الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقسيم الخامس
العبادة توصف بالقضاء والأداء والإعادة
.
فالواجب: إذا أدي في وقته سمي أداء، وإذا أدي بعد خروج وقته المضيق أو الموسع سمي قضاء، وإن فعل مرة على نوع من الخلل، ثم فعل ثانيا في وقته المضروب له سمي إعادة؛ فالإعادة: اسم لمثل ما فعل على ضرب من الخلل.
والقضاء: اسم لفعل مثل ما فات وقته المحدود.
ثم هاهنا بحثان:
الأول: لو غلب على ظنه في الواجب الموسع أنه لو لم يشتغل به، لمات
فها هنا لو أخر عصى، فلو أخر وعاش، ثم اشتغل به قال القاضي أبو بكر: هذا قضاء؛ لأنه تعين وقته بسبب غلبة الظن، وما أوقعه فيه، وقال الغزالي رحمه الله: هذا أداء، لأنه لما انكشف خلاف ما ظن زال حكمه فصار كما لو علم أنه يعيش.
الثاني: الفعل لا يسمى قضاء إلا إذا وجد سبب وجوب الأداء مع أنه لم يوجد الأداء، ثم القضاء على قسمين:
أحدهما: ما وجب الأداء، فتركه وأتى بمثله خارج الوقت، فكان قضاء، وهو كمن ترك، الصلاة عمدا في وقتها، ثم أداها خارج الوقت.
وثانيهما: ما لا يجب الأداء، وهو أيضا قسمان:
أحدهما أن يكون المكلف بحيث لا يصح منه الأداء.
والثاني: أن يصح منه ذلك:
أما الذي لا يصح منه الأداء، فإما أن يمتنع ذلك عقلا؛ كالنائم والمغمى عليه، فإنه يمتنع عقلا صدور فعل الصلاة منه.
وإما أن يمتنع ذلك منه شرعا؛ كالحائض، فإنه لا يصح منها فعل الصوم، لكن لما وجد في حقها سبب الوجوب، وإن لم يوجد الوجوب، سمي الإتيان بذلك الفعل خارج الوقت قضاء.
وأما الذي يصح ذلك الفعل منه، إن لم يجب عليه الفعل، فالمقتضى لسقوط الوجوب قد يكون من جهته، كالمسافر فإن السفر منه، وقد أسقط وجوب الصوم.
وقد يكون من الله تعالى، كالمريض، فإن المرض من الله وقد أسقط وجوب الصوم.
ففي جميع هذه المواضع اسم القضاء إنما جاء؛ لأنه وجد سبب الوجوب منفكا عن الوجوب، لا لأنه وجد وجوب الفعل، كما يقوله بعض من لا يعرف من الفقهاء، لأن المنع من الترك جزء ماهية الوجوب فيستحيل تحقق الوجوب مع جواز الترك.
قال القرافي: قوله: التقسيم الخامس ((العبادة توصف بالقضاء والأداء
…
)) إلى آخر التقسيم.
اعلم أن تفسير الأداء بفعل الواجب في وقته، والقضاء فعل الواجب بعد فوات وقته المحدد لا يتم، بل عليه خمسة أسئلة:
الأول: أنه لم يذكر أنه محدود له شرعا، فيندرج فيه ما حدده أهل العرف للواجب، وإن لم يحدده الشرع.
الثاني: أن الواجبات الفورية كرد الغصوب، وإنقاذ الغرقى، والتوبة من الذنوب، وقضايا الحكام عند نهوض الحجاج، ولاأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك، عين لها الشرع الزمان الذي يلي وقوع أسبابها، فهي واجبات لها أزمنة محدودة أوله ما يلي السبب، وآخره نهاية الفعل، ولا تسمى في وقتها أداء ولا خارج وقتها قضاء، مع وجود الحديثن فيها، فيكون الحدان غير مانعين.
الثالث: إذا قلنا: الحج على الفور عند من قال به، فإذا أخَّره لعام آخر لا يكون قضاء عند هذا القائل، ولايلزمهسؤق هدى القضاء.
الرابع: أن صلاة الجمعة لم يشرع فيها القضاء، فيلزم ألا يصدق عليها الأداء، ولا توصف به لقوله في الإجزاء: إنه لا يوصف به إلا ما يقبل وقوعه على صورة عدم الإجزاء، وقررت ذلك بالقاعدة اللغوية أن الشيء إنما يوصف بالشيء إذا كان قابلا لضده ومثله هناك، فعلى هذا لا توصف الجمعة بالأداء مع أنها إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا، فيكون الحد تشبيها غير مانع.
الخامس: إذا قلنا: الأمر على الفور، فإنه للوجوب، يلزم على هذا القول أنا متى أخرنا المأمور عن الزمان الذي يلي ورود الصيغة كان قضاء، وإذا فعلناه فيه كان أداء، مع أن صاحب هذا المذهب لم يلتزم هذا، فلا يقال في إسراج الدابة إذا قال السيد لعبده، أسرج الدابة: إنه أداء في وقته، ولا قضاء إذا أخره، وهذه أسئلة صحيحة، فيتعين كشف الغطاء عن هذا المقام فأقول: إن تعيين الوقت للواجب له سببان:
أحدهما: له مصلحة في نفس الوقت كأوقات الصلوات، ورمضان لصوم، فإنا نعتقد أن في هذه الأوقات مصالح لم نطلع عليها طردا لقاعدة الشرع في رعاية المصالح، فإن الملك العظيم إذا كان عادته أنه يخلع الأخضر على
العلماء، ورأينا شخصا أخلع عليه أخضر، ونحن لا نعلم حال ذلك الشخص قلنا: هو عالم؛ لأنه العادة من ذلك الملك، فكذلك عادة الله - تعالى - أن شرائعه مصالح لعباده، فكل مكان لا نعلم فيه مصلحة قلنا فيه مصلحة لم نطلع عليها، وهكذا كل تعبدي معناه أنَّا لم نعلم بمصلحته لا لأنه لا مصلحة فيه، فهذه أوقات العبادات المتقدم ذكرها متضمنة لمصالح هي سبب تعينها دون غيرها.
والسبب الثاني: لتعيين الوقت مصلحة المأمور به، لا مصلحة في الوقت، كتعيين الوقت في إنقاذ الغريق تابع لسقوطه، وتعيينه لمصلحة في الإنقاذ، وهو المأمور به دون مصلحة في ذلك الوقت، فلو تقدم سقوط الغريف في الماء تقدم الوقت ولو تأخر تأخر، وكذلك الحج على الفور تابع لوجود الاستطاعة، فلو تقدمت تقدم تعين الزمان، ولو تأخرت تأخر تعين الزمان، فتعيينه لمصلحة المأور عند الإستطاعة لا لمصلحة في الوقت، وكذلك الغوريات كلها.
إذا تقرر هذا فنقول: ((الأداء إيقاع الواجب في وقته المحدود له شرعا لمصلحة اشتمل عليها الوقت إذا قبل القضاء)).
فقولنا: شرعا احترازا عن تحديد العرف.
وقولنا: ((لمصلحة اشتمل عليها الوقت)) احترازا من تعيين الفوريات لمصالح المأمورات.
وقولنا: ((إذا قبل القضاء)) احترازا من الجمعة، بناء على قاعدة أن الشيء إنما يوصف بأحد الضدين إذا قبل الضد الآخر، ويكون القضاء إيقاع الواجب خارج وقته المحدود له شرعا الذي حدد لمصلحة فيه، وحينئذ صحت الحدود، واندفعت الإشكالات.