عليه أحدا. قالوا: لا نرجع حتى نهدمه.
قال: وكانوا لا يقدّمون فيلهم إلا تأخّر. فدعا الله الطير الأبابيل، فأعطاها حجارة سودا عليها الطين، فلما حاذتهم رمتهم، فما بقى منهم أحد إلا أخذته الحكّة «2» ، فكان لا يحك إنسان منهم جلده إلا تساقط لحمه» «3» .
[375]
عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: أقبل أصحاب الفيل، حتى إذا دنوا من مكة، استقبلهم عبد المطلب، فقال لملكهم: ما جاء بك إلينا؟ ألا بعثت فنأتيك بكل شىء أردت؟ فقال: أخبرت بهذا البيت
(1) الصفاح: موضع بمكة.
(2)
الحكة: مرض يصيب الجلد، فيحكه صاحبه.
(3)
حديث رواه البيهقى فى دلائل النبوة (1/ 124) .
الذى لا يدخله أحد إلا أمن، فجئت أخيف أهله. فقال: إنا نأتيك بكل شىء تريد، فارجع. فأبى إلا أن يدخله، وانطلق يسير نحوه، وتخلّف عبد المطلب، فقام على جبل، فقال: لا أشهد مهلك هذا البيت وأهله.
ثم قال:
اللهم! إن لكلّ إله
…
حلالا فامنع حلالك
لا يغلبنّ محالهم
…
أبدا محالك
اللهم! فإن فعلت
…
فأمر مّا بدا لك
فأقبلت مثل السحابة من نحو البحر حتى أظلتهم طير أبابيل التى قال الله تبارك وتعالى: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ قال: فجعل الفيل يعجّ عجّا «1» فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ «2» .
[376]
روى الشافعى عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبى يزيد، عن سباع بن ثابت، عن أم كرز قالت: أتيت النبّى صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول:
[377]
وفى رواية «
…
فى وكناتها» «3» .
(1) حديث رواه الحاكم فى مستدركه (2/ 535) ، وصححه ووافقه الذهبى، والبيهقى فى دلائل النبوة (1/ 122) . والحلال: القوم المقيمون المتجاورن، يريد بهم سكان الحرم والمحال- بكسر الميم- الكيد والقوة. ويعج: أى يرفع صوته.
(2)
سورة الفيل، الاية:5.
(3)
قال: فالتفت سفيان إلى الشافعى، وقال: يا أبا عبد الله؛ ما معنى هذا؟ قال الشافعى: إن علم العرب كان فى زجر الطير، فكان الرجل منهم إذا أراد سفرا خرج من بيته، فيمر على الطير فى مكانه فيطيره، فإذا أخذ يمينا مشى فى حاجته، وإن أخذ يسارا رجع، فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«أقروا الطير على مكناتها» . قال: فكان ابن عيينة يسأل بعد ذلك عن تفسير هذا الحديث، فيفسره على نحو ما فسّره الشافعى. والمكن- بكسر الكاف- موضع القرار والتمكن. وأصل المكن: بيض الضب. قال الصيدلانى: فعلى هذا يجب أن يكون المفرد مكنة- بتسكين الكاف- كتمرة وتمرات. والحديث رواه أبو داود (2835) ، وأحمد (6/ 381) ، وابن حبان (1432- كما فى مورد الظمان) ، والحاكم (4/ 237) ، وهو صحيح.
وهذا بعض حديث رواه أحمد وأصحاب السنن والحاكم وابن حبان.
[378]
نفى الشرع التطيّر وأبطله بقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طيرة، خيرها الفأل» «1» .
[379]
وفى الحديث: قالوا: يا رسول الله، لا يسلم منّا أحد من الطّيرة والحسد والظن، فما نصنع؟ قال صلى الله عليه وسلم:«إذا تطيّرت فامض وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا ظننت فلا تحقق» «2» (رواه الطبرانى وابن أبى الدنيا) .
[380]
فى «التمهيد» لابن عبد البر من حديث المقرئ، عن ابن لهيعة، عن ابن هبيرة، عن عبد الرحمن الحبلى، عن عبد الله بن عمرو- رضى الله عنهما- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من رجعته الطّيرة عن حاجته فقد أشرك» قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم:
«أن يقول أحدكم: اللهمّ لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك. ثم يمضى لحاجته» «3» .
[381]
روى الترمذى، وابن ماجه، والحاكم، وصححه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«لو توكلتم على الله حقّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا» «4» .
(1) حديث صحيح.. رواه البخارى (7/ 174) ، ومسلم (110) .
(2)
حديث ضعيف.. رواه الطبرانى وفيه إسماعيل بن قيس ضعيف. وانظر: «مجمع الزوائد» للهيثمى (8/ 78) .
(3)
حديث صحيح.. وقد رواه أيضا أحمد (2/ 220) .
(4)
معناه: تذهب أول النهار، ضامرة البطون من الجوع، وترجع اخر النهار ممتلئة البطون من الشبع. وقال الإمام أحمد: ليس فى هذا الحديث دلالة على القعود عن الكسب، بل فيه ما يدل على طلب الرزق. وهذا خلاف التواكل. والحديث صحيح، وقد رواه الترمذى (2344) ، وابن ماجه (4164) ، والحاكم (4/ 318) ، وأحمد (1/ 52) .
الفرخ: ولد الطائر، ثم استعمل فى كل صغير من الحيوان والنبات.
والأنثى فرخة.
وجمع القلة: أفرخ وأفراخ، وجمع الكثرة فراخ.
[382]
روى أبو داود بإسناد صحيح على شرط الشيخين عن عبد الله بن جعفر أن النبى صلى الله عليه وسلم أمهل ال جعفر ثلاثا، ثم أتاهم فقال:
«لا تبكوا على أخى بعد اليوم» ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ادعوا إلىّ بنى أخى» فجئ بنا كأننا أفرخ، فقال صلى الله عليه وسلم:«ادعوا لى الحلاق» فأمره فحلق رؤسنا «1» .
[383]
وروى البزار عن عمر بن الخطاب أن النبى صلى الله عليه وسلم كان فى بعض مغازيه، فبينما هم يسيرون إذ أخذوا فرخ طير، فأقبل أحد أبويه حتى سقط على أيدى الذين أخذوا الفرخ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا تعجبون لهذا الطير، أخذ فرخه، فأقبل حتى سقط فى أيديهم» ! قالوا: بلى يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: «والله، لله أرحم بعباده من هذا الطير بفرخه» «2» .
[384]
وفى «سنن أبى داود» فى أوائل كتاب الجنائز من حديث عامر الرام أخى الخضر، بضم الخاء وإسكان الضاد، وهو فرد فى الأسماء قال:
بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقبل رجل على كساء، وفى يده شىء قد لف عليه طرف كسائه، فقال: يا رسول الله، إنى لما رأيتك أقبلت، فمررت بغيضة شجر، فسمعت فيها أصوات فراخ طائر،
(1) حديث صحيح.. رواه أبو داود (4192) .
(2)
قال الهيثمى فى المجمع (10/ 383) : رواه البزار من طريقين ورجال إحداهما رجال الصحيح.
فأخذتهن فوضعتهن فى كسائى، فجاءت أمهن فاستدارت على رأسى، فكشفت لها عنهن، فوقعت عليهن، فلففتها معهن، وهاهن فيه معى! فقال صلى الله عليه وسلم:«ضعهن عنك» فوضعتهن، وأبت أمّهن إلا لزومهن. فقال النبى صلى الله عليه وسلم:«أتعجبون لرحمة أم الفراخ فراخها؟» قالوا: نعم يا رسول الله. قال صلى الله عليه وسلم: «فو الذى بعثنى بالحق نبيا لله أرحم بعباده من أم هؤلاء الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن من حيث أخذتهن» .
فرجع بهن وأمهن ترفرف عليهن «1» .
[385]
وروى مسلم عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق، يوم خلق السموات والأرض، مائة رحمة. كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها فى الأرض رحمة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة» «2»
[386]
وروى مسلم والنسائى والترمذى عن ثابت، عن أنس- رضى الله عنه- أن النبى صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت، - وفى رواية الترمذى- قد جهد، فصار مثل الفرخ، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم:«هل كنت تدعو الله بشىء أو تسأله إياه؟!» قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبى به فى الآخرة فعجّله لى فى الدنيا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله! إنك لا تطيقه، ولا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم اتنا فى الدنيا حسنة، وفى الآخرة
(1) حديث ضعيف.. رواه أبو داود (3089) .
(2)
حديث صحيح.. رواه مسلم (2753) .