الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
((سؤال))
قال النقشواني: إذا ظهرت الماهية أي فائدة في ذكر الحدود
، فإن مقصودها إنما هو بيان الماهيات.
جوابه: بأن تعريف الماهية بالتقسيم والرسوم، والحدود المنفردة كإقامة برهانين على مطلوب واحد في التصديقات، فإن التصديق يكون معلوما ب
الأول
، فما فائدة الثاني، فكما لا يقدح ذلك في التصديقات لا يقدح هذا في التصورات والجواب في الجميع واحد، وهو ما قاله الإمام في ((المحصل)) أن في ذلك تحصيل العلم بأن الطريق الثاني طريق لتحصيل العلم، كما علم من حال الأول، فليس ذلك عبثا، بل تحديد علم بحال يحدد العلم بكونه طريقا بعد أن لم يكن ذلك معلوما من البرهان الثاني، ولا من الحد بعد التقسيم، وكذلك إذا رسمنا حقيقة يرسم لنا أن نرسمها برسم آخر لتحصيل العلم بأن هذه العبارة الثانية تحصل ما حصلته العبارة الأولى.
قوله: ((الواجب ما يذم تاركه شرعا على بعض الوجوه إلى قوله: وأما المحظور)).
عليه ثمانية أسئلة:
الأول: لا يصح التحديد بما يخاف العقاب على تركه؛ لأن الذي يشك في وجوبه وحرمته قد يخاف من العقاب على تركه مع أنه غير واجب.
قلنا: تصوير هذا القسم عسر جدا، فإن الشاك إن فرض مجتهدا، وكان شكه لعدم الدليل كان حكم الله في حقه عدم الوجوب جزما، فلا يخاف العقاب إجماعا، فما اجتمع الشك والوجوب والخوف، وإن كان شكه لتعارض الأمارتين فللعلماء قولان:
أحدهما: يتساقطان، ويرجع إلى البراءة الأصلية.
والآخر: يتخير بينهما، فعلى القول الأول لا وجوب ولا خوف ولا عقاب، وكذلك الثاني لا شك في الحكم؛ لأنه التخيير على هذا التقدير، وإن فرض مقلدا، فإما أن يتمكن من السؤال والتعليم أولا، فإن تمكن من التعليم ولم يفعل فهو عاص إجماعا، حكاه الشافعي في ((رسالته)) والغزالي في ((إحياء علوم الدين)) أن كل أحد يجب عليه أن يعلم
حكم الله تعالى عليه في حالته التي هو فيها، وعصيانه بترك التعليم وبالإقدام قبل التعليم.
ومقتضى ما حكيناه عن الإجماع على تحريم الفعل، حتى يتعلم أن الفعل يكون حراما حتى يتعلم إن كان ملابسا لعدمه، كمن أراد أن يصرف دينارا، أو ترك الفعل حرام إن كان ملابسا للفعل كمن أراد مفارقة أبويه، أو عياله للحج أو للغزو أو لغير ذلك، فحينئذ الحكم متعين قبل السؤال، ومتعين بعده، وهو ما يقوله المفتى، فلا شك في الوجوب، بل الجزم في الحالين لحكم لله تعالى، وإن لم يتمكن من السؤال سقط عنه التكليف، لأنه مشروط بالعلم إجماعا، وقد تعذر، والمتعذر لا تكليف فيه إجماعا، وإذا تعذر تصويره في المجتهد، والمقلد تعذر مطلقا لانحصار الحق في القسمين، فإن قلت: نفرضه في المجتهد إذا أقدم على الترك قبل النظر، أو المقلد قبل السؤال، فإنهما إذا تركا وهما حينئذ يشكان في الوجوب مع أن الوجوب لا يتعين إلا بالنظر في حق المجتهد، أو السؤال في حق المقلد.
قلت: مقتضى ما حكاه الشافعي من الإجماع التحريم في هذه الحالة، وأنه الحكم المتعين لهذه الحالة، ولا شك حينئذ.
جوابه: أنه يتصور في حق المقلد فيما إذا كان عدم الحكم مجمعا عليه، أو مختلفا فيه، وهو مقلد لمن يعتقد عدم وجوبه، وتمكن من السؤال ولم يسأل، فإن الحكم متعين في حقه، لأنه مجمع عليه، أو لأنه مذهب إمامه،
وقد تعين وبرز للوجود بالنسبة لكل أحد إن أجمع عليه، أو بالنسبة لذلك المجتهد، ومن قلده، وترك السؤال مع المكنة يوجب الشك في الوجوب، لأن الحكم لو كان هو الوجوب تعين الوجوب في حقه بسبب المكنة، فهو يجوز أن يكون الواقع الوجوب، وقد تعين الوجوب في حقه بسبب المكنة، وأن يكون الواقع الإباحىة فيكون هذا فعل شك في وجوبه وليس واجبا، لأنه الواقع في نفس الأمر الإباحة إما مجمعا عليها، أو مذهبا لإمامه.
ويتصور في المجتهد إذا أقدم على الفعل قبل بذل جهده في طلب الحكم، ويكون الواقع في نفس الأمر للإباحة مجمع عليها، أما المختلف فيها فلا أثر لها هاهنا، لانه لا يتعين في حقه مذهب القائل بها لامتناع التقليد عليه بخلاف المقلد، فإذا كانت الإباحة مجمعا عليها، جوز أن يكون الدليل يقتضي الوجوب إذا اجتهد ونظر، أو أنه يطلع على وجوب مجمع عليه إذا اجتهد فشك في وجوب الفعل، مع أنه ليس واجبا في حقه لتعميم الإباحة في حق الأمة بسبب أنها مجمع عليها، فهاتان صورتان لهذه المسألة، وما عداهما يعسر تصويرها فيه.
الثاني: على قوله: ((يذم تاركه شرعا))، فقوله:((شرعا)) منصوب على التمييز، فيفيد أنه ذم منسوب للشرع، والنسبة تصدق بأي طريق كان منسوبا إلى الشرع.
قال السهروردي في ((التنقيحات)): إما أن يكون الذام صاحب الشرع، أو الشرع أو جملته، والكل باطل.