الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 - إحياء الموات
- الأرض الموات: هي الأرض التي لا مالك لها، وهي الأرض المنفكة عن الاختصاصات، وملك معصوم.
فالاختصاصات كالطرق، والمقابر، والحدائق، ومسايل المياه ونحو ذلك من المرافق العامة.
والإنسان المعصوم: هو المسلم أو الكافر المالك للأرض بسبب شرعي من شراء، أو إرث ونحوهما.
- أقسام الملك:
ينقسم الملك إلى قسمين:
الأول: الملك التام: وهو ملك رقبة الشيء ومنفعته كملك الأرض، ولصاحبه مطلق التصرف فيه بالبيع، أو الهبة، أو الوقف ونحو ذلك.
الثاني: الملك الناقص: وهو ملك العين وحدها، أو المنفعة وحدها.
- أقسام الملك الناقص:
الملك الناقص ثلاثة أنواع:
1 -
ملك العين فقط: وهو أن تكون العين مملوكة لشخص، ومنافعها مملوكة لشخص آخر كأن يوصي أحد لآخر بسكنى داره مدة حياته، أو مدة خمس سنوات مثلاً، فإذا مات الموصي عادت الدار للورثة بعد انتهاء المدة.
2 -
ملك المنفعة الشخصية: كالإعارة .. والإجارة .. والوقف .. والوصية .. والإباحة.
وحق الانتفاع حق مؤقت ينتهي بانتهاء مدة الانتفاع، أو هلاك العين المنتفع بها، أو تعيبها بعيب يعطل المنفعة منها.
3 -
ملك المنفعة العيني: وهو حق مقرر لمنفعة عقار آخر مملوك لغير مالك العقار الأول، وهو حق دائم ما بقي العقاران مثل: حق الشرب .. وحق المجرى .. وحق المسيل .. وحق المرور .. وحق الجوار .. وحق العلو.
وهذه الحقوق تبقى ما لم يترتب على بقائها ضرر بالغير، فإن ترتب عليها ضرر أو أذى وجب إزالتها.
- أسباب الملك التام:
مصادر التملك في الإسلام أربعة، وهي:
تملك المباح .. والعقود الناقلة للملكية .. والخلفية كالإرث والتضمين .. والتولد من الشيء المملوك كالثمر في الشجر، والزرع في الأرض، وتكاثر الأشجار.
- صور تملُّك المباح:
تملُّك المباح له أربع حالات هي:
1 -
إحياء الموات:
الموات: كل ما ليس بمملوك من الأرض لا يُنتفع به، وإحياء الأرض الموات بجعلها صالحة للانتفاع بها كالبناء، والغرس، والزرع ونحو ذلك.
2 -
الاصطياد:
الصيد: هو وضع اليد على شيء مباح غير مملوك لأحد، بصيد الطيور، أو الحيوانات، أو السمك.
3 -
الاستيلاء على الكلأ والأشجار:
الكلأ: هو الحشيش الذي ينبت في الأرض بغير زرع ترعاه البهائم، والكلأ لا يُملك وإن نبت في أرض مملوكة، والناس شركاء فيه.
وأما الأشجار الكثيفة فإن كانت في أرض غير مملوكة فلا يجوز لأحد منع الناس منها، وإن كانت في أرض مملوكة فهي ملك لصاحب الأرض.
4 -
الاستيلاء على المعادن والكنوز:
المعادن: هي ما خلقه الله في باطن الأرض كالحديد والنحاس، والذهب والفضة وغير ذلك من المعادن.
والمعادن تُملك بملك الأرض، فمن ملك أرضاً فله جميع ما فيها وما عليها.
والكنز: ما دفنه الناس وأودعوه في باطن الأرض من الأموال، سواء كان في الجاهلية أو في الإسلام، ويسمى الركاز.
فالكنز الإسلامي: يجوز تملُّكه، فإن ظهر صاحبه وجب ضمانه.
والكنز الجاهلي: خُمسه لبيت المال، والباقي لواجده.
- العقود الناقلة للْمِلْكِيَّة:
أهم أسباب التملك: هي العقود الناقلة للملكية كالبيع، والهبة، والوصية.
وهذه أهم مصادر التملك، وأكثرها وقوعاً في التعامل بين الناس.
- أنواع التملك الخلفية:
الخلفية: هي أن يَخْلف الإنسان غيره فيما كان يملكه، وهي نوعان:
1 -
الإرث: وهو ما يتركه الميت من أموال لورثته.
2 -
التضمين: وهو ما يجب على من أتلف شيئاً لغيره كمن غصب شيئاً فتلف، أو
ألحق ضرراً بغيره كالدية في النفس والأعضاء، فيضمن ذلك كله، ويتملكه من له الحق.
- أقسام الأرض الموات:
الأرض الموات قسمان:
الأول: ما كان من الأرض من المرافق العامة تستعمل مرعى للمواشي .. أو محتطباً لأهل البلد .. أو مقبرة لموتاهم .. أو مصلى لعيدهم .. أو مكاناً لنزهتهم .. أو مكان الملح، أو القار، أو الطين ونحو ذلك مما لا يستغني عنه المسلمون في كل بلد، فهذه المرافق لا يجوز لأحد تملكها، ولا يجوز إقطاعها؛ لما يترتب على ذلك من الإضرار بالمسلمين.
الثاني: ما لا يملكه أحد ولا ينتفع به من الأراضي البور، فهذه يجوز إحياؤها ببناء، أو غرس، أو زرع، أو حفر بئر، أو تفجير ماء، لتكون صالحة ينتفع بها الناس.
- فضل إحياء الموات:
عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً أوْ يَزْرَعُ زَرْعاً، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ، أوْ إِنْسَانٌ، أوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ» . متفق عليه (1).
- حكمة مشروعية إحياء الموات:
إحياء الموات فيه مصالح كثيرة.
فيه تتسع دائرة الرزق .. وينتفع المسلمون بما يخرج منه من طعام وغيره ..
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2320) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1553).
ومن زكاة تفرق على المساكين.
والله عز وجل يحب من عباده أن يتوسعوا في العمران، وينتشروا في الأرض، ويُحيوا مواتها، ويستثمروا خيراتها، وينتفعوا ببركاتها، وبذلك تكثر ثرواتهم، ويستغنوا عما سواهم، وتسهل عليهم مواساة فقرائهم، والإنفاق على أعمال البر.
قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10)} [الجمعة:10].
- ما يصح إحياؤه:
يباح إحياء كل موات ليس لأحد قليلاً كان أو كثيراً، ويباح إحياء موات الحرم المكي، كما يملك عامره بالبيع وغيره، لكن لا يجوز إحياء مشاعر الحج منى ومزدلفة وعرفات؛ لأنها مشاعر كالمساجد لا يجوز تملكها.
- حكم إحياء الموات:
يجوز إحياء الأرض الميتة التي ليست لأحد، ولا ينتفع بها أحد.
فمن أحيا أرضاً ميتة ليست لأحد فهي له، سواء كان مسلماً أو ذمياً، وسواء كان بإذن الإمام أو عدمه، وسواء كانت في دار الإسلام أو غيرها، وسواء كانت كبيرة أو صغيرة، ما لم تتعلق بمصالح المسلمين كمكان الرعي والاحتطاب، والمقبرة ونحو ذلك فلا تملك بالإحياء.
1 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أعْمَرَ أرْضاً لَيْسَتْ لأحَدٍ فَهُوَ أحَقُّ» . أخرجه البخاري (1).
(1) أخرجه البخاري برقم (2335).
2 -
وَعَنْ جَابرِ بْنِ عَبْدِاللهِ رضي الله عنه عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَحْيَى أَرْضاً مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ» . أخرجه أحمد والترمذي (1).
- شروط إحياء الموات:
يشترط لصحة إحياء الموات ما يلي:
1 -
أن يكون الموات ليس ملكاً لأحد، وليس من اختصاص أحد.
2 -
ألا تكون أرض الموات مرتفقاً لأهل البلد كمرعى، ومحتطب، ومناخ إبل، ومطرح رماد، فلا يجوز إحياؤها.
- كيفية إحياء الأرض الموات:
الإحياء الذي يملك به الإنسان الأرض يختلف بحسب المقصود من الأرض، وبحسب اختلاف أعراف البلدان، فيرجع فيه إلى العرف والمقصود، فإحياء كل شيء بحسبه وعرف بلده.
فإحياء الموات للسكن يكون بتحويط البقعة باللبِن، وسقف بعض الأرض، وإكمال ما يلزم للسكن عادة.
وإحياء الموات مزرعة يكون بتحويط الأرض، وتسويتها، وإيجاد الماء، والغرس ونحو ذلك، ولا يحصل الإحياء بمجرد الحرث والزرع؛ لأنه لا يراد للبقاء بخلاف الغرس، وإحياء الموات المغمور بالماء بكون بحبسه ونزحه، لتكون صالحة للبناء أو الزراعة.
وإحياء الموات المملوء بالحجارة أو الحفر يكون بنقل الحجارة منه، وتسوية الأرض، لتكون صالحة للبناء أو الزراعة.
(1) صحيح/ أخرجه أحمد برقم (14271) ، والترمذي برقم (1379) ، وهذا لفظه.
ومن حفر بئراً، فوصل ماءها فقد أحياها، وله حماها ومرافقها المعتادة إذا كان ما حولها مواتاً .. وهكذا.
ويُرجع في ذلك كله إلى العرف، فما عده الناس إحياءً فإنه تُملك به الأرض الموات، فمن أحياها إحياءً شرعياً ملكها بجميع ما فيها، كبيرة كانت أو صغيرة.
وإن عجز عن إحيائها فللإمام أخذها وإعطاؤها لمن يقدر على إحيائها، واستثمار منافعها.
- حكم استئذان الإمام في الإحياء:
يجوز تملُّك الأرض الموات بالإحياء وإن لم يأذن فيه الإمام؛ لأن إحياء الأرض مباح كالصيد والكلأ والماء، فلا يشترط فيه إذن الإمام، لكن إن كثر النهب وخُشي الفساد والنزاع فللإمام تنظيمه بما يحقق المصلحة، ويدفع المفسدة، فلا ضرر ولا ضرار.
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أعْمَرَ أرْضاً لَيْسَتْ لأحَدٍ فَهُوَ أحَقُّ» . أخرجه البخاري (1).
- حكم من أحيا أرض غيره دون علمه:
إذا أحيا الإنسان أرضاً فبان أنها مملوكة لأحد خُيِّر مالكها، فإما أن يسترد ممن أحياها أرضه، بعد أن يؤدي إليه أجرة عمله، وإما أن يحيل إليه حق الملكية بعد أخذ ثمنها منه.
(1) أخرجه البخاري برقم (2335).
- حكم تحجير الأرض الموات:
التحجر لا يفيد التملك، وإنما يفيد الاختصاص والأحقية من غيره كأن يحيط الأرض بأحجار، أو شبك، أو خندق، أو بحاجز ترابي، أو بجدار ليس بمنيع .. أو يحفر بئراً ولا يصل إلى الماء .. أو يبني الجدار من جهة دون الجهات الأخرى ونحو ذلك، فهذه التحجرات لا تفيد التملك، وإنما تفيد اختصاصه بها دون غيره؛ لأن الملك بالإحياء، وهذا ليس بإحياء، لكن يصير أحق الناس به، فمن فعل ذلك ضرب له ولي الأمر مدة لإحيائها، فإن أحياها إحياءً شرعياً وإلا نزعها من يده، وسلمها لمتشوِّف لإحيائها.
- حكم ما ينحدر سيله إلى أرض مملوكة:
الأرض الموات التي ينحدر سيلها إلى أرض مملوكة هي تبع لها على وجه الاختصاص، لا يسوغ إحياؤها ولا إقطاعها لغير أهل الأرض المملوكة إلا بإذنهم؛ رعاية للمصلحة، ودفعاً للضرر.
- ما لا يصح إحياؤه:
يشترط لصحة إحياء الموات أن تكون الأرض مواتاً، لم يجر عليها ملك معصوم، ومنفكة عن الاختصاصات.
فلا يصح إحياء الأرض المملوكة .. ولا الأرض المختصة بتحجير .. ولا مصالح ومرافق المكان العامر المجاور .. ولا ما يتعلق بمصالح البلد من طرق وشوارع، وحدائق ومقابر، ومسايل المياه ونحو ذلك.
فلا يصح إحياء ذلك كله، قَلَّ أو كثر؛ لفقده شرط الإحياء.
- ما لا يصح الاختصاص به:
الماء والكلأ والنار من الأشياء الضرورية للناس، فيجب أن تبقى مشاعة مباحة مبذولة لعامة المنتفعين منها، ولا يجوز لأحد أن يختص بها، ويَمنع منها المحتاج إليها.
1 -
الماء: فلا يصح تملك ماء السماء، وماء العيون، وماء الأنهار، ولا يجوز ولا يصح بيعه؛ لأن الناس شركاء فيه.
فإذا حازه الإنسان في بِرْكته، أو قِرْبته، أو في خزان، أو إناء، فيجوز بيعه.
2 -
الكلأ: وهو الحشيش، سواء كان رطباً أو يابساً، وهو نبات البر، وعلف البهائم، فلا يصح بيعه، ولا يجوز منع الناس منه؛ لأن الناس شركاء فيه.
فإذا جمعه وحصده تملَّكه، وجاز بيعه.
3 -
النار: وهي من الأشياء المشاعة بين الناس، فلا يجوز بيعها، وإنما يجب بذلها لمحتاجها، سواء في ذلك وقودها كالحطب، أو جذوتها كالقَبَس.
فهذه الثلاثة من المرافق العامة التي يجب بذلها، ويحرم منعها؛ لأن الله أشاعها بين خلقه، والضرورة تدعو إليها.
- حكم التعدي على حق الغير:
يحرم على الإنسان الاعتداء على حق غيره بأي وجه.
1 -
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ مِنَ الأَرْضِ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أرَضِينَ» . متفق عليه (1).
2 -
وَعَنْ عَبداللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أخَذَ مِنَ
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2453) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1612).
الأَرْضِ شَيْئاً بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أرَضِينَ». أخرجه البخاري (1).
- حكم الإقطاع:
الإقطاع: هو إعطاء الإمام أرضاً مواتاً لمن يراه أهلاً لذلك.
والإقطاع ثلاثة أقسام:
1 -
إقطاع يُقصد به تمليك الشخص أرضاً، أو عيناً، أو معدناً.
2 -
إقطاع استغلال بأن يُقطِع الإمام من يرى في إقطاعه مصلحة لمدة معلومة.
3 -
إقطاع إرفاق، كأن يُقطِع الإمام الباعة الجلوس في الطرق الواسعة، والأسواق المزدحمة بأهل البيع والشراء.
فكل هذه الأقسام جائزة، ولا يُقطِع الإمام كل فرد إلا الشيء الذي يقدر على إحيائه؛ لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقاً على الناس في حق مشترك بينهم، ولا يُقطِع ما تعلقت به مصالح المسلمين كالملح، والنهر ونحوهما.
1 -
عَنْ وَائِلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَهُ أَرْضاً بحَضْرَمُوتَ. أخرجه أبو داود والترمذي (2).
2 -
وَعَنْ أسْمَاءَ بِنْتِ أبِي بَكْرٍ رضي الله عنها قالتْ: كُنْتُ أنْقُلُ النَّوَى مِنْ أرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أقْطَعَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ. وَقال أبُو ضَمْرَةَ: عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أبِيهِ: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أقْطَعَ الزُّبَيْرَ أرْضاً مِنْ أمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ. متفق عليه (3).
(1) أخرجه البخاري (2454).
(2)
صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (3058) ، وهذا لفظه، وأخرجه الترمذي برقم (1381).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3151) ، واللفظ له، ومسلم برقم (2182).
- حكم الحِمَى:
الحمى: أن يحمي الإمام مكاناً خاصاً لمصلحة المسلمين.
كأن يحمي مرعىً لخيل المجاهدين، وإبل الصدقة، والماشية الضعيفة، ومكان الملح، ويجوز للإمام حمى ما فيه مصلحة المسلمين، ولا يجوز الحمى لأحد سواه، ولا حمى الإمام لنفسه.
وما حماه النبي صلى الله عليه وسلم فليس لأحد نقضه، ولا تغييره، ومن أحيا منه شيئاً لم يملكه، وما حماه غيره من الأئمة لمصلحة المسلمين فلا يجوز نقضه إلا إذا زالت الحاجة إليه.
1 -
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)} [الأحزاب:36].
2 -
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لا حِمَى إِلا للهِ وَلِرَسُولِهِ» . وَقال: بَلَغَنَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقِيعَ، وَأنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ. أخرجه البخاري (1).
- حكم الحريم:
الحريم: هو ما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع بالمعمور من الأرض. وهو كل ما يحتاج إليه لمصلحة العامر من المرافق.
كحريم البئر، وفناء الدار، والطريق، ومسيل الماء، والمحتطب، والمرعى، ومطرح الرماد ونحو ذلك من المرافق.
ومقدار الحريم: يكون بحسب العرف والحاجة، وذلك يختلف باختلاف
(1) أخرجه البخاري برقم (2370).
العين المملوكة من أرض، أو بئر، أو شجر، أو نهر أو سوق ونحو ذلك.
- حكم إحياء الحريم:
لا يجوز إحياء حريم الأرض العامرة قبل الإحياء؛ لأنه تابع للعامر فلا يُملك، وكل مملوك لا يجوز إحياء ما تعلق بمصالحه، ولصاحب العامر أن يمنع غيره من إحياء حريم ملكه، فإن كانت الأرض المملوكة محاطة من جميع الجوانب بأملاك وطرق فهذه ليس لها حريم، بل كلٌّ يتصرف بملكه فقط.
وإن كان ما حول ملكه موات فله إحياء حريم أرضه، وهو أحق به من غيره؛ لتعلق مصالح أرضه به.
- حق الارتفاق:
حق الارتفاق: هو حق عيني في عقار لمنفعة عقار آخر لغيره كإجراء الماء مع أرض الجار، أو المرور في أرض الغير ونحو ذلك، ويجب ألا يؤدي استعمال حق الارتفاق إلى الإضرار بالغير، فلا يجوز للمار بأرض غيره إلحاق الأذى به.
وحقوق الارتفاق نوعان:
1 -
الأملاك العامة كالأنهار، والطرق، والجسور ونحوها مما لا يختص به أحد، فحق الارتفاق ثابت للناس جميعاً.
2 -
الأملاك الخاصة بفرد لا يثبت حق الارتفاق عليها إلا بإذن المالك.
- أنواع حقوق الارتفاق:
حقوق الارتفاق تختلف بحسب حاجات الناس، وأشهرها:
حق الشرب، حق الطريق، حق المسيل، حق التعلي، حق الجوار، حق المجرى، فهذه الأشياء يثبت لكل أحد حق الارتفاق بها كل بحسبه.
ويجب على الإمام الإنفاق على المرافق العامة من خزانة الدولة، تحقيقاً لمصلحة الناس، ودفعاً للضرر عنهم.
فإن لم يكن في بيت المال ما يُصلح به ما فسد منها أجبر الإمام الناس على إصلاحها؛ دفعاً للضرر، على القادرين النفقة، وعلى غير القادرين العمل بأنفسهم، ونفقتهم على الأغنياء.
وتجب نفقات إصلاح المسيل والمجرى على المنتفع به إذا كان في ملكه أو ملك غيره، فإن كان في أرض عامة فإصلاحه من بيت المال.
والمجرى مكان جلب الماء الصالح، والمسيل مكان تصريف الماء غير الصالح.
- مقدار الطريق عند الاختلاف:
تختلف سعة الطرق بحسب الحاجة إليها، ومن يمر بها من الناس، والسيارات، والبهائم، وإذا اختلف الناس في الطريق فأقله سبعة أذرع.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الطَّرِيقِ بِسَبْعَةِ أذْرُعٍ. متفق عليه (1).
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2473) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1613).