الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فعل كل محرم، وإلا لما حرم عليه، ومع ذلك فلا يذم عليه حتى يكون له في فعله مدخل.
قوله: " فإن قلت: للقادر أن يرجح الفاعلية على التاركية من غير مرجح إلى حجج الخصوم " يندفع بأن مفهوم الترجحي غير القادر، ولا يتم مطلوبه؛ لأنه يمكن تفسيره بتفسير التأثير للقادر أن يريده دون نقيضه، ولا يلزم الجبر، لأنه أثره بإرادته ولا الاتفاق؛ لأن له فيه مدخلا وإرادة حينئذ.
((سؤال))
قال التبريزي:
يعارضه في مكنته فيقول: فعل القبيح إن لم يكن مقدورا، فهو إما اضطراري أو اتفاقي، والاتفاقي محال؛ إذ لو كان ممكنا لتعذر استناد العالم لصانعه، والاضطرار باطل؛ لأنه إما من علة موجبة أو فاعل مختار، والفاعل محال؛ لانه إما أن يتمكن من الترك أو لا التقسيم إلى آخره، والعلة باطلة، لأنها إن كانت قديمة لزم قدم الأثر، أو حادثة تسلسلت العلة.
جوابه: أن أهل الحق يمنعون في هذا المقام أن القبيح ممكن للعبد لا مطلقا، بل يقولون: الجيمع واقع بقدرة الله تعالى، والعبد في المعنى مضطر، فيكون فاعله مختارا والعبد مضطرا، والإمام إنما ردد باعتبار العبد لا باعتبار كل فاعل، بل الفاعل عنده هو الله تعالى بالاختيار، والعبد مجبور وهوغير معذور، فاندفعت المعارضة ألبتة.
قوله: ((أما الخصم فقد ادعى العلم الضروري إلى آخر الفصل)).
يرد على قولهم: إن العلم بالقبح دائر مع العلم بالظن أن الدوران ظني، وهم يدعون القطع، فما ينتجه دليلهم لا يقولون به.
وما يقولون به لا ينتجه دليلهم.
وعلى قولهم: "لولا الاختصاص ما حكم فيه بالوجوب بما لأجله استحق ذلك لزم الترجيح من غير مرجح" ثلاثة أسئلة:
الأول: أن قاعدة مذهبهم تقتضي أن المصالح والمفاسد تتبعها الأحكام، وأن الأحكام لوازم الاوصاف، ونتيجة هذه المقدمات صدق قولنا: لو حكم تعالى بالوجوب لكان لمرجح هو المصلحة، فتكون المصالح والمفاسد لوازم، والمطلوب أن تكون ملزومات، واللازم لا يجب أن يكون ملزوما، ولم يثبتوا هذا اللازم مما ينعكس ملزوما، فلا تنتج قاعدتهم.
الثاني: أنا لا نسلم أن ثم مرجحا، وهو المصلاح والمفاسد، ولكن ربط هذه الأحكام بها هل هوعلى سبيل الوجوب كما يقولون؟ أو التفضل كما تقوله نحن؟
الأول: ممنوع.
والثاني: مسلم، ولا يحصل مقصودكمن؛ فإن التفضل لا يعلم إلا بالسمع دون العقل، وأنتم تدعون ثبوت هذه المراعاة بالعقل.
الثالث: أنه لا يلزم من عدم الترجيح بالمصالح والمفاسد نفي أصل المرجح، فلم قلتم: إنه يلزم الترجيح من غير مرجح، ثم إنا ننازع بإبداء مرجح على هذا التقدير؟ فنقول: لم لا يجوز أن يكون هو الإرادة، كما يختص وجود العالم لوقت المعين دون غيره، وكذلك سائر أجزاءه وأحواله التي هي قابلة لأضدادها؟
وعلى قولهم: لو حسن من الله تعالى كل شيء لحسن منه إظهار المعجزة على يد الكاذب، أن حاصل تجويز عدم مراعاة الله تعالى للمصالح يلزم منه تجويز إضلال الحلق بعدم معرفة أوصفا الأنبياء وتمييزهم عن غيرهم، وهذا إذا سلم هو عين مذهبنا، فإنا نجوز على الله تعالى
أن يضل الخلق أجمعين، وأن يهديهم أجمعين، فهذه النكتة لا أثر لها ألبتة، مع أن النقشواني، وغيره اعتقدوا أنها في غاية القوة لا جواب عنها، مع أنها لا تستحق جوابا، بل هي مذهبنا بعينه، وليس اللازم عن هذه النكتة وقوع ذلك حتى يقال: يلزم خلاف الواقع، بل تجويز ذلك ليس إلا، وكذلك اللازم عن الوجه الثاث تجويز أن الله - تعالى - يخلق أصواتا في بعض مخلوقاته تدل على أمر غير واقع، كما يجوز أن يخلق في حجر من الحجارة أصواتا قائلة: الواحد نصف العشرة، وهذا نحن نجوزه، وعدنا كل كذب في العالم، وكل كفر ومعصية، الله تعالى خالقها، وليس مقصود الخصم الكذب في الكلام النفساني، فإن النزاع إنما وقع في مراعاته تعالى المصالح في أفعاله، وأما صفاته تعالى، فاتفق الفرق كلها على أنها في غاية الكمال، ولا يلزمنا من ذلك عدم الإعتماد على وعده تعالى، فإنه لا يلزم من التجويز على الله تعالى ألا يجزم بعدمالوقوع، فكم من شيء اتفق العقلاء على تجويزه، وقطعوا بعدم وقوعه، كما يجوز على الله تعالى أن تكون الأنهار الغائبة عنا زيتا أو عسلا، ونقطع بأن ذلك ما وقع، وأن هذه المشايخ التي نراها ولدت شيوخا كذلك، ونقطع بأنها ما ولدت أطفالا، ونظائره كثيرة، وكذلك نقطع بأن الله تعالى ما خلق هذه الأصوات في جبريل عليه السلام في الرسائل الربانية إلا مشتملة على المصالح، مطابقة لمدلولاتها بقرائن الأحوال من عوائد الله تعالى، لا من جهة العقل، فكذلك يجوز ذلك عقلا، ونقطع بأنه ما وقع، ونجزم بوعده تعالى ووعيده، وجميع أخباره.
وعلى قوله في الجواب: أن العدمي لايكون علة الحكم، وإلا لجاز إسناد العالم إلى مؤثر عدمي، أن القوم لم يجعلوا المصالح والمفاسد موجودة لأحكام الله تعالى كما توجد العلة معلولها، وتنقله من العدم إلى الوجود، بل حكم الله تعالى تعلق إرادته بالإقتضاء، أو التخيير، كما