الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدال، وهي أول الجيش، ولم أرهم حكوا فيها خلافا، فكأنه غلب عليها اسم الفاعل، من جهة أنها تقدم الجيش والجيش يتبعها، وهي تشجعه وتستتبعه، وهذا البحث بعينه يأتى في مقدمات الدليل بتجويز الوجهين.
الفصل الأول
في تفسير أصول الفقه
[قال الرَّازي]: اعلم أن المركَّب: لا يُمكن أن يُعلم إلا بعد العلم بمفرداته، لا من كل وجه، بل من الوجه الذي لأجله يصحُّ أن يقع التركيب فيه.
فيجب علينا تعريف الأصلِ والفقه، ثم تعريف أصول الفقه.
أما الأصل: فهو المُحتاج إليه.
وأمَّا الفقه: فهو في أصلِ اللغة عبارة: عن فهم غرض المتكلم من كلامه.
وفي اصطلاح العلماء عبارة: عن العلم بالأحكام الشرعية العملية، المستدل على أعيانها، بحيث لا يُعلم كونها من الدين ضرورة.
فإن قلتَ: الفقه من باب الظنون، فكيف جعلته عِلما.
قلت: المجتهد إذا غلب على ظنه مشاركة صورة لصورة في مناط الحكم، قطع بوجوب العمل بما أدَّى إليه ظنه، فالحكم معلوم قطعا، والظن واقع في طريقه.
وقولنا: ((العِلم بالأحكام)): احتراز عن العلم بالذوات والصفات الحقيقية.
وقولنا: ((الشرعية)): احتراز عن العلم بالأحكام العقلية؛ كالتماثل، والاختلاف والعلم بقبح الظلم، وحسن الصدق عند من يقول بكونهما عقليين.
وقولنا: ((العملية)): احتراز عن العلم بكون الإجماع وخبر الواحد والقياس حُجَّة؛ فإن كل ذلك أحكام شرعية، مع أن العلم بها ليس من الفقه، لأن العلم بها ليس علما بكيفية عمل.
وقولنا: ((المستدل على أعيانها)): احتراز عما للمقلد من العلوم الكثيرة المتعلقة بالأحكام الشرعية العلميّة؛ لأنه إذا علم أن المفتى أفتى بهذا الحكم، وعلم أن ما أفتى به المفتى هو: حكم الله تعالى في حقه، فهذان العلمان يستلزمان العلم بأن حكم الله تعالى في حقه ذلك، مع أن تلك العلوم لا تسمى فقها؛ لمَّا لم يكن مستدلا على أعيانها.
وقولنا: ((بحيث لا يُعلم كونها من الدين ضرورة)): احتراز عن العلم
بوجوب الصلاة والصوم؛ فإن ذلك لا يُسمّى فقها؛ لأن العلم الضروري حاصل بكونهما من دين محمد صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا أصول الفقه، فاعلم أنَّ إضافة اسم المعنى تُفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه في المعنى الذي عُيِّنَتْ لهُ لفظة المضاف، يُقال: هذا مكتوب زيد، والمفهوم ما ذكرناه.
وعند هذا نقول: أصول الفقه: عبارة عن مجموع طرق الفقه على سبيل الإجمال وكيفية الاستدلال بها، وكيفية حال المستدل بها.
فقولنا: ((مجموع)): احتراز عن الباب الواحد من ((أصول الفقه)) فإنه، وإن كان من أصول الفقه، لكنّه ليس أصول الفقه؛ لأن بعض الشيء لا يكون نفس ذلك الشىء.
وقولنا: ((طرق الفقه)) يتناول: الأدلة والأماراتِ.
وقولنا: ((على طريق الإجمال)): أردنا به بيان كون تلك الأدلّة أدلَّة؛ ألا ترى أنا إنما نتكلم في أصول الفقه في بيان أن الإجماع دليل؟! فأمّا أنه وجد الإجماع في هذه المسألة فذلك لا يُذكر في أصول الفقه.
وقولُنا: ((وكيفية الاستدلال بها)) أردنا به: الشرائط التى معها يصحُّ الاستتدلال بتلك الطُّرُقِ.
وقولنا: ((وكيفية حال المستدل بها)) أردنا به: أنَّ الطالب لحكم الله تعالى، إن كان عاميا، وجب أن يستفتي؛ وإن كان عالما، وجب أن يجتهد، فلا جرم وجب في أصول الفقه أن يبحث عن حال الفتوى، والاجتهاد، وأنَّ كل مجتهد هل هو مصيب، أم لا.
قال القرافي: تقريره: أنّ أصول الفقه مركب من المضاف والمضاف إليه، والعلم بالمركبات يتوقف على العلم بالمفردات، لأن من جهل الحيوان، أو الناطق استحال أن يعرف الإنسان، أو جهل الخلَّ أو السُّكّر استحال أن يعرف السَّكَنْجَبِين الذي يتركب منهما، ولكن يعرف الحيوان والناطق من جهة أنهما حيوان وناطق، فإن تركب الإنسان منهما، إنما هو من هذا الوجه، لا من جهة أن الحيوان جسم ولا ممكن، ولا من جهة أن الناطق متحيز، ولا قابل للأعراض، وكذلك جميع أجزاء المركبات، يجب أن يقف العلم بالمركب عليها من جهة أنها يصح منها التركيب، لا من كل وجه، وترد عليه أربعة أسئلة:
السؤال الأول: أنَّ العلم قسمان:
إجمالي وتفصيلي.
فالإجمالي: العلم بالشيء من بعض وجوهه.
والتفصيلي: العلم بالشيء من جميع وجوهه، وكذلك تقول: أمر فلان أعرفه من حيث الجملة، وأمر فلان أعرفه مفصلا، والجَمْل: الخلط، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:((لعن الله اليهود حُرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها وأكلوا أثمانها)) أى: خلطوها بالسبك على النار.
ومنه لفظ ((مُجمَل)) لاختلاط المراد فيه بغير المراد، والعلم الإجمالى: اختلط الوجه المعلوم بالوجه المجهول في تلك الحقيقة.
إذا تقرر هذا، فالعلم بالمركب إنما يتوقف على العلم بمفرداته إذا كان تفصيليا، أما الإجمالى فلا، فكم في العالم من يعلم التِّريَاق والفاروق بالسماع، ولا يعرف أن حوائجه نَيِّف وسبعون حاجة، بل يعرف سقف بيته ولا يعرف عدد خشبه، ولا ما رُصَّ فيه من اللَّبِنِ، بل يعرف نفسه، ولا يعرف أن فيه خمسمائة عضلة تحركه، ولا عدد عظامه، وأوردته، وشرايينه، وغير ذلك من أجزائه، وهذه نفس الإنسان، فما ظنُّك بغيرها، نعم العلم التفصيلي متوقف، لكنه أطلق القول، فيرد عليه القسم الأول الإجمالى.
الثاني: أنه إذا سُلِّمَ له ما قال، واحتاج كما قال إلى معرفة الفقه، والأصل يلزمه أن الفقه جزء كما قال، وأن الحقيقة لا تثبت به، وأن الحقيقة لا تثبت بدون جميع أجزائها، فلا يسمى أحد أصوليا، إلا إذا قام به أصول الفقه، ومن جملة أجزائه الفقه، فلا يكون أحد أصوليا حتى يكن فقيها، وليس كذلك لإطباق أهل العرف علي قولهم: فلان أصولى، وليس بفقيه، وإنما يحتاج في الأصول إلى معرفة تصور أصل الأحكام الفقهية، أو التمثيل ببعض أفرادها، وذلك ليس كافيا في مسمى الفقه على ما يأتى في حد الفقه إن شاء الله تعالى.
الثالث: في قوله: من الوجه الذي يصح التركيب فيه، مع أن الجزء لا يقع التركيب فيه، بل منه، والذي يقع التركيب فيه إنما هو المركب لا مفرداته، فمقتضى قوله: أن يكون التركيب في الجزء، فيكون كل جزء مركبا، فيلزم التركيب في كل مركب من أجزاء لا نهاية لها، وهو محال لاقتضاء صيغته أن كل جزء وقع التركيب فيه.
الرابع: أن أصول الفقه مركب من المضاف الذي هو الأصول، ومن الفقه الذي هو المضاف إليه، فاللازم عن هذا التركيب معرفة الأصول، ومعرفة نسبته الخاصة إلى الفقه لا نفس الفقه، فالمضاف إليه لا يدخل في حقيقة المضاف، بل نسبته إليه فقط، فقوله بعد ذلك: فيجب علينا تعريف الأصل،