المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌4 - كتاب الزكاة

- ‌1 - الزكاة المفروضة

- ‌1 - الأموال التي تجب فيها الزكاة

- ‌1 - زكاة الذهب والفضة

- ‌2 - زكاة الأوراق النقدية

- ‌3 - زكاة عروض التجارة

- ‌4 - زكاة بهيمة الأنعام

- ‌5 - زكاة الحبوب والثمار

- ‌6 - زكاة الركاز

- ‌7 - زكاة المعادن

- ‌2 - إخراج الزكاة

- ‌3 - آداب إخراج الزكاة

- ‌4 - أهل الزكاة

- ‌2 - زكاة الفطر

- ‌3 - صدقة التطوع

- ‌5 - كتاب الصيام

- ‌1 - فقه الصيام

- ‌2 - حكم الصيام

- ‌3 - فضائل الصيام

- ‌4 - أقسام الصيام

- ‌5 - أحكام الصيام

- ‌6 - سنن الصيام

- ‌7 - ما يجب على الصائم

- ‌8 - ما يحرم على الصائم

- ‌9 - ما يكره للصائم

- ‌10 - ما يجوز للصائم

- ‌11 - أقسام المفطرات

- ‌12 - قضاء الصيام

- ‌13 - صيام التطوع

- ‌14 - الاعتكاف

- ‌6 - كتاب الحج والعمرة

- ‌1 - شعائر الحج والعمرة

- ‌2 - حكم الحج والعمرة

- ‌1 - الحج

- ‌2 - العمرة

- ‌3 - شروط الحج والعمرة

- ‌4 - أركان الحج والعمرة

- ‌5 - واجبات الحج والعمرة

- ‌6 - سنن الحج والعمرة

- ‌7 - مواقيت الحج والعمرة

- ‌8 - باب الإحرام

- ‌9 - باب الفدية

- ‌10 - باب الهدي

- ‌11 - صفة العمرة

- ‌12 - صفة الحج

- ‌13 - صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌14 - أحكام الحج والعمرة

- ‌15 - زيارة المسجد النبوي

- ‌الباب الحادي عشركتاب المعاملات

- ‌1 - كتاب البيع

- ‌مفاتيح الرزق الحلال

- ‌أركان البيع

- ‌شروط البيع

- ‌البيوع المباحة

- ‌البيوع المنهي عنها

- ‌1 - البيوع الممنوعة بسبب العاقد

- ‌2 - البيوع الممنوعة بسبب صيغة العقد

- ‌3 - البيوع الممنوعة بسبب المعقود عليه

- ‌1 - البيوع المحرمة بسبب الغرر والجهالة

- ‌2 - البيوع المحرمة بسبب الربا

- ‌3 - البيوع المحرمة بسبب الضرر والخداع

- ‌4 - البيوع المحرمة لذاتها

- ‌5 - البيوع المحرمة لغيرها

- ‌4 - البيوع الممنوعة بسبب وصف أو شرط أو نهي شرعي

- ‌أحكام البيع

- ‌2 - الخيار

- ‌3 - السَّلَم

- ‌4 - الربا

- ‌5 - القرض

- ‌6 - الرهن

- ‌7 - الضمان

- ‌8 - الكفالة

- ‌9 - الحوالة

- ‌10 - الوكالة

- ‌11 - الإجارة

- ‌12 - الجعالة

- ‌13 - الوديعة

- ‌14 - العارية

- ‌15 - الشركة

- ‌الشركات المعاصرة

- ‌16 - الشفعة

- ‌17 - المساقاة والمزارعة

- ‌18 - إحياء الموات

- ‌19 - المسابقة

- ‌20 - اللقطة

- ‌21 - الغصب

- ‌22 - الحَجْر

- ‌23 - الصلح

- ‌24 - القسمة

- ‌25 - الهبة

- ‌26 - الوصية

- ‌27 - الوقف

- ‌28 - العتق

الفصل: ‌27 - الوقف

‌27 - الوقف

- الوقف: هو حبس أصل المال، وتسبيل منافعه، طلباً للثواب من الله عز وجل.

- حكمة مشروعية الوقف:

يرغب من وسَّع الله عليهم من أهل الغنى واليسار أن يتزودوا من الطاعات، ويُكثروا من القربات، وذلك بوقف شيء من أموالهم العينية مما يبقى أصله، وتستمر منفعته، خشية أن يؤول بعد الموت إلى من لا يحفظه ولا يصونه.

لذا شرع الله الوقف لما فيه من مصالح الدين والدنيا والآخرة، فالعبد يعظم أجره بتوقيف ماله ابتغاء وجه الله، والموقوف عليه ينتفع بذلك المال، ويدعو لصاحب الوقف.

- حكم الوقف:

الوقف مستحب؛ لما فيه من بر الأحباب، ومواساة الفقراء في الدنيا، وتحصيل الثواب في الآخرة.

والوقف الشرعي الصحيح هو ما كان على جهة بر من قريب، أو فقير، أو جهة خيرية نافعة، فهو صدقة جارية دائمة.

وهو من أفضل الصدقات التي حث الله عليها، ورغَّب فيها رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صدقة دائمة ثابتة في وجوه البر والإحسان.

وهو من أجلِّ وأعظم أعمال القُرب التي لا تنقطع بعد الموت.

1 -

قال الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)} [آل عمران: 92].

ص: 684

2 -

وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلاّ مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» . أخرجه مسلم (1).

3 -

وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أرْضاً، فَأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أصَبْتُ أرْضًا، لَمْ أصِبْ مالاً قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ «إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا». فَتَصَدَّقَ عُمَرُ: أنَّهُ لا يُبَاعُ أصْلُهَا، وَلا يُوهَبُ، وَلا يُورَثُ، فِي الفُقَرَاءِ، وَالقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. متفق عليه (2).

- أركان الوقف:

أركان الوقف أربعة:

الواقف .. والموقوف .. والموقوف عليه .. والصيغة: وهي إيجاب الواقف على نفسه الوقف بالقول أو الفعل حسب العرف.

- أقسام الوقف:

الوقف قسمان:

الأول: وقف على المصالح الدينية.

كأن يوقف الإنسان مسجداً، أو مدرسة لطلاب العلم، أو داراً للضعفاء والفقراء والأيتام والأرامل ونحو ذلك.

(1) أخرجه مسلم برقم (1631).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2772) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1632).

ص: 685

الثاني: وقف على المصالح الدنيوية.

كأن يبني داراً ويجعلها وقفاً على ورثته، أو يوقف مزرعة ويجعل غَلَّتها لهم.

فهذا وذاك كلاهما صدقة جارية باقية للعبد بعد وفاته.

- شروط الوقف:

يشترط لصحة الوقف ما يلي:

1 -

أن يكون الواقف أهلاً للتبرع، مالكاً لما سيقفه.

2 -

أن يكون الموقوف مالاً متقوَّماً، معلوماً، مملوكاً للواقف.

3 -

أن يكون الوقف عيناً معلومة يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها.

4 -

أن يكون الوقف على بر كالمساجد، والقناطر، والأقارب، والفقراء.

5 -

أن يكون الوقف على معين من جهة كمسجد كذا، أو صنف كالفقراء، أو شخص كزيد مثلا.

6 -

أن يكون الوقف مؤبداً غير مؤقت، منجّزاً غير معلق، إلا إذا علقه بموته فيصح ويكون وصية.

- ما ينعقد به الوقف:

ينعقد الوقف ويصح بأحد أمرين:

1 -

القول: كأن يقول: وقّفت، أو حبّست، أو سبّلت ونحو ذلك.

2 -

الفعل: كأن يبني مسجداً ويأذن للناس بالصلاة فيه، أو يسوِّر مقبرة ويأذن للناس بالدفن فيها، أو يقيم مدرسة ويأذن للناس بالدراسة فيها، أو يحفر بئراً ويأذن للناس بالشرب منها.

ص: 686

- أنواع الوقف:

الوقف إما أن يكون على شخص كزيد مثلاً .. أو يكون على جهة خيرية كمسجد أو مدرسة أو مستشفى أو بئر ماء ونحو ذلك .. أو يكون على صنف معين كالفقراء، أو المعلمين، أو طلبة العلم ونحو ذلك.

- ما يصح وقفه:

يجوز وقف كل ما جاز بيعه وجاز الانتفاع به مع بقاء عينه من عقار، ومنقول.

فالعقار كالأرض، والدار، والدكان، والبستان ونحو ذلك.

والمنقول كالحيوان، والسيارة، والسلاح، والدروع، والآلات، والكتب، والحلي، والأثاث ونحو ذلك.

1 -

عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه وَجَدَ مالاً بِخَيْبَرَ، فَأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأخْبَرَهُ، قَالَ:«إِنْ شِئْتَ تَصَدَّقْتَ بِهَا» . فَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الفُقَرَاءِ وَالمَسَاكِينِ، وَذِي القُرْبَى، وَالضَّيْفِ. متفق عليه (1).

2 -

وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّدَقَةِ، فَقِيلَ: مَنَعَ ابْنُ جَمِيلٍ، وَخَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ: فَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إِلا أنَّهُ كَانَ فَقِيراً فَأغْنَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَأمَّا خَالِدٌ: فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِداً، قَدِ احْتَبَسَ أدْرَاعَهُ وَأعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأمَّا العَبَّاسُ بْنُ عَبْدِالمُطَّلِبِ: فَعَمُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَهِيَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَمِثْلُهَا مَعَهَا» . متفق عليه (2).

- مقدار الوقف:

ليس للوقف مقدار محدد، لكن الوقف يختلف باختلاف أحوال الناس في

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2773) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1632).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1468) ، واللفظ له، ومسلم برقم (983).

ص: 687

الغنى والسعة، فمن كان غنياً لا وارث له، فله أن يوقف جميع ماله، ومن كان غنياً وله ورثة فله أن يوقف بعض المال، ويترك الباقي للورثة.

- مدة الوقف:

الوقف مطلق مؤبد لله عز وجل.

فمن أوقف أرضاً أو داراً أو مزرعة لله عز وجل فقد خرجت عن ملكه وتصرفه إلى ملك الله عز وجل، فلا تباع، ولا توهب، ولا تورث، ولا تسترد، وليس للورثة أن يبيعوها؛ لأنها خرجت عن ملكية المورِّث.

- ثبوت الوقف:

إذا نطق الإنسان بصيغة الوقف، أو فعل الواقف ما يدل على الوقف، فقد لزم الوقف، ولا يحتاج ثبوت الوقف إلى قبول الموقوف عليه، ولا يحتاج كذلك إلى إذن الحاكم، وإذا ثبت الوقف فإنه لا يجوز التصرف فيه بما يزيل وقْفِيَّته.

- اختيار الوقف:

الله تبارك وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فإذا أراد المسلم أن يوقف شيئاً طلباً لمرضاة الله عز وجل، فيحسن به أن يختار أحسن أمواله، وأنفسها عنده، وأحبها إليه، وذلك من تمام البر والإحسان.

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ أبُو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأَنْصار بِالمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ، وَكَانَ أحَبُّ أمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قال أنَسٌ: فَلَمَّا

أُنْزِلَتْ هَذِهِ الايَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . قَامَ أبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقال: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ اللهَ تبارك وتعالى يَقُولُ:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} . وَإِنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ للهِ،

ص: 688

أرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ أرَاكَ اللهُ. قال: فَقال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بَخٍ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ، وَإِنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا فِي الأقْرَبِينَ» . فَقال أبُو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَسَمَهَا أبُو طَلْحَةَ فِي أقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ. متفق عليه (1).

- أفضل الأوقاف:

أفضل الأوقاف وأحبها إلى الله عز وجل هو كل ما عمّ نفعه لعموم الناس في كل زمان ومكان، كوقف الماء، وبناء المساجد، ودور العلم، وعلى المجاهدين في سبيل الله، وطلبة العلم، والأقارب، والفقراء، والبساتين التي يطعم منها الفقراء والمساكين.

وأفضل الأوقاف ما فيه إحياء النفوس والقلوب، وذلك يختلف باختلاف الأزمنة، والأمكنة، والأموال، والأحوال، والأشخاص.

فإذا كان الإنسان في بلد يموت فيه الناس من الجوع والعطش فالأفضل الوقف على إنقاذ الأنفس من الموت والجوع والعطش، والصدقة على القريب الفقير أفضل؛ لأنها صدقة وصلة.

وإذا كان الإنسان في بلد فيه الأرزاق متيسرة، والناس محتاجون إلى العلم، فبناء المساجد ودور العلم أفضل وأعظم ثواباً .. وهكذا.

- أنواع الأوقاف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:

1 -

عَنْ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ:«يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا» . قَالُوا: لا وَاللهِ، لا

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1461) ، واللفظ له، ومسلم برقم (998).

ص: 689

نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلا إِلَى اللهِ. متفق عليه (1).

2 -

وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أرْضاً، فَأتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أصَبْتُ أرْضاً، لَمْ أصِبْ مالاً قَطُّ أنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ:«إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا» . فَتَصَدَّقَ عُمَرُ: أنَّهُ لا يُبَاعُ أصْلُهَا، وَلا يُوهَبُ، وَلا يُورَثُ، فِي الفُقَرَاءِ، وَالقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللهِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، لا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالمَعْرُوفِ، أوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. متفق عليه (2).

3 -

وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنه تُوُفِّيَتْ أمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ أمِّي تُوُفِّيَتْ وَأنَا غَائِبٌ عَنْهَا، أيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ:«نَعَمْ» . قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أنَّ حَائِطِيَ المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا. أخرجه البخاري (3).

4 -

وَعَنْ أبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ أنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه حِينَ حُوصِرَ، أشْرَفَ عَلَيْهِمْ، وَقَالَ: أنْشُدُكُمُ اللهَ، وَلا أنْشُدُ إِلا أصْحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«مَنْ حَفَرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ» . فَحَفَرْتُهَا، ألَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنَّهُ قَالَ:«مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ العُسْرَةِ فَلَهُ الجَنَّةُ» . فَجَهَّزْتُهُ، قَالَ: فَصَدَّقُوهُ بِمَا قَالَ.

أخرجه البخاري (4).

5 -

وَعَنْ عُمَر بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ، فَأرَدْتُ أنْ أشْتَرِيَهُ، وَظَنَنْتُ أنَّهُ يَبِيعُهُ بِرُخْصٍ،

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2774) ، واللفظ له، ومسلم برقم (524).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (2772) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1632).

(3)

أخرجه البخاري برقم (2756).

(4)

أخرجه البخاري برقم (2778).

ص: 690

فَسَألْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: «لا تَشْتَرِه، وَلا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ، وَإِنْ أعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ، فَإِنَّ العَائِدَ فِي صَدَقَتهِ كَالعَائِدِ فِي قَيْئِهِ» . متفق عليه (1).

- صفة قسمة ريع الوقف:

1 -

إذا وقف الإنسان على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم، فإن لم يمكن جاز التفضيل والاقتصار على أحوجهم.

2 -

إذا وقف على أولاده ثم على المساكين، فهو لأولاده الذكور والإناث وإن نزلوا للذكر مثل حظ الأنثيين.

وإن كان لبعضهم عيال، أو به مرض، أو كان محتاجاً أو عاجزاً عن الكسب فخصه بشيء من الوقف فحسن.

3 -

إذا قال هذا الوقف وقف على أبنائي أو بني فلان فهو للذكور دون الإناث إلا أن يكون على قبيلة كبني هاشم فيدخل النساء مع الرجال.

4 -

يجب العمل بشرط الواقف في الجمع والتقديم والترتيب ما لم يخالف الشرع، فإن أطلق ولم يشترط عمل بالعادة والعرف ما لم يخالف الشرع.

- أحكام الوقف:

1 -

يصح الوقف على كل بر، على الغني والفقير، والقريب والبعيد، والجهات

والأفراد.

2 -

يجوز الوقف على أكثر من جهة كالفقراء، والعلماء، والأغنياء ونحو ذلك.

3 -

لا يصح وقف ما يَتْلف بالانتفاع به كالنقود، والطعام، والشراب، ولا ما لا يجوز بيعه كالمرهون، والمغصوب.

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (1490) ، واللفظ له، ومسلم برقم (1620).

ص: 691

4 -

يصح وقف المعيَّن والمشاع.

5 -

إذا وقف شيئاً ولم يبين المصرف فيُصرف في أفضل جهات البر والإحسان المتعدي نفعها كبناء المساجد، وحفر الآبار، والفقراء، وطلبة العلم وغيرها.

6 -

ما فَضُل من رَيْع الوقف يُصرف في مثله كمسجد، أو مدرسة، أو مستشفى ونحو ذلك.

7 -

إذا وقف على ما فيه معصية صح الوقف، لكن يصرفه القاضي إلى أقرب السبل خيراً من جهات البر والإحسان، كما لو وقف داراً لبناء كنيسة، أو مصنع خمر ونحو ذلك فتُصرف لبناء مسجد، أو سقي الماء ونحو ذلك.

8 -

الوقف أصل ثابت يجوز دفعه إلى آخرَ يقوم بتعميره من ماله بنسبة معينة من ريعه.

- حكم بيع الوقف:

الوقف مال أخرجه الإنسان عن ملكيته لله عز وجل، فلا يجوز التصرف فيه ببيع أو هبة ونحوهما؛ لأن البيع يفتقر إلى ملكية، والوقف لا مالك له، والقاضي له ولاية مبنية على الولاية العامة للحاكم ببيع ما لا مالك له.

فإذا خرب الوقف، وتعطلت منافعه جاز بيعه واستبداله بمثله أو أفضل منه، كدار انهدمت، أو أرض خربت، أو مسجد انصرف أهل القرية عنه، أو ضاق

بأهله ولم يمكن توسيعه ونحو ذلك من الأسباب التي تُنقِص أو تَمنع الانتفاع به.

- حكم تغيير صورة الوقف:

الوقف ينفَّذ حسب أمر الواقف، ولا يجوز تبديل صورة الوقف سواء كان

ص: 692

أرضاً، أو مزرعة، أو مسجداً، أو داراً، إلا إذا تعطلت منافعه فيُصرف في مثله.

وتجوز مخالفة نص الواقف بنظر القاضي إلى ما هو أصلح وأنفع وأحب إلى الله تعالى.

ويجوز إبدال الموقوف بخير منه في حالتين:

إحداهما: أن يكون الإبدال للحاجة كمسجد رحل الناس عنه، أو دار انهدمت، أو فرس انكسرت، فيباع ويُشترى بثمنه ما يقوم مقامه من مثله.

الثانية: الإبدال لمصلحة راجحة كبستان تعطلت منافعه، وقَرُب منه العمران، يُقَطَّع أراضي، ويبنى عليها مسجد، أو مدرسة، أو مستشفى، أو بيوت لسكن الفقراء والأيتام والأرامل، أو محلات تجارية تبنى وتؤجر، وتؤخذ أجرتها وتصرف في وجوه البر والإحسان ونحو ذلك.

فمع الحاجة يجب إبدال الوقف بمثله، وبلا حاجة يجوز بخير منه؛ لظهور المصلحة، وعموم المنفعة.

- الناظر على الوقف:

يجب على الواقف أن يعين ناظراً على الوقف؛ لئلا يضيع، وإذا لم يعين الواقف ناظراً فالنظر يكون للموقوف عليه إن كان معيناً، ويجوز تعدد النظَّار عند الحاجة.

وإن كان على جهة كالمساجد، والجهات الخيرية، ومن لا يمكن حصرهم كالفقراء، وطلبة العلم، والمجاهدين ونحوهم فالنظر على الوقف يكون للحاكم.

ويشترط في الناظر العدالة والكفاية، فإن لم تتوفر العدالة والكفاية نزع

ص: 693

الحاكم الوقف منه، وأشرف عليه.

- وظيفة الناظر:

مهمة ناظر الوقف محصورة في أمرين:

الأول: المحافظة على الوقف، ورعايته، وصيانته، وتنميته.

الثاني: صرف الوقف في الجهة التي سمى الواقف، ولا يتصرف زيادة على ذلك إلا بإذن القاضي.

- عزل الناظر:

يجوز للواقف عزل الناظر متى شاء .. وللناظر عزل نفسه متى شاء بعلم القاضي.

ويجب على القاضي عزل الناظر إذا كان خائناً غير مأمون، أو كان عاجزاً، أو ظهر به فسق كشرب خمر ونحوه، أو كان يصرف مال الوقف في غير المفيد.

وإذا تم عزل الناظر عيَّن القاضي ناظراً غيره على الوقف، وتكون أجرته من ريع الوقف يقدِّرها القاضي حسب العرف.

- نفقة الوقف:

نفقة الوقف وعمارته وصيانته حيث شَرَطها الواقف إما من ماله، أو من مال الوقف، فإن لم يمكن معرفة ذلك فمن غَلَّة الوقف أو منافعه؛ لأن حفظ أصل

الوقف لا يمكن إلا بالإنفاق عليه من غَلَّته، فإن تعطلت منافع الوقف على جهة فنفقته من بيت المال؛ لأنه من المصالح العامة.

- حكم الوقف على الورثة:

يجب على الإنسان التسوية بين أولاده، للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يجوز

ص: 694

تفضيل بعضهم على بعض بدون سبب ظاهر.

وإذا كان أحد أولاده مريضاً أو عاجزاً فيجوز أن يخصه بما يسد حاجته.

ويحرم على الإنسان أن يقف وقفاً يضارّ به الورثة، فإن فعل فالوقف باطل.

وإذا خاف الرجل على بناته أن تُطَلَّق من بعده، أو ترمل بناته من بعده، فلا حرج عليه أن يوقف عليهن الدور؛ شفقة عليهن، ورحمة بهن؛ لأن الذكر يستطيع أن يتكسب، بخلاف الأنثى، خاصة إذا طُلِّقت ربما لا تجد من يرفق بها، خاصة إذا لم يكن لها أبناء، أو من يقوم عليها.

- حكم وقف الكافر:

الوقف قربة يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل.

ويصح الوقف من الكافر، لكن يثاب على صدقاته في الدنيا، ولا حظ له من الثواب في الآخرة.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسَنَةً، يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ، لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» . أخرجه مسلم (1).

- حكم أوقاف الكفار:

أوقاف الكفار نوعان:

1 -

الوقف على معين، أو جهة يجوز للمسلم الوقف عليها كإطعام الفقراء، وإصلاح الطرق، وحفر الآبار، والمصالح العامة.

(1) أخرجه مسلم برقم (2808).

ص: 695

فهذا الوقف صحيح ينفع صاحبه الكافر في الدنيا لا في الآخرة.

2 -

الوقف على الكنائس والبِيَع ومواطن الشرك ونحوها.

فهذا الوقف لا يصح من مسلم ولا كافر؛ لما فيه من الإعانة على الكفر وتقويته واستمراره.

وللإمام أن يستولي على كل ذلك، ويجعله في القربات التي شرعها الله ورسوله.

- زكاة الوقف:

الوقف له حالتان:

الأولى: أن يكون الوقف على جهة تستحق الزكاة، فهذا لا زكاة فيه.

الثانية: أن يكون الوقف على جهة لا تستحق الزكاة، فهذا بمجرد صرف الأموال لكل واحد من الموقوف عليهم يستقبل به الحول، ثم يزكيه إذا حال عليه الحول، وبلغ النصاب.

وزكاة الزروع والثمار تجب بعد جَنْيه وحصاده: العشر فيما سقي بلا مؤنة، ونصف العشر فيما سقي بمؤنة.

- مبطلات الوقف:

يبطل الوقف بما يلي:

الوقف على كنيسة .. الوقف على معصية .. الوقف على كافر حربي .. الجهل بسبق الوقف على الدين .. موت الواقف قبل تسليم الوقف.

ص: 696