الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس
في تقسيم الأحكام الشرعية
قال الرازي:
التقسيم الأول
وهو من وجوه:
خطاب الله تعالى إذا تعلق بشيء، فإما أن يكون طلبا جازما، أو لا يكون كذلك.
فإن كان جازما، فإما أن يكون طلب الفعل، وهو الإيجاب، أو طلب الترك وهو التحريم.
وإن كان غير جازم، فالطرفان، إما أن يكونا على السوية، وهو الإباحة، وإما أن يترجح جانب الوجود، وهو الندب، أو جانب العدم، وهو الكراهة، فأقسام الأحكام الشرعية هي هذه الخمسة.
وقد ظهر بهذا التقسيم ماهية كل واحد منها، فلنذكر الآن حدودها وأقسامها.
أما الواجب، فالذي اختاره القاضي أبو بكر أنه ما يذم تاركه شرعا على بعض الوجوه.
وقولنا: ((يذم تاركه)) خير من قولنا: ((يعاقب تاركه)) لأن الله تعالى قد يعفو عن العقاب، ولا يقدح ذلك في وجوب الفعل، ومن قولنا:((يتوعد بالعقاب على تركه)) لأن الخُلفَ في خبر الله تعالى محال، فكان ينبغي أن لا يوجد العفو،
ومن قولنا: ((ما يخاف العقاب على تركه)) لأن الذي يشك في وجوبه وحرمته قد يخاف من العقاب على تركه، مع أنه غير واجب، وقولنا:((شرعا)) إشارة إلى ما نذهب إليه من أن هذه الأحكام لا تثبت إلا بالشرع.
وقولنا: ((على بعض الوجوه)) ذكرناه ليدخل في الحد الواجب المخير، لأنه يلام على تركه إذا تركه وترك معه بدله أيضا، و (الواجب الموسع) لأنه يلام على تركه إذا تركه في كل الوقت، (والواجب) على الكفاية لأنه يلام على تركه إذا تركه الكل.
فإن قيل: هذا الحد يدخل فيه السنة؛ فإن الفقهاء قالوا: لو أن أهل محلة اتفقوا على ترك سنة الفجر بالإصرار، فإنهم يحاربون بالسلاح، قلت: سيأتي جوابه إن شاء الله تعالى.
وأما الاسم، فاعلم أنه لا فرق عندنا بين الواجب والفرض، والحنفية خصصوا اسم الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع، والواجب بما عرف وجوبه بدليل مظنون.
قال أبو زيد رحمه الله: الفرض عبارة عن التقدير؛ قال الله تعالى ((فنصف ما فرضتم)) أي قدَّرتم.
وأما الوجوب، فهو عبارة عن السقوط، قال الله تعالى:((فإذا وجبت جنوبها)) أي سقطت؛ إذا ثبت هذا، فنحن خصصنا اسم الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع؛ لأنه هو الذي يعلم من حاله، أن الله تعالى قدره علينا.
وهذا الفرق ضعيف؛ لأن الفرض هو المقدر، لا أنه الذي ثبت كونه مقدرا
علما أو ظنا كما أن الواجب هو الساقط، لا انه الذي ثبت كونه ساقطا علما أو ظنا، وإذا كان كذلك، كان تخصيص كل واحد من هذين اللفظين بأحد القسمين تحكما محضا.
وأما المحظور فهو الذي يذم فاعله شرعا، وأسماؤه كثيرة:
أحدها: أنه معصية، وإطلاق ذلك في العرف يفيد أنه فعل ما نهى الله تعالى عنه، وقالت المعتزلة: إنه الفعل الذي كرهه الله تعالى، والكلام فيه مبني على مسألة خلق الأعمال، وإرادة الكائنات.
وثانيها: أنه محرم، وهو قريب من المحظور.
وثالثها: أنه ذنب، وهو المنهي عنه الذي تتوقع عليه العقوبة والمؤاخذة؛ ولذلك لا توصف أفعال البهائم والأطفال بذلك، وربما يوصف فعل المراهق به؛ لما يلحقه من التأديب على فعله.
ورابعها: أنه مزجور عنه، ومتوعد عليه، ويفيد في العرف أن الله تعالى هو المتوعد عليه والزاجر عنه.
وخامسها: أنه قبيح، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
وأما المباح، فهو الذي أعلم فاعله أو دل على أنه لا ضرر في فعله وتركه ولا نفع في الآخرة.
وأما الأسماء، فالمباح يقال له: إنه حلال طلق.
وقد يوصف الفعل بأن الإقدام عليه مباح، وإن كان تركه محظورا؛ كوصفنا
دم المرتد بأنه مباح، ومعناه أنه لا ضرر على من أراقه، وإن كان الإمام ملوما بترك إراقته.
وأما المندوب، فهو الذي يكون فعله راجحا على تركه في نظر الشرع، ويكون تركه جائزا.
وإنما ذم الفقهاء من عدل عن جميع النوافل؛ لاستدلالهم بذلك على استهانته بالطاعة، وزهده فيها فإن النفوس تستنقص من هذا دأبه وعادته.
وقولنا: ((في نظر الشرع)) احتراز عن الأكل قبل ورود الشرع، فإن فعله خير من تركه، لما فيه من اللذة لكن ذلك الرجحان لما لم يكن مستفادا من الشرع؛ فلا جرم أنه لا يسمى مندوبا.
وأما الأسماء، فأحدها: أنها مرغب فيه، لما أنه قد بعث المكلف على فعله بالثواب.
وثانيها: أنه مستحب، ومعناه في العرف أن الله تعالى قد أحبه.
وثالثها: أنه نفل، ومعناه أنه طاعة غير واجبة وأن للإنسان أن يفعله من غير حتم.
ورابعها: أنه تطوع، ومعناه أن المكلف انقاد لله تعالى فيه مع أنه قربة من غير حتم.
وخامسها: أنه سنة، ويفيد في العرف أنه طاعة غير واجبة، ولفظ السنة مختص في العرف بالمندوب بدليل أنه يقال هذا الفعل واجب أو سنة.
ومنهم من قال: لفظ ((السنة)) لا يختص بالمندوب بل يتناول كل ما علم