الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل العاشر
في ضبط أبواب أصول الفقه
قد عرفت أن أصول الفقه عبارة عن مجموع طرق الفقه وكيفية الاستدلال بها وكيفية حال المستدل بها
أما الطرق فإما أن تكون عقلية أو سمعية
أما العقلية فلا مجال لها عندنا في الأحكام لما بينا أنها لا تثبت إلا بالشرع
وأما عند المعتزلة فلها مجال لأن حكم العقل في المنافع الإباحة وفي المضار الحظر
وأما السمعية فإما أن تكون منصوصة أو مستنبطة
أما المنصوص فهو إما قول أو فعل يصدر عمن لا يجوز الخطأ عليه والذي لا يجوز الخطأ عليه هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ومجموع الأمة
والصادر عن الرسول وعن الأمة إما قول أو فعل والفعل لا يدل إلا مع القول فتكون الدلالة القولية مقدمة على الدلالة الفعلية
والدلالة القولية إما أن يكون النظر في ذاتها وهي الأوامر والنواهي وإما في عوارضها إما بحسب متعلقاتها وهي العموم والخصوص أو بحسب كيفية دلالتها وهي المجمل والمبين والنظر في الذات مقدم على النظر في العوارض
فلا جرم باب الأمر والنهي مقدم على باب العموم والخصوص.
ثم النظر في العموم والخصوص نظر في متعلق الأمر والنهي والنظر في المجمل والمبين نظر في كيفية تعلق الأمر والنهي بتلك المتعلقات ومتعلق الشيء متقدم على النسبة العارضة بين الشيء وبين متعلقه
فلا جرم قدمنا باب العموم والخصوص على باب المجمل والمبين وبعد الفراغ منه لا بد من باب الأفعال
ثم هذه الدلائل قد ترد تارة لإثبات الحكم وأخرى لرفعه فلا بد من باب النسخ
وإنما قدمناه على باب الإجماع والقياس لأن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به وكذا القياس
ثم ذكرنا بعده باب الإجماع
ثم هذه الأقوال والأفعال قد يحتاج إلى التمسك بها من لم يشاهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أهل الإجماع فلا تصل إليه هذه الأدلة إلا بالنقل فلا بد من البحث عن النقل الذي يفيد العلم والنقل الذي يفيد الظن وهو باب الأخبار
فهذه جملة أبواب أصول الفقه بحسب الدلائل المنصوصة
ولما كان التمسك بالمنصوصات إنما يمكن بواسطة اللغات فلا بد من تقديم باب اللغات على الكل
وأما الدليل المستنبط فهو القياس فهذه أبواب طرق الفقه
وأما باب كيفية الاستدلال بها فهو باب التراجيح
وأما باب كيفية حال المستدل بها فالذي ينزل حكم الله تعالى به إن كان
عالما فلا بد له من الاجتهاد وهو باب شرائط الاجتهاد وأحكام المجتهدين وإن كان عاميا فلا بد له من الاستفتاء وهو باب المفتي والمستفتي
ثم نختم الأبواب بذكر أمور اختلف المجتهدون في كونها طرقا إلى الأحكام الشرعية
فهذه أبواب أصول الفقه
أولها اللغات وثانيها الأمر والنهي وثالثها العموم والخصوص ورابعها المجمل والمبين وخامسها الأفعال وسادسها الناسخ والمنسوخ وسابعها الإجماع وثامنها الأخبار وتاسعها القياس وعاشرها التراجيح وحادي عشرها الاجتهاد وثاني عشرها الاستفتاء وثالث عشرها الأمور التي اختلف المجتهدون في أنها هل هي طرق للأحكام الشرعية أم لا
حكم تعلم أصول الفقه
ولنختم هذا الفصل بذكر بحثين
الأول أن تحصيل هذا العلم فرض والدليل عليه أن معرفة حكم الله تعالى في الوقائع النازلة بالمكلفين واجبة ولا طريق إلى تحصيلها إلا بهذا العلم وما لا يتأدى الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا للمكلف فهو واجب
وإنما قلنا إن معرفة حكم الله تعالى واجبة للإجماع على أن المكلف غير مخير بين النفي والإثبات في الوقائع النازلة بل لله تعالى في كل واقعة أو في أكثر الوقائع أحكام معينة على المكلف.
وإنما قلنا إنه لا طريق إلى معرفة حكم الله تعالى إلا بهذا العلم لأن المكلف إما أن يكون عاميا أو لا يكون
فإن كان عاميا ففرضه السؤال لقوله فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون لكن لا بد من انتهاء السائلين إلى عالم وإلا لزم الدور أو التسلسل
وعلى جميع التقادير فحكم الله تعالى لا يصير معلوما
وإن كان عالما فالعالم لا يمكنه أن يعرف حكم الله تعالى إلا بطريق لانعقاد الإجماع على أن الحكم بمجرد التشهي غير جائز ولا معنى لأصول الفقه إلا تلك الطرق
فثبت أنه لا سبيل إلى معرفة حكم الله تعالى إلا بأصول الفقه
وأما بيان أن ما لا يتأدى الواجب المطلق إلا به وكان مقدورا للمكلف كان واجبا فسيأتي تقريره في باب الأمر إن شاء الله تعالى
البحث الثاني:
أنه من فروض الكفايات لأنا سنقيم الدلالة إن شاء الله تعالى في باب المفتي والمستفتي على أنه لا يجب على الناس بأسرهم طلب الأحكام بالدلائل المفصلة بل يجوز الاستفتاء وذلك يدل على أن تحصيل هذا العلم ليس من فروض الأعيان بل من فروض الكفايات والله تعالى أعلم بالصواب.
قال القرافي: قوله "والفعل لا يدل إلا مع القول ".
يريد بالقول نحو قوله تعالى: "وما آتاكم الرسول فخذوه " ونحوه، فلولا ذلك لم يكن دليلا علينا، ولا لنا حجة بصورة الفعل.
قوله:"الدلالة القولية إما أن يكون النظر في ذواتها، وهي الأوامر
والنواهي، أو عوارضها بحسب متعلقاتها، وهيا لعموم والخصوص، أو بحسب كيفية دلالتها، وهي المجمل والمبين " عليه أسئلة ثلاثة:
الاول: أنه جعل مورد التقسيم الدلالة، والدلالة لا يقال لها: أمر، ولا نهي، بل الذي هو أمر ونهي الأدلة الا الدلالة، فإن الأدلة هي الأفاظ والدلالة إشعارها بمدولاتها.
الثاني: قوله: إن كان النظر في ذاتها، فهي الأوامر والنواهي يتخيل في ذلك نحو قوله تعالى:((فاقتلوا المشركين)) فإن الدليل الاول بالذات هو قوله: "اقتلوا" وهو متعلق بعموم المشركين، وهذا لا يتم به المقصود، لأن الذوات ليس المقصود بها ذات اللفظة من حيث هي لفظة، فإن الألفاظ بما تدل بالوضع لا بالذات، وكما أن الأمر يدل بالذات، فصيغة العموم، وجميع الصيغ تدل بالوضع، فلا فرق.
فإن قلت: العموم لا يكون دليلا يفيد حكما شرعيا، بلا يقع إلا متعلق الدليل، وكلامه ليس في الألفاظ من حيث هي ألفاظ، بل في الأدلة الشرعية.
قلت: قد يكون الديل في نفس العموم مثل قوله تعال: "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" فإنه ديل على تحريم النفاق بما فيه من الوعيد، وليس ثم أمر ولا نهي، وقوله تعالى: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه)) الآية، يدل بعموم صيغة ((ما)) على عموم الحل في جميع الذي الي أوحي من غير أمر ولا نهي، وقوله تعالى ((خلقك لكم ما في الأرض جميعا)) يدل بعمومه على الإباحة، وذلك كثير، فيست الأدلة الشرعية منحصرة في الأمر والنهي.
الثالث: على قوله: ((كيفية دلالتها وهو المجمل والمبين)).
يرد عليه أن المجمل هو عديم الدلالة، وإذا عدمت الدلالة امتنع اتصافها بالكيفية، لأن الكيفية صفة، والصفة متعذرة عند عدم الموصوف، والعدم لا يسمى كيفية.
قوله: ((والنظر في العلموم والخصوص نظر في متعلق الأمر والنهي)).
قلت: قد تقدم أن العموم نفسه قد يكون دليلا شرعاي، ولا يكون متعلق الأمر والنهي.
قوله: النظر في المجمل والمبين نظر في كفيية الأمر والنيه، مع أنه جعل المجمل والمبين نظرا في كيفية الدلالة، فيلزم أن تكون دلالة الأمر هي نفس الأمر، ودلالة الأمر غيره، لأنها كيفية بينه وبين مدلوله، فيتنافر قوله بسبب ذلك.
قوله: "تأخر الإجماع والقسا عن السنخ؛ لا، هما لا ينسخان ".
معانه: أن السنخ إنما ورد بعد الأوامر والنواهي والأفعال، لأنها ترد لرفع الحكم وثبوته، فالنسخ عارض من عوارضها يحسن ذكره بعدهما؛ لأن عارض الشيء متأخر عنه، ولما لم يكن النسخ يدخل في هذين لم يكن عارضا لهما فلم يذكر بعدهما، فهذا وجه تأخيرهما عن النسخ، ويرد عليه أنه ذكر في "باب النسخ" أن القياس يتصور فيه النسخ.
وقوله: "وما لايتم الواجب المطلق إلا به فهو واجب " يحترز بقوله: "المطلق" عن الواجب الذي قيد في أصل التكليف به بوجود سبب، أو شرط، أو انتفاء مانع؛ فإن أسباب التكليف وشروطه، وانتفاء موانعه لا تجب إجماعا، فلا يجب تحصيل ملك النصاب لتجب الزكاة، ولا الإقامة ليجب الصوم، ولا دفع الدين لتجب الزكاة، إنما اختلف العلماء فيما