الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجموع لا باعتبار كل فرد من أفراده، فيتعين تحرير الدعوى، ولا يؤتى بلفظ يوهم إيجاب المجموع من حيث هو مجموع.
المبحث الثالث
في تحقيق المتنازع فيه بيننا وبينهم
، وهو قبل الشرع وبعده، أما قبل اشرع فننازعهم في الحكم والمدرك، فلا وجوب عندنا، ولا العقل يقضي ولا شرع حينئذ.
وأما بعد الشرع فنساعد على الحكم، ونسلم أن المدرك الشرع، وننازع أنه رادف العقل بل انفرد بنفسه، وهم يقولون: اجتمع بعد ورود الشرع السمع والعقل، ولم يختص السمع بذلك.
وننازعهم بعد الشرع في طرف آخر، وهو أن إيجابه عندهم بعد الشرع، وقبله عقلى واجب لازم في حق الله تعالى، وعندنا إنما أوجبه على سبيل التفضل منه سبحانه وتعالى، فهذه ثلاثة أطراف وقع فيها النزاع، طرف قبل الشرع وطرفان بعد الشرع.
ثم يقول: استدلاله بالنص غير متجه، فإنه لا يلزم من سلب التعذيب عدم التكليف، فجاز أن يكون التكليف ثابتا قبل البعثة، وقد اطاعوا بفعل المكلف به، أو لم يفعلوا، وتأخر العذاب إلى بعد البعثة كما يتأخر بعد البعثة إلى يوم القيامة، فلا يلزم من عدم الغذاب عدم التكيلف بوجوب الشكر، بل يحتاج في تقرير النص إلى مقدمتين:
إحداهما: أن يقول: لو وقع الوجوب قبل البعثة لتركوا عملا بالغالب.
فإن الغالب على الناس المخالفة بشهادة الاستقراء بعد البعثة، قال الله تعالى:((وما وجدنا لأكثرهم من عهد))، و ((إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله))، ((وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)).
وثانيهما: أنهم لو تركوا لعوقبوا عملا بالأصل؛ لأن ترك الواجب سبب العقوبة، والأصل ترتب المسببات على أسبابها، فينتظم هذا القياس لو كلفوا لتركوا، ولو تركوا لعوبقوا، لكنهم لم يعاقبوا لقوله تعالى:((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا))، فيكون لازم اللازم للتكليف منفيا، فيكون التكليف منفيا، ومتى أهملت هاتان المقدمتان، أو إحداهما لم يتجه الاستدلال بالنص، فيرد عليه خمسة أسئلة:
الأول: أن الفعل حقيقة في حق مباشر الفعل، ومجازا في نسبته للآمر به، نحو: قطع السلطان اللص، وبني القلعة، أي: أمر بذلك، وهو مجاز بالنص، وكذلك في مورد النفي إنما يحمل على نفي الحقيقة، فإذا قلنا: ما قام زيد، فمحمله على نفي القيام الحقيقي، فيحمل نفي العذاب في الآية على نفي التعذيب الذي صدر عن مجرد قدرته - تعالى - من غير أن يأمر به ملكا أو غيره؛ لأنه المباشرة في حقه تعالى، فينفي من العذاب ما يقطع بطريق أمره به تعالى، كخسف مدائن لوط وغير ذلك، كما أمر الله تعالى به الملائكة أو غيرهم، فلا يكون مطلق العذاب منفيا، فلا يلزم نفي التكليف.
الثاني: سلمنا سموله للنوعين، لكن لا نسلم أن النكرة إذا كانت في سياق النفي تعم مطلقا، وإنما تعم إذا كانت في أسماء خاصة، فقد قال الجرجاني في أول ((شرح الإيضاح)): إذا قلت: ما جاءني رجل، لا
يعم ذلك حتى تقول: ما جاءني من رجل، بخلاف قوله: ما جاءني أحد، يعم من غير من.
وقال صاحب الكشاف في قوله تعالى: ((ما لكم نم إله إيره)) وفي قوله تعالى "وما تأتيهم من آية نم آيات ربهم" أن العموم لم يحصل إلا من صيغة "من".
ولو قال مالكم إله أو ما تأيتهم آية لم تعم، فعلمنا حينئذ ان النكرة لا تعم كيف كانت، فلم قلتم: إن "معذبين" من الصيغ التي تعم نكراتها في النفي؟
الثثالث: "ما"موضوعة لنفي الحال مع "ليس"كما أن "لم، ولما" موضوعان لنفي الماصي، و"لا" و"لن"لنفي المستقبل، وكان صيغة مضى، فيتعين أن يكون هذا لالفظ حكاية حال ماصية، وزمن هذه الحال لم يتعين، فلا يتعين هذا السلب العام من هذا الوجه أيضا.
الرابع: سلمنا العموم مطلقا، لكن العام في أفراد ماهية المطلق في أحوالها وزمانها، وبقاعها ومتعلقاتها، فإذا قال الإنسان: لا علم لي، هذا عام في نفي جميع أفراد علمه، غير أنه يحسن تقييده بمجيء زيد فلو قلال: أردت ذلك، لم يصر لفظه مجازا بهذا التقييد، بخلاف لو قال: أردت نفي بعض أفراد العلم دون بعض، كان من مجاز التخصيص، فتكون الصغية عامة في نفي افراد التعذيب مطلقة في متعلق التعذيب، فلعله على شيء معين، فما تعين نفي التعذيب على كل شيء، فلا يلزم نفي التكليف.
الخامس: سلمنا عمومه في أفراد التعذيب، وفي متعلقه لكن قوله تعالى:"حتى نبعث رسلوا" يقتضي مفهمه أنه يعذب حينئذ، لأن ما بعد الغاية يقتضي أن يثبت فيه نقيض ما قبلها، فنجزم بوقوع التعذيب بعد البعثة، لكن لم تصرح الآية بأن هذا التعذيب لما سبق، ولا لما يأتي، ولا لما هو خاضر فلعله للماضي، فلا يلزم نفي التكليف في الماضي، بل نقول: اللفظ يقتضي أن التعذيب لأجل الماضي، لأن المفهوم هو نقيض
المنطوق، والمنطوق عند الخصم هو سلب التعذيب في الماضي، ونقيض قولنا: ما نعذب عن الماضي نعذب على الماضي، لأنه لا تناقض بين عدم التعذيب في الماضي، والتعذيب في المستقبل، ولما كان المفعوهم نقيض المنطوق تعين صرفه للماضي عملا بالتناقض، فتصير الآية دالة على وجوب شكر المنعم قبل الشرائع، والخصم يريد أن يستدل بها على عدمه، بل هي مقتضية لنقيض مطلوبه، فتأمل ذلك، وكذلك قوله تعالى:"لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل".
معناه: أن حجة الخلق تنتفي بعد البعثة، ولكن هل باعتبار ما مضى أو باعتبار المستقبل، فلعل المعتزلي يقول: إذا حصلت البعثة تأكد أن العقل على الصواب في رعاية المصالح، والمفاسد لورود السمع بها، فقامت الحجة لله تعالى وسقطت حجة الخلق، فإن تضافر الأدلة من المعقول والمنقول مما يقطع العذر، ويحسم المادة.
وقوله في المعقول: لا تعود الفائدة على المشكور لتنزه الله تعالى عن جلب المنافع، لا يتم مع المعتزلة، فإن عدتهم تقتضي أن الله تعالى حكيم، وحكمته البالغة تقتضي أن من كماله رعاية المصالح، وأن عندم مراعاتها مخل بالكمال الإلهي، وإذا راعاها حصل الكمال الإلهي، ولا شك أن كمال الله تعالى عائد لجلاله وذاته، ولا يمكن أن يقال: هو منزه عنه، بل ثبوت هذا له عندهم كثبوت العلم، والقدرة وغيرهما من صفات الكمال، وترك هذا التنزيه عندهم تنزيه.
وقوله: "جلب المنفعة غير واجب في العقل " ممنوع، بل المنافع منها ضروري كحفظ الأعراض عن الثلم الفاحش، والنفس عن الهلاك، والعافية عن العذاب، وتحصيل أسباب البغال الكثيرة والمنازل العالبية، والثياب اللينة والزوجات الجميلة، هذا لا يوجبه العقل، فظهر أن ما ذكره ليس على عمومه، فلعل المنفعة التي جيب الشكر لها من قبل ما يوجبه العقل.
وقوله: "أداء الواجب لا يقتضي شيئ آخر " ممنوع عندهم، لأن الآتي بالواجب محقق لمصلحته، والمحقق للمصالح تجب مكافأته، ولذلك يوجبون على الله تعالى مجازاة المحسنين.
وقوله: " الله تعالى قادر على إيصال كل المنافع بدون هذا الشكر " ممنوع عندهم، فإن من قواعدهم الفاسدة أن الإحسان لغير المحسن محال على الله تعالى؛ لأنه سبقه فيستحيل تعلق القدرة به، فيمنعون أنه تعالى قادر على خلق ما علم عدمه، أو قدره أو أخبر عن عدمه، لأنه ممتنع لغيره، وإن كان ممكنا في ذاته، وكذلك المانع عندهم ممكنة لذاتها، ممتنعة عند عدم سبب استحقاقها من جهة العبد.
وقوله: "الإشتغال بالشكر مضرة عاجلة، فلا يكون دافعا للمضرة العاجلة " باطل قطعا، فإن قطع الأيدي المتآكلة، وسقى الأدوية الكريهة، والبط والحجامة، وغير ذلك مضرات عاجلة، وهي دافعة لمضرات عاجلة، لكنها لما كانت أعظم من الدافعة لها حسن فعل الدافعة الدنيا لدفع المدفعوعة العليا.
وقوله: القط بالمضرة الآجلة أنها تكون عند من يسره الشكر، ويسوؤه الكفران هم يمنعون هذا الحصر، ويقولون لوجوب الشكر سببان:
أحدهما: ما ذكره من المسرة والمساءة.
والثاني: كون المشكور ملكا حكيما مبالغا في الحكمة يرى في حكمته ألا يتصف عباده بترك الأدب والشكر، وإن كان ذلك الملك لا يلتذ بذلك، بل يفعله؛ لأنها صفة كمال، حتى أن الحكماء يفعلون ما يؤلم طباعهم،
ويسوؤها لاشتمالها على الحكمة لا للذة، فكثير من الحكماء يترك ملاذ النساء، وفضول الكلام وكثيرا مما يميل إليه طبعه، ويلتزم في ذلك مشاقا طبعية ليس إلا للحكمة ليوفيها حقها، والله تعالى عندهم في أقضى الغايات من الحكمة، فهو أولى بأن يوجب مكافأة المحسن على إحسانه لما فيه من الحكمة، لا ليوقع لذة ولا نفرة، فالحصر غير ثابت.
قوله: "قلنا غرضنا من الدليل أنه لو صح الحسن والقبح العقليان لما أمكن القول بإيجاب الشكر من الله تعالى لا عقلا، ولا سمعا ".
هذا الموضوع في غاية الإشكال، وعسر التقرير وبان المراد منه، ظاهره يقتضي أنه ادعى بطلان مذهبه، على تقرير صحة مذهبهم في الحسن والقبح، فيكون معنى كلامه لو صح مذهبكم لبطل مذهبنا بالوجبوب في الشرع، وهذا لا يسوء الخصم بل يسره، ثم إن الخصم التزم وجوب عدم وجوب الشكر شرعا لعدم وجوبه عقلا، وهو جعل عدم وجوب الشكر عقلا، وشرعا لازما للحسن والقبح، فلم يظهر أنه وارد على الكلام الأول.
ووجه تقرير كلامه: أنه قال في أصل دليله: لو وجب الشكر لوجوب إما لفائدة، أو لا لفائدة، والقسمان باطلان، فلا يجب، والمقدر وجوبه، فيلزم ألا لا يجب على تقدير وجوبه، فيجتمع النقيضان على هذا التقدير، وهو تقدير الوجوب عالعقلي، فيكون الواجوب العقلي ملزما لاجتماع النقيضين، وهو الوجوب العقلي محالا، وهو مقصوده، وهكذا ينبغي لك أن تفهم، حيث سمعمت في مسألة لو كان لما كان أن معناه أن هذا المذهب في تلك المسألة متى فرض واقعا اجتمع النقيضان، من لزوم عدم وقوعه على تقدير فرض وقوعه، وكذلك إذا قال القائل: لو صح بيع الغائب على الصفة لما صح؛ لأنه لو صح لكان مساويا للمرئي في مصلحة
الصحة، لكنه غير مساو، فلا يصح على تقدير صحته، فيجمتع النقيضان على تقدير القول بصحته، وتتبين المقدمات بطرقها الفقهية، وكذلك في كل مسألة من هذا النمط، هذا هو المتحصل من هذا الاستدلال فيها على هذا الوجه، فهو -أعني الإمام- بين أن مذهب المعتزلة ملزو لاجتمع النقيضين من جهة وقوع عدم الوجوب على تقدير الوجوب جاء السائ من جهة المعتزلة.
قال: ويلزم أيضا على هذا التقدير اجتماع النقيضين من جهة عدم الوجوب بالسمع، مع أن الواقع الوجوب السمعي، فجعل هذا لازما آخر لذلك التقدير، فقال له الإمام: هذا هو غرضنا أن يكون هذا التقدير الذي هو الوجوب العقلي ملزما لألف محال أنا بينت محالا لازما له، وأنت بينت محالا آخر، فلا يقدح ذلك في غرضي، فإنه كلما كثرت اللوازم المحالة للتقدير كان ذلك أبلغ في بطلانه، فالمعتزلة ساعدونا بهذا السؤال، ولم يقدحوا في غرضنا فلذلك قال: مرادي أنه لا يثبت الوجوب العقلي، ولا السمعي على هذا التقدير، فيجتمع النقيضان في العقلي، وفي السمعي معا، لان السمعي واقع إجماعا، والعقلي واقع بالفرض، فعدم الوقوع فيهما يقتضي إجتماع النقيضين في كل واحد منهما، وهذا التقدير مبني على قاعدة ينبغي أن يتفطن لها، وهو أنه متى فرض تقدير، وذكر دليل، فهو على ذلك التقدير، وجميع ما يرد عليه سؤال وجواب هو على ذلك التقدير إلى أن ينفصل البحث في ذلك الدليل، فلهذه القاعدة كان النقيضان مجتمعين في العقلي والشرعي على هذا التقدير، وكان هذا ملزوما للمحالين، فلا جرم لم يخل ذلك بغرض المستدل الأول، وكذلك في جميع مسائل الخلاف في الفقه والأصول، فاعلم ذلك.
فإن قلت: إن فرضنا الخصم ردد في نفس الأمر لا على هذا التقدير، فما يكون جوابنا عن النكتة التي ذكرها المستدل؟ وأي الأقسام يلتزم، وكيف يظهر الفرق؟
قلت: نحن كنا نبحث مع المعتزلة على تقديرين:
أولهما: تسليم قاعدة الحسن والقبح قبل الشروع في هذه المسألة.
وثاثنهما: تقدير الوجوب في شكر المنعم عقلا، فلا جزم ألزمنا في التقدير الثاني العبث على تقدير الوجوب لا لفائده، لأن التقديرين اللذين كنا نبحث عليهما أحدهما مصحة الحسن والقبح العقليين، أما إذا ردد السائل في نفس الأمر، فقد خلصنا عمن التقديرين، ولمن نكن حينئذ معتزلة، بسبب تسليم قاعدة الحسن والقبح، ونكون حينئذ اشعرية أهل سنة، لأن حاصله أنه مفسر بعدم رعاية المصالح، وهذا هو عين مذهبنا، فيثبت الوجوب الشرعي ولا يثبت الوجوب العقلي، واستقام قول الإمام: لو ثبت الحسن والقبح العقليان لما ثبت الوجوب العقلي، ولا الشرعي في الشكر، وذكر الحسن والقبح، ولم يذكر وجوب الشكر عقلا، لأن كليهما مقدر الحسن مقدر التسليم، والشرك مقدم الوجوب، فلما كان يحبث على التقديرين صح ان يذكر أحدهما وسكت عن الآخر؛ لان جميع ما يلزم يلزم التقديرين، فلا فرق بين ذكرهما وذكر أحدهما، وظهر بهذا التقدير بطلان قول من يقول: إن الإمام غير دعواه، وأنه انتقل إلى تفسر آخر لم يتعرض له في أصل الديل، بل الإمام لم يتغير بحث ألبتة، وما برح على نمط واحد.
قوله: "العلم بوجوب النظر ليس ضروريا ".
تقريره: أن العقل إذا أوجب النظر إنما يوجبه إيجاب الوسائل لا إيجاب المقاصد، لأن النظر إنا هو وسيلة لتحصيل العلم، وا، الظن بالمنظور فيه، فلا بد أن يثبت عند العقل أنه وسيلة لذلك، فقد قال السمنية: إنه لا يفيد أصلا في الإلهيات، فلا بد من النظر في تحقيق كونه وسيلة في الجواب عن شبههم، وهومقام نظري، وإذا ثبت أنه وسيلة فلا بد أن يثبت انحصار
الوسائل فيه، لا، المقصد متى كان له وسيلتان فأكثر لم تجب أحدهما عينا، لا عقلا ولا شرعا، كما لو كان للجامع طريقان مستويان لا جيب سلوك أحدهما عينا وقد قال أرباب الرياضيات: إن تصفية الباطن، لزوم الخلوات وإصلاح الأغذية وإخلاء البواطن من الفكر يوجب حصول العلم بطريق الشطح وغيره، فهذا طريق آخر، ووسيلة ثانية لتحصيل العلوم، فلا يتمكن العقل من وجوب النظر عينا حتى يثبت عنده إبطال هذه الوسيلة، وهو عسر، فحينئذ بإيجب العقل للنظر وسيلة تتوقف على أنظر في هذين المقامين النظريين، فيقول العقل: لا أنظر حتى يجب علي النظر، ولا يجب علي النظر حتى أنظر في هذين المقامين، ولا أنظر فيهما حتى يجب علي النظر فيلزما لدور، وإقحام الرسل إذا أوجبنا النظر عقلا
كما ألزمتمونا إياه في إيجابه سمعا، فهذا جواب إلزامي، وللأصحاب جوابان آخران صحيحان:
أحدهما: أن الوجوب السمعي عند القائلين به، وهم أهل الحق لم يوقفوه على ثبوت النبوة، بل على مجرد التمكن من النظر في لمعجزة فقط، وكذلك وجوب النظر المقضي إلىمعرفي الله تعلى [لا يتوقف عل معرفة الله تعالى] بل التمكن من ذلك كاف كما نقله صاحب
البرهان، وصاحب المستصفى، وصاحب "الأحكام" عن أهل السنة، فتوقف وجوب النظر على ثبوت النبوة لم يقل به أحد من الفرق.
أما عند المعتزلة فسابق على ذلك لثبوته بالعقل، وأما عندنا فيكفي التمكن، حتى لو أعرض الناس عن الأنبياء، وقالوا: لاننظر حتى ماتوا على ذلك، ماتوا كفارا يتسحقون الخلود في النيران وغضب الديان، وكذلك أجمع المسلمون على تكفير من لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان أكثرهم لم يقصد النظر في معجزته عليه السلام، ولا خطر بباله ذلك، لا سيما عوام الكافر وجهالهم من النسوان، ولابلهان وغيرهم، وهم كفرة إجماعا ما سببه إلا أنهم متمكنون من النظر، فتركوا مع الإمكان.
وثانيهما: أن الإفحام غير لازم على تقدير انحصار المدرك في السمع، بل ولو انتقى المدرك سمعا وعقلا، لأن الله تعالى طبع البشر على النظر في الغرائب، وخوارق العادات، سواء حثهم العقل او السمع عليه أم لا، بل لونهاهم العقل والسمع لعصوهما، وذهبت منهم طائفة لقضاء شهواتهم في الاطلاع على ذلك المستغرب، كما عملوا ذلك في كثير من أهويتهم التي نهى الشرع عنها، والعقل عند المعتزلة، فلو ظهرت امرأة لها عشرة رؤوس، ومائة عين، وهي تظهر العجائب من الخوارق، ونادى ملك المدينة لا يجتمع أحد لذهب جماعة من أهل الجسارة والجهلة إليها، واجتمعوا بها، واطلعوا عى عجائبها، مع أنها أجنبية عنهم، فهذا منهي عنه شرعا وعقلا
وسلطنة، ومع ذلك فلا بد وأن يقع إجراء الله تعالى العادة بذلك في خلقه، فظهر أن الإفحام غير لازم على كل تقدير ألبتة، مع أن هذه النكتة نحن نلتزم بجملتها، فإن اللازم عن جواز الإفحام إضلال الخلق وتعب خواطر الأنبياء، وذلك نحن نجوزه كله، فيجوز على الله تعالى أن يضل الخلق أجمعين، وأن يهديهم أجمعين، وأن يعذبهم أجمعين، وأ، ينعمهم أجميعن:"لايُسأل عما يفعل وهم يسألون "، فهذه النكتة ليس فيها حاصل ألبتة للمعتزلة، "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا".
زاد صاحب ((الحاصل)) أن الشكر، ومعرفة الله - تعالى - متلازمان إجماعا.
وقال الإمام في "المحصول": "لافرق بينهما في العقل "، ولم يذكر الإجماع.
ووجه الإجماع في التلازم أن من قال بوجوب الشكر عقلا قال بوجوب المعرفة عقلا، ومن قال بعدم وجوبه قال بعدم وجوب الآخر، فلم يفرق أحد بينهما، فحصلت الملازمة بالإجماع، وهو معنى قول "المحصول ":
"لافرق بينهما في العقل " أي عند الفريقين.
وزاد ((الحاصل)) لفظة أخرى، ويه قوله: فيلزم إفحام العقل، ولم يقله في "المحصول"، وهو غير سديد، لأن العقل لا ينفحم حينئذ، بل إذا قال: لا يجب علي النظر حتى أنظر، ولا نظر حتى يجب علي النظر للازم عن هذا أن العقل لا يقضي بوجبوب النظر، وكونه لا يقضي بوجبو النظر ليس بإفحام له، ولا يتأذى بذلك بخلاف الرسل ينفحمون بعدم حصول مطلوبهم من أممهم، وله توجيه، وهو أن البحث في الدور العقلي وقع على تقدير أن وجوب النظر عقلي، فيلزم صدق قولنا لو وجب عقلا لما وجب