الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستعمل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحيوان واقتناه وركبه حضرا وسفرا وكانت بغلة الرسول صلى الله عليه وسلم التى يركبها فى الأسفار أنثى واسمها «الدلدل» .
(ج) الأحكام الفقهية:
البغل حيوان عقيم ليس له نسل ولا نماء، ولا يذكّى، ولا يزكّى. ويحرم أكل المتولد منها بين الحمار الأهلى والفرس.
وإذا أوصى لفلان ببغلة لا تتناول الذكر- على الأصح- كما لا تتناول البقرة الثور. فى أحد رأيين. والثانى تتناوله، والهاء للواحدة كتمرة وزبيبة.
(د) وإليك ما جاء بشأنها:
[113]
عن أبى إسحاق، أنّه سمع البراء بن عازب، وقد سأله رجل من قيس: أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين؟ فقال: لكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرّ «1» . كانت هوازن رماة، وإنّا لمّا حملنا عليهم انكشفوا، فأكببنا على الغنائم، فاستقبلنا بالسهام «2» . ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على بغلته البيضاء، وإنّ أبا سفيان بن الحارث «3» ، اخذ بزمامها «4» ، وهو يقول:«أنا النبىّ لا كذب» «5» .
[114]
عن العباس بن عبد المطلب قال: «شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا «6» ، قال: فلقد رأيت النبىّ صلى الله عليه وسلم وما معه إلّا أنا، وأبو سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب، فلزمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه وهو على
(1) لما كان السؤال يوهم أنهم فروا جميعا وفر معهم رسول الله عليه السلام؛ أجاب البراء، بإثبات الفرار لهم، وثبات الرسول عليه السلام، وعدم فراره.
(2)
بين بذلك سببا من أسباب الهزيمة فى أول الأمر؛ وهو أن المسلمين شغلوا بجمع الغنائم.
(3)
هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، وهو ابن عم الرسول عليه السلام.
(4)
فى بعض الروايات: أنه نزل من على البغلة، وطلب من الله النصر، وأمر بنداء الأنصار والمهاجرين، فاجتمعوا إليه، وتم النصر للمسلمين.
(5)
حديث صحيح.. رواه البخارى (5/ 153) فى صحيحه، وابن سعد فى الطبقات (1/ 24) .
(6)
حنين: واد إلى جنب ذى المجاز، قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا، من جهة عرفات.
بغلة شهباء، وربّما قال معمر: بيضاء، أهداها له فروة بن نعامة الجذامىّ، فلمّا التقى المسلمون والكفار، ولّى المسلمون مدبرين، وطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يركض بغلته قبل الكفار) .
قال العبّاس: وأنا اخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكفّها، وهو لا يألو ما أسرع «1» نحو المشركين، وأبو سفيان بن الحارث، اخذ بغرز «2» رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا عباس، ناد: يا أصحاب الشّجرة «3» » ، قال: وكنت رجلا صيّتا «4» ، فقلت بأعلى صوتى: أين أصحاب الشّجرة؟ قال: فو الله لكأنّ عطفتهم حين سمعوا صوتى، عطفة البقر على أولادها!! فقالوا: يا لبّيك، يا لبيك، وأقبل المسلمون، فاقتتلوا هم والكفار، فنادت الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار، ثم قصرت الدعوة على بنى «5» الحارث بن الخزرج.
قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على بغلته، كالمتطاول «6» عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«هذا حين حمى الوطيس» «7» ، قال: ثمّ أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفّار، ثمّ قال:«انهزموا، وربّ الكعبة. انهزموا، وربّ الكعبة» . قال: فذهبت أنظر، فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فو الله، ما هو إلّا أن رماهم
(1) أى: لا يقصر فى الإسراع نحو المشركين.
(2)
أى: بركابه، والغرز الركاب.
(3)
هى الشجرة التى بايع النبى صلى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان، عام الحديبية.
(4)
الصيّت: هو الشديد الصوت العاليه.
(5)
ومعناه: أنهم أولا نادوا الأنصار عموما، ثم خصصوا بالنداء بنى الحارث بن الخزرج.
(6)
من الطول: بالفتح، وهو الفضل والعلو على الأعداء.
(7)
قيل: هو الضراب فى الحرب، وقيل: هو الوطاس الذى يطس الناس: أى يدقهم، ونقل عن الأصمعى: هو حجارة مدورة، إذا حميت لم يعد أحد يطؤها.
رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا «1» وأمرهم مدبرا؛ حتّى هزمهم الله!! قال: وكأنّى أنظر إلى النبىّ صلى الله عليه وسلم، يركض خلفهم على بغلته» «2» .
[115]
روى أبو داود والنّسائى، عن عبد الله بن زرير الغافقى المصرى، عن على- رضى الله عنه- قال: «أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة فركبها. فقالوا: لو حملنا الحمير على الخيل لكان لنا مثل هذه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون» «3» .
قال ابن حبان معناه: الذين لا يعلمون النهى عنه*.
[116]
عن عبد الله بن أبى أوفى، وكان من أصحاب الشجرة، فماتت ابنة له، وكان يتبع جنازتها على بغلة، فجعل النساء يبكين، فقال:
لا ترثين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المراثى، فتفيض إحداكن من عبراتها ما شاءت، ثم كبّر عليها أربعا، ثم قام بعد الرابعة قدر ما بين التكبيرتين يدعو، ثم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع فى الجنازة هكذا «4» .
(1) كلّ السيف يكلّ كلالا فهو كليل إذا لم يقطع، وهذا كناية عن ضعف قوتهم ومقاومتهم.
(2)
حديث صحيح رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الجهاد (76) ، وأحمد فى المسند (1/ 207) ، وانظر «الفتح الربانى» (1/ 169) للساعاتى.
(3)
رواه أبو داود فى سننه- كتاب الجهاد حديث (2565) ، وأحمد (1/ 78) .
* قال الخطابى: يشبه أن يكون المعنى فى ذلك- والله أعلم- أن الحمير إذا حملت على الخيل تعطلت منافع الخيل، وقل عددها، وانقطع نماؤها. والخيل يحتاج إليها للركوب والعدو والطلب والركض، وعليها يجاهد العدو، وبها تحرز الغنائم، ولحمها مأكول، ويسهم للفرس كما يسهم للرجل. وليس للبغل شىء من هذه الفضائل، فأحب النبى صلى الله عليه وسلم أن ينمو عدد الخيل، ويكثر نسلها لما فيها من النفع والصلاح. فإذا كانت الفحول خيلا والأمهات حميرا، فيحتمل ألا يكون داخلا فى النهى، إلا أن يتأول متأول أن المراد بالحديث صيانة الخيل عن مزاوجة الحمير، وكراهة اختلاط مائها بمائها؛ لئلا يكون منها الحيوان المركب من نوعين مختلفين، فإن أكثر الحيوانات المركبة من نوعين من الحيوان أخبث طبعا من أصولها التى تتولد منها، وأشد شراسة.
(4)
رراه أحمد فى مسنده 4/ 356.
[117]
قال السهيلى: ومما يذكر فى غزوة حنين:
أن النبى صلى الله عليه وسلم أخذ وهو على بغلته، حفنة من البطحاء فرمى بها فى وجوه الكفار وقال:«شاهت الوجوه» «1» . فانهزموا «2» .
وكانت البغلة ضربت ببطنها الأرض حتى أخذ الحفنة، ثم قامت، وهى التى تسمى البيضاء.
[118]
وفى معجم الطبرانى الأوسط من حديث أنس- رضى الله عنه- قال: لما انهزم المسلمون يوم حنين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته الشهباء التى يقال لها: الدّلدل، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دلدل أسدى» فألصقت بطنها بالأرض، حتى أخذ النبى صلى الله عليه وسلم حفنة من تراب فرمى بها وجوههم وقال: «حم
…
لا ينصرون» «3» .
قال: فانهزم القوم، وما رميناهم بسهم، ولا طعناهم برمح، ولا ضربناهم بسيف.
(1) شاهت الوجوه: أى قبحت.
(2)
حديث صحيح رواه مسلم فى صحيحه، كتاب الجهاد، حديث (81) .
(3)
حديث ضعيف رواه الطبرانى كما فى مجمع الزوائد (6/ 183) ، وفيه أحمد بن محمد بن القاسم ضعيف الحديث.