الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
23 - الصلح
- الصلح: هو عقد يحصل به قطع النزاع بين المتخاصمين.
- حكمة مشروعية الصلح:
شرع الله الصلح ورغَّب فيه للحفاظ على المودة والإلفة بين المسلمين، والتوفيق بين المتخاصمين، وإزالة الشقاق بينهما، ونبذ الفرقة، واستئصال أسبابها المؤدية إليها.
وبذلك تصفو النفوس، وتزول الأحقاد، وتجتمع القلوب.
- فضل الإصلاح بين الناس:
الإصلاح بين الناس من أجلِّ القربات، وأعظم الطاعات، إذا قام به المسلم ابتغاء مرضاة الله تعالى.
1 -
قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114].
2 -
وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاس عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ النَّاسِ صَدَقَةٌ» . متفق عليه (1).
- حكم الصلح:
الإصلاح بين الناس مستحب، بل هو من أعظم القربات؛ لما فيه من
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2707) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1009).
المحافظة على المودة والمحبة، وقطع النزاع والشقاق.
والصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً، فهو باطل ومحرم.
1 -
قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)} [النساء:128].
2 -
وَعَنْ أمِّ كُلثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ رضي الله عنها أنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْراً أوْ يَقُولُ خَيْراً» . متفق عليه (1).
3 -
وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الصُّلحُ جَائِزٌ بَيْنَ المُسْلِمِينَ» زَادَ أَحْمَدُ: «إِلَاّ صُلحاً أَحَلَّ حَرَاماً أَوْ حَرَّمَ حَلَالاً» . وَزَادَ سُلَيْمَانُ ابْنُ دَاوُدَ، وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«المُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ» . أخرجه أبو داود (2).
4 -
وَعَنْ أَبي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبرُكُمْ بأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «صَلَاحُ ذاتِ البَيْنِ فَإِنَّ فَسَادَ ذاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ» . أخرجه أبو داود والترمذي (3).
- جهات الصلح:
الصلح مشروع بين المسلمين .. وبين المسلمين والكفار .. وبين أهل العدل والبغي .. وبين الزوجين عند الشقاق والعضل .. وبين الجيران .. وبين
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2692) ، واللفظ له، ومسلم برقم (2605).
(2)
حسن/ أخرجه أبو داود برقم (3594).
(3)
صحيح/ أخرجه أبو داود برقم (4919) ، والترمذي برقم (2509) ، وهذا لفظه.
الأقارب .. وبين الأصدقاء .. وبين المتخاصمين في المال .. وبين المتخاصمين في غير مال.
قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء:114].
- الصلح الجائز:
الصلح الجائز هو ما وافق الشرع، وهو كل صلح لم يحل حراماً، ولم يحرم حلالاً، ولم يكن فيه جور على أحد، وهو العادل الذي أمر الله ورسوله به، ويُقصد به رضا الله تعالى.
- شروط الصلح الجائز:
يشترط لصحة الصلح ما يلي:
1 -
أهلية المتصالحين، بأن تصح منهما التصرفات الشرعية.
2 -
ألا يشتمل الصلح على تحريم حلال، أو تحليل حرام.
3 -
ألا يكون أحد المتصالحين كاذباً في دعواه.
4 -
أن يكون المصلح تقياً، عالماً بالوقائع، عارفاً بالواجب، قاصداً العدل.
5 -
أن يكون الصلح على مال متقوَّم معلوم، أو منفعة مباحة معلومة.
6 -
أن يكون الصلح في حقوق العباد لا في حق الله.
فيصح الصلح في الحقوق المالية، ولا يصح في العبادات والحدود؛ لأن حقوق العباد يجوز الاعتياض عنها بمال أو غيره بخلاف حقوق الله.
- أقسام الصلح:
ينقسم الصلح إلى قسمين:
صلح على مال .. وصلح على غير مال.
فالصلح على غير المال: أن يتم الصلح بين المختلفين بلا عوض.
والصلح على المال ينقسم إلى قسمين:
الأول: الصلح على إقرار، وهو نوعان:
1 -
الصلح على جنس الحق، بأن يقر الإنسان لخصمه بدين أو عين فيُسقط عنه بعضه، فيصح ذلك؛ لأنه ملكه، وقد أسقط بعضه برضاه.
2 -
الصلح عن الحق بغير جنسه، بأن يقر لخصمه بمال، أو دار، أو بستان، ثم يصطلحان على عوض ببيع أو إجارة ونحوهما، فيصح ذلك.
الثاني: صلح على إنكار:
بأن يكون للمدعي حق لا يعلمه المدعى عليه فينكره، فإذا اصطلحا على شيء صح الصلح، ومن كذب لم يصح الصلح في حقه باطناً، وما أخذه حرام.
وهذا الصلح يكون في حق المدعي معاوضة عن حقه، وفي حق المدعى عليه افتداء ليمينه، وقطعاً للنزاع والخصومة عن نفسه.
- حكم الصلح عن الدَّين المؤجل ببعضه حالاًّ:
من كان له على غيره دين أو عين لا يعلم مقداره، ثم تصالحا على شيء صح الصلح، ومن كان له على غيره دين حال، فوضع بعضه، وأجّل باقيه، صح الإسقاط والتأجيل، وإن صالح عن الدين المؤجل ببعضه حالاًّ صح.
عَنْ كَعْبٍ رضي الله عنه أنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أبِي حَدْرَدٍ دَيْناً كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي المَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إلَيْهِمَا، حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى:«يَا كَعْبُ» . قال: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قال:«ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا» . وَأوْمَأ إلَيْهِ: أيِ الشَّطْرَ، قال: لَقَدْ فَعَلتُ يَا رَسُولَ اللهِ، قال:«قُمْ فَاقْضِهِ» . متفق عليه (1).
- ما يبطل به الصلح:
يبطل الصلح بما يلي:
الإقالة في غير القصاص .. الرد بخيار العيب أو الرؤية .. وإذا بطل الصلح رجع المدعي إلى أصل دعواه.
- حكم الإبراء:
الإبراء: إسقاط شخص حقاً له في ذمة غيره أو هبته له.
والإبراء مستحب، وهو نوع من الإحسان والبر، لتضمنه إسقاط الحق عن المدين ولو لم يكن معسراً.
قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280)} [البقرة:280].
- شروط الإبراء:
يشترط لصحة الإبراء ما يلي:
أن يكون المبرئ من أهل التبرع .. وأن يكون مالكاً للحق المبرأ منه، أو وكيلاً عنه، أو وصياً .. وأن يتم الإبراء عن رضا .. وأن يكون المبرأ معلوماً
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (457) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1558).
معيناً .. وأن يكون الإبراء بعد وجوب الحق المبرأ منه.
- حكم المقاصة:
المقاصة: سقوط أحد الدينين بمثله جنساً وصفة.
كأن يكون لعلي ألف عند محمد، ولمحمد عند علي ألف، فيتلاقى الدينان قصاصاً، ويسقط حق أحدهما في مطالبة الآخر.
وتجوز المقاصة بين دين ودين، وبين دين وعين .. وبين نقد ونقد.
- حكم الإكراه:
الإكراه: هو حمل الغير على فعل ما لا يرضاه، ولا يختار مباشرته لو تُرك ونفسه.
- شروط الإكراه:
يشترط لتحقق الإكراه ما يلي:
أن يكون الإكراه بغير حق .. قدرة المُكرِه على تنفيذ ما هَدَّد به .. عجز المستكره عن دفع الإكراه بهرب أو غيره .. أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه .. أن يكون التهديد مما يستضر به كثيراً كالقتل، والحبس الطويل، وإتلاف المال .. أن يترتب على فعل المُكرَه به الخلاص من المهدَّد به.
- أنواع الإكراه:
الإكراه على فعلٍ أو تركٍ إما أن يكون على الأمور الحسية، أو على الأمور الشرعية:
1 -
الإكراه على الأمور الحسية له ثلاثة أحوال:
1 -
فعل مباح: فمن أُكره على أكل الميتة أو الدم، أو شرب الخمر، وخُوِّف بالقتل أو قطع العضو ونحو ذلك، فيباح له فعل ذلك؛ لأن الله أباحها عند الضرورة، ولا إثم ولا حد على من فعل ذلك.
قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:119].
2 -
فعل مرخَّص: كإجراء كلمة الكفر على اللسان، مع اطمئنان القلب بالإيمان، وكَسَبّ النبي صلى الله عليه وسلم، أو الصلاة إلى الصليب، أو إتلاف مال المسلم ونحو ذلك فهو مسلم مضطر للنجاة من القتل، فهذه الأمور لا تباح، وإنما يرخص في فعلها عند الإكراه التام، ومن امتنع عن فعلها حتى قُتل فهو شهيد.
قال الله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} [النحل:106].
3 -
فعل محرم: كمن أُكره على قتل مسلم بغير حق، أو قطع عضو من أعضائه، أو أُكره على الزنا، أو ضرب الوالدين، فلا يجوز فعل ذلك مع الإكراه؛ لأن القتل والاعتداء حرام محض.
ومن أَكره أحداً على القتل فقَتل: فإن كان المكرَه كالآلة فالقصاص على المكرِه وحده، وإلا فعليهما معاً؛ لأنهما شريكان في الجريمة.
قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (32) وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا (33)} [الإسراء:32 - 33].
2 -
الإكراه على التصرفات الشرعية، وهو نوعان:
1 -
نوع لا يحتمل الفسخ كالإكراه على النكاح، أو الطلاق، أو الظهار، أو العفو عن القصاص ونحو ذلك.
2 -
نوع يحتمل الفسخ كالإكراه على البيع، أو الشراء، أو الإجارة ونحوها من العقود المالية.
فجميع هذه التصرفات مع الإكراه باطلة غير صحيحة، سواء كانت إنشاءً، أو إقراراً؛ لأن المستكره مسلوب الإرادة، ولا نية له ولا قصد فيما فعل.