الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأحكام، وهذه الثالثة لا يشترك منها اثنان في موجب واحد، فلا يقاس أحدهما على الآخر، فالخصم إن ادعى أن الحكم في الاصل عقلي منعناه، أو شرعي منعنا صحة القياس لتغاير البابين.
((سؤال))
إذا كنا نبحث في المسألتين على تقدير تسليم القاعدة في الحسن والقبح
، فعلى تقدير تسليمها يكون كل ما هو ثابت بعد الشرع ثابت قبله بالعقل، وبعده بالعقل والسمع معا، كما هو مذهب المعتزلة، فالحكم حينئذ في الأصل كما هو شرعي هو عقلي، فكيف يستقيم أن نمنع أنه عقلي، بل هو عقلي جزما على هذا التقدير.
جوابه: أنا نسلم أنا معتزلة حقيقة، والباحث في هذا المقام معتزلي، فهو لا يستدل على من ينازعه إما تحقيقا أو تخيلا، كما أن كل أحد إذا ارد تحقيق الحق لنفسه في أي مسألة أراد، فإنه يورد على نفسه كل ما يمكن إيراده عليه من جهة أي خصم فرض، ويتولى هو ذلك من نفسه لنفسه، فيقول المعتزلي المحقق: أنا إذا فرضت نفسي باحثا في هذا المقام وقائسا على غيري، فلذلك الغير منع الحكم في الأصل.
فإن قلت: بل الإنسان يفرع على ما يثبت عنده من القواعد وإذا تخيل أن مانعا يمنعه أحال نمعه على الدليل الدال عنده على تلك القاعدة، فلا يتوجه المنع على تقدير تسليم القاعدة المذكورة أصلا.
قالت: قد تقدم أن المسلم في القاعدة إنما هو تمكن العقل من الحكم لا وقوع الحكم، فعلى هذا أمكن أن يكون الحكم في الأصل عقليا وغير عقلي، فأمكن المنع فتفطن لهذا الموضع ونظائره في هذه المسائل، فهي غوامض كما تقدم في قوله: إن الأحكام لا تثبت إلا بالشرع.
وقوله: "قد أبطلنا الدوران العقلي"غير متجه، لأنه إنما تقدم منه الوعد
بإبطاله في كتاب القياس، حيث قال: العلم بالقبح دار مع العلم بالظلم وجود وعدما، ثم للخصم أن يقول: الدوران الذي سيبطله في القياس إنما هو الدوران الظني، ومن الدوران ما هو قطعي، كدوران العلم مع الحياىة، والإرادة مع العلم في العقليات، ودوران الموت مع قطع الرأس، والتوسيط، ونحوهما من العاديات، فلم قلتم: إن هذا الدوران ظني كالذي أبطلتموه؟
وقوله: وعن حجة الحظر أن الإذن معلوم بالعقل كالاستظلال بحائط الغير، فلم قلتم: إن هذا القياس لا يدل عليه؟
وقد يقول قائل: إنه أبطل هذا القياس، فكيف جعله مستندا له هاهنا في دعواه ثبوت الإذن عقلا؟ فيقال له: هو في هذا المقام سائل معترض على أرباب الحظر، والمعترض إنما وظيفته أن يبين وجود احتمال قادح فهو أورد هذا الاحتمال ليطالب المستدل ببطلانه، لا أنه يعتقده، وذلك منتجه من كل معترض على كل مستدل، ومن الإنسان على نفسه إذا حاول الاستدلال، وإن كان يمكنه هاهنا مع الحكم في الاصل كما قاله في الإباحة، غير أنه أراد أن ينوع البحوث في الموضعين.
وقوله: "أي تناقض في الأخبار عن عدم الإباحة والحظر".
معناه: أن الاتفاق حاصل على ثبوت الأحكام العقلية قبل الشرع، إنما النزاع في الشرعية، فالحساب والهندسة وغيرهما ثابتة قبل الشرع اتفاقا، فنحن حكما بعقولنا حكما عقليا كما حكمنا بانتفاء الأحكام الشرعية، قبل البعثة، فلا تناقض بين ثبوت الحكم العقلي واتفقاء الحكم الشرعي، وسمي الحكم العقلي إخبارا، لأنه تصديق، وكل حكم تصديقي إخبارا، لأنه يقال لقائله: صدقت أو كذبت، فالخبر لازم لإدراك التصديق فعبر به عنه.