الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنه عندنا تعلق كلامه النفسي بذلك، والتعلق عدمي، فالحاكم الشرعي عدمي، لأن الكلام من حيث هو كلام ليس بحكم، بل قد يكون حبرا أو حكما، فلا يتعين الحكم حتى يوجد بغير تعلق مخصوص، والتعلقات عدميات لرجوعها إلى النسبة بين المتعلقات والمتعلقات، والنسب عدمية، والعدمي يجوز أن يؤثر فيه العدمي، كما أن عدم العلة علة لعدم المعلول، وعدم اسبب سبب لعدم السبب، فهذا فرق عظيم بين هذا، وبين إسناد العالم لمؤثر عدمي.
وفرق آخر، وهو أن هذه الأوصاف عندهم توجب عقلا أن الله - تعالى - يربط بها الأحكام، لا أنها هي الرابطة للأحكام بأنفسها، فهذا فرق آخر وبينه سراج الدين على معنى آخر، فقال: هو قد فسر القبح بمعنى عدمي بقوله: ليس لفاعله أن يفعله، فيصح تعليله بالعدم، ويرد على قوله عند حصول العدم: تصير العلة مؤثرة في معلولها، فاستلزام العلة أمر حدث مع حدوث هذا العدم، فيكون العدم علة هذا الاستلزام.
قلنا: لا نسلم، بل لم لا يجوز أن يكون الاستلزام ناشئا عن ذات العلة، وحدوث هذا العدم شرط؟
((تنبيه))
اللازم عن جوابه عن الحجة الأولى:
أن الخصم شرع يثبت مذهبه بهذه الحجة، فبين الإمام أنها لا تثبته، بل إما أن تبطله، أو تبطل هي في نفسها، وعلى التقديرين لا يثبت مذهبهم، لأن الترجيح من غير مرجح إن لم يكن محالا بطلت الحجة في نفسها، لأن من ألزم خصمه لازما ليس بمحال لم يلزمه شيئا، وإن كان الترجيح من غير مرجح حالا لزم الجبر، فيبطل مذهبهم، فظهر لزوم أحد الأمرين، وعدم إنتاجها لمذهبهم.
قوله: "الاستدلال بالمعجز بمبني على مقامين:
أحدهما: أن الله تعالى إنما خلق ذلك المعجز لأجل التصديق.
الثاني: أن كل من صدقه الله تعالى فهو صادق، والحسن والقبح إنما يقع في المقام الثاني دون الأول ".
وتقريره: أن الحسن والقبح يقتضي أن الله تعالى لا يتصرف إلا لمصلحة، أما تعيين مصلحة معينة لا يقتضيها الحسن والقبح، فلعل خلق المعجز لغرض آخر، فلا ينتقض الحسن والقبح، وأما الثاني وهومن صدقه الله فهو صادق، فلو لم يكن صادقا كان قبيحا، كيف يصدق الله من ليس بصادق على أصولهم؟ فلا أثر له إلا في المقام الثاني، وإذا كان المعجز لا لغرض التصديق لا يوهم تصديق الكاذب، كما أن المؤذن إذا أذن في غير الوقت أوهم دخول الوقت، لأن الأذان لا يكون إلا لغرض إفهام دخول الوقت، أما مشي المؤذن على السطح لا يوهم دخول الوقت، لانه ليس لغرض إفهام دخول الوقت، كذلك هاهنا قوله، فثبت أن الإلزام الذي اورده علينا في إحدى المقدمتين وارد عليهم في المقدمة الأخرى، وكل ما هو جوابهم عن تقرر إحدى المقدمتين فهو جوابنا في تقرير المقدمة الأخرى.
معناه: أن البحث في المقدمة الأولى التي هي أن المعجز ليس لغرض التصديق، أو هي لغرض التصديق كما قالوه، وقلنا: أدى إلى إيرادهم أن الإيهام على الله تعالى محال لقبح، فأوردنا عليهم المتشابهات، وهي إنزال أمر يوهم التحسين، وهو ليس بمراد، ولم يقبح ذلك لاحتماله وجوها أخر من المصالح، فلما تقرر لنا في هذا المقام هذا البحث نفعنا في المقام الثاني، وهو أن من صدقه هل يجب أن يكون صادقا؟ لأن غاية هذا التصديق من الله تعالى له إن أظهر على يديه ما يدل على صدقه دلالة لا يحصل الجزم بالنبوة منها إلا بعد النظر الصحيح المحصل للعلم وبعد النظر الصحيح لا يقع لبس؛ فإن اللبس إنما يكون قبل ذلك.
أما نظرنا في معجزة المدعي وقرائن أحواله وسجاياه هل تقبل الكذب أم لا؟
وهل غرضه الدنيا أم لا؟ إلى غير ذلك من جميع ما يتوهم أنه باعث على الكذب، فحينئذ يحصل العلم ويقع الفرق بينه وبين الكذابين بالضروة، بحيث لا يبقى لبس، فمجرد إظهار المعجز ليس كافيا في حصول العلم بالنبوة حتى ينظر في جميع الأحوال، فما يجيبون به عن المتشابهات التي أوردناها عليهم في البحث عن المقدمة الأولى، نحن نجيب به عن المقدمة الثانية، وهي تصديق الله تعالى بالمعجز، لأنه عند عدم النظر كالمتشابهات عند عدم النظر، فلا يصح حينئذ إظهار المعجز على يد الكاذب، فإن النظر يفضحه، ويبين أنه كاذب ليس بنبي، فلا يكون ذلك قبيحا، كما أن النظر بين الآيات المتشابهات بين أنها ليست لما دل عليه ظاهرها، بل معنى آخر، فبطل المقام الأول؛ لأن غرض التصديق لا يتعين، وبطل المقام الثاني، لأنا قلنا: إنه كالمتشابهات، وأن جوابهما واحد، فبطل المقامان، فاندفعت الشبهة.
وقوله في الجواب عن إظهار المعجز على يد الكاذب: "لو كان الفعل يتوقف على الغرض لزم الجبر" ممنوع، لجواز أن يكون متوقفا عليه، وهو بعض ما يتوقف عليه، فيلزم من عدمه العدم، ولا يجب الوجود عند حضوره، ويصدق التوقف.
وقوله: "المعاريض لا بد فيها من زيادة أو نقصان، أوتقييد أو تخصيص ".
مثال الزيادة: أن يسألك الظالم عن زيد، من عند؟ فتقول: حيوان، وتزيد في نفسك ناطق، ولا تظهره له، وتفهمه هو أنه حيوان بهيم.
ومثال النقصان: أن تقول: هو ولدي، وتريد في نفسك أنك تعامله معالمة الأبناء، فينقص وصف البنوة، ويبقى زيد وحده، كما قال الخليل
صلوات الله عليه في امراته، هي أختي يريد في الإسلام، فنقص من اللفظ وصف الأخوة.
ومثال تقيد المطلق: أن تقول: هو الذي في عينه بياض، وتريد البياض المحيط بالسواد، وهو بياض خاص مقيد.
ومثال تخصيص العام قولك للظالم: ليس في الدار أحد، وتريد بهذا النفي غير من يريد الظالم، وأكثر ما تقع المعاريض في الاستعمال بالمجاز والمشترك، ولم يذكرها، فالمجاز كقول الصديق رضي الله عنه في رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هو رجل يهديني السبيل))، يوهم أنه
خفير الطريق، ومراده سبيل الآخرة، وهومجاز عن الطريق الحس ليوهم الرجل بذلك فلا يعرفه، وكان ذلك حين خروجهم للمدينة في الهجرة، والاشتراك كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي سأله من أنتم؟
وكان عليه السلام يجب إيهامه أنهم غير المسلمين لئلا يعرف به عدوه، فقال له:"نحن من ماء"، وماء قبيلة في اليمن، وأراد عليه السلام "من ماء مهين" [المرسلات: 20].
وتقرير قوله: الموقوف على الشرع، إنما هو التصديق بالحسن والقبح لا تصورهما أنا نجور أن الله تعالى يبتع الأحكام المصالح والمفاسد، فإنا لا
نحيل مذهب المعتزلة بل نحيل وجوب ذلك. فنحن متصورون حينئذ لذلك لرابط قبل الشرع، فإذا ورد الشرع به جزمنا حينئذ به وحكمنا، فهذا هو التصديق، وقد تقدم في النظر اشتقاق التصور والتصديق وحيقيتهما.
((تنبيه))
لما تقدم كثرة القوادح في دليل الإمام، حسن ذكر غيره من المدارك لئلا تبقى المسألة بغير مدرك.
قال سيف الدين: قال أصحابنا مدارك:
الأول: لو كان الكذب قبيحا لذاته، لكان القائل إذا قال: إن بقيت ساعة أخرى كذبت، فبقي ساعة أخرى إن قالوا: صدقه حسن، يلزم حسن الكذب، حتى يصدق، أو كذبه حسن لزم حسن الكذب، وهو المطلوب.
الثاني: لو قبح الظلم لكونه ظلما لتقدمت العلة على معلولها، لأن الظلم إنما يكون بأخذ المال بغير حقه، وأنتم قبل الأخذ تفضون فيه بالقبح ولذلك ليس له أن يفعله، فيلزم تقدم القبح قبل الظالم، وهو تقدم المعلوم العقلي على علته.
الثالث: قال سيف الدين: لنفسه، وقال: هو العمدة أن الحسن والقبح غير الأفعال، لإمكان الذهول عنها، مع العلم بالفعل وهما ثبوتيان، لأن نقيضهما لا حسن ولا قبح الذي يوصف به العدم، وصفة العدم عدم، فهما ثبوتيان، وهما صفة الفعل عندهم، فيلزم قيام العرض بالعرض، لكن قيام العرض بالعرض محال؛ لأن العرض الذي هو المحل لا بد وأن يقوم بالجوهر لا معنى له إلا أن وجوده في حيز الجوهر تبعا له فيه، وقيام أحد العرضين لآخر لا معنى له إلا قيامه بالجوهر في حيزه تبعا له، فيكون قائما
بالجواهر، فلا يكون صفة للفعل وهو المطلوب، ولا يرد عليه وصفنا الفعل بكونه ممكنا، ومعلوما، ومقدروا، لأن هذه أمور سلبية لصدقها على العدم، فإنه معلوم وممكن، أما المقدورية فإنها نسبة بين القدرة ولاممكن، فإن قالوا الحسن والقبح نسبي، فهذا هو مذهبنا، أنه يختلف بحسب ما يتعلق به خطاب الله تعالى.
قلت: هذه الوجوه عليها مباحث، فيرد على الأول أن قوله الأول "أكذب إن بقيت " قبيح، لانه وعد بالقبيح، وصدقه ثاينا حسن، ولايزلمه حسن الكذب؛ لأنا لم نحس بالأول.
وعلى الثاني، أنا إنما قضينا بالقبح على تقدير الوقوع فمنعناه الآن، لأنه مما يقع على تقدير وقوعه القبيح.
وعلى الثالث: أنه ينقض بالحسن والقبح العقليين في ملاءمة الطبع، ومنافرته وصفات الكمال وصفات النقص، ثم قول: الحسن والقبح ذاتيان للفعل وهما حكمان، والأحكام الذاتية ليست أعراضا قائمة بمحالها، كما نقول السواد سواد لذاته، والبياض بياض لذاته، وكذلك سائر الأعراض، وما لزم قيام الرعض بالعرض، لأنها أحكام للمعاني لا أنها معان في أنفسها، فكذلك هاهنا، بل أقول في إبطال الحسن والقبح، رعاية المصالح غير واجبة على الله تعالى عقلا، فالحسن والقبح العقليان باطلان.
بيان الأول: أن الله تعالى خلق العالم في وقت معين مع إمكان خلقه فيما قبله بمائة ألف سنة، أو بعده بمائة ألف سنة، ضرورة استواء إيجاده بالنسبة إلى الأزمنة المتخيلة، والله تعالى عالم بما يترتب في خلق العالم من المصالح، فتأخيره يقتضي عدم رعاية حصول المصالح، لأن الله تركها في مائة ألف سنة، لم يحصلها فيها، بل
…
في تلك المدة، فلا تكون غاية حصول المصالح واجبة في حق الله تعالى.
أو تقول: خلق العالم إما أن يكون مصلحة، وإما ألا يكون، فإن كان يلزم تفويت المصالح، وإن لم يكن كان خلقه عريا عن المصالح، فالله تعالى، لا يجب أن يكون تصرفه ملزوما للمصالح، ولا تكون راعيتها واجبة، إذا تقرر عدم وجوب رعاية المصالح، فلا يجب في العقل أن الله تعالى يربط أحكامه بها، بل يجوز ذلك ونقيضه، فتبطل قاعدة الحسن والقبح العقليين، وغلط من فسره بالعقاب أو الذم أو غير ذلك، فإن المثوبات والعقوبات فرع ربط الأحكام بالمصالح والمفاسد، إذ العقوبات فرع العصيان، والعصيان فرع الأحكام، فافهم هذا الموضع، فأكثر الجماعة كإمام الحرمين في "البرهان" وغيره اعتمد على أن الحسن والقبح يرجع إلى تصرف الله تعالى في أمر مغيب عنا من الثواب والعقاب لا مدخل له في المصالح والمفاسد المتعلقة بنا، وليس كذلك، بل هم يقولون: إنما ترتب ذلك للمفاسد والمصالح، وذلك غيب عندهم، لأنه معلوم عندهم بالعقل وجوبه منجهة أنهم إذا علموا أن الفعل مشتمل على مفسدة خالصة أو راجحة علموا أن اللهتعالى أناط بها المنع، ونفي عنها العقوبة، كل ذلك معلوم عندهم بالعقل، فتسقط كلمات الجماعة في الرد عليهم، وظهر أن ما ذكرته برهان على إبطال قولهم، وهو من قول الشافعي رضي الله عنه إذا سلم القدرية العلم خصموا، أي: خصموا في جيمع هذه المسائل، ولذلك هذه الحجة ما نشأت إلا عن كون الله تعالى عالما بما في العالم من المصالح والحكم، ومع ذلك أخر خلقه آلافا من السنين.
وقوله: "إذا بينا فساد الحسن والقبح العقليين، فقد صح مذهبنا في أن شكر المنعم غير واجب عقلا، ولا حكم قبل الشرع، لكن أصحابنا سلموا الحسن والقبح العقليين، وأبطلوا المسألتين بعد التسليم".
يرد عليه أن هذا الكلام غير معقول من وجهين:
أحدهما: أن إذا سلمنا قاعدة الحسن والقبح، فقد سلمنا أن الأحكام مرتبطة بالمصالح الخالصة أو الراجحة، والمفاسد الخالصة أو الراجحة، وعلى هذا تكون الأحكام واقعة قبل الشرع ضرورة، ضرورة وقووع تلك المصالح والمفاسد قبل الشرع، وإذا كانت الاحكام واقعة قبل الشرع كان وجوب شكر المنعم ثابتا قبل الشرع، لأنه من جملة الأحكام، فعلم أنه متى سلمنا قاعدة الحسن والقبح فقد سلمنا المسألتين، فنزاعنا بعد ذلك في المسألتين نزاع فيما سلمناه، وذلك باطل، وإنما يحسن النزاع بعد التسليم في غير المسلم، وهذا بعضه بل كله، لأنا إذا قلنا: لا حكم للأشياء قبل الشرع لم يخل حكما من الاحكام، فلم يخل من الحسن والقبخ شيئا، والتقدير أنا سلمناه كله، فهذا من أفحش التناقض.
وثانيهما: أنا إذا بينا أنه لا حكم للأشياء قبل الشرع، فقد نفينا جميع الوجوبات، والتحريمات، والمندوبات، والمكروهات، والإباحات، ووجوب شكر المنعم من جملة الوجوبات، فيندرج في تلك المسألة، فلا معنى لجعلها مسألة أخرى، إذ هي فرد من أفرادها، وما بالنا حينئذ إذا جوزنا مثل هذا ألا نبين عدم وجوب اصلاة، مسألة أخرى، وكذلك وجوب الصوم وغير ذلك، فما وجه الاقتصار على نفي هذا الوجوب وحده؟
والجواب عن الأول: أنه النزاع من المعتزلة في قاعدة الحسن والقبح، في أن العقل هل له ولاية على أن يحكم بأن الله تعالى حكم بربط الأحكام بالمصالح والمفاسد أم لا؟ فنحن نمنع ذلك، ونقول: لم يحكم العقل إلا بجواز الربط، لا بالربط نفسه بناء على جواز تكليف ما لا يطالق، فيجوز أن يوجب الله تعالى علينا ويحرم من غير بعثة، وهم يقولون: بل أدركنا بالعقل أن الله تعالى يجب له لحكمته البالغة ألا يدع مفسدة في وقت من
الأوقات إلا حرمها، ويعاقب عليها، ولا مصلحة في وقت من الأوقات إلا أوجبها ويثبت عليها تحقيقا لكونه حكيما، ولوا ذلك لفاتت الحكمة من جانب الربوبية، وهو باطل، لاتفاق المسلمين على أن الله تعالى حكيم، فنحن حينئذ نسلم لهم أن العقل مولى على ذلك، ولا يلزم من تسليم الولاية على الحكم وقوع الحكم، لتوقف الحكم على مدرك يستنقد إليه، فنحن ننازع في المسألتين في وجود المستند، فلا يقع حكم قبل الشرع، لعدم المستند الذي لأجله يحكم العقل، لا لعدم ولايته على الحكم، ولذلك قلنا: لو وجب الشكر لوجب، إما لمصلحة أو لمفسدة إلى آخر التقسيم والاستدلال، فلم يبين إلا عدم المدرك، ولم ينازع في الولاية، فظهر حينئذ أن المسلم غير المتنازع فيه.
وعن الثاني: أن المسألة الثانية لم تتناول شكر المنعم.
وبيانه: أن معنى قولنا وقولهم في الأحكام قبل ورود الشرائع أن الأحكام تتبع المصالح، والمفاسد الكائنة في أنفس الأفعال، وذلك متحقق في كل فعل على حدثته وإن لم يلاحظ فيه غيره، وشكر المنعم الوجوب فيه بالنسبة إلى مناسبة وملاءمة بين فعل الشكر، وبين فعل المشكرو الذي هو الإحسان السابق في حق الشاكر فأحدهما غير الآخر.
وبيانه بالمثال: أنك إذا أنقضت غريقا من البحر كان تعيين الإنقاذ متضمنا لمصلحته، وهي حفظ حياته عليه، ثم إن كان الغريق أحسن إليك قبل ذلك حصلت ملاءمة أخرى بين الإنقاذ، وبين إحسانه السابق، ومن هذا الوجه كان الإنقاذ شكرا، وهذه الملاءمة الحاصلة بين الفعلين غير المصلحة التي هي في نفس الإنقاذ وهي حفظ حياته عليه، ولذلك أمكن وقوعها منفكة عن الشكر في حق من لم يحسن إليك، وقد يوجد الشكر منفكا عن المصلحة في نفس الفعل في حق من طلب منك فعلا عاريا عن المصلحة والمفسدة.
لاعتقاده أنه فيه مصلحة ومفسدة، فإنك إذا أطعته بفعل ذلك كان ذلك شكرا، وحصلت فيه الملاءمة بين إحسانه إليك، وبين ذلك الفعل مع عروه في نفسه عن المصالح، عكس الإنقاذ المتضمن للحياة في حق من لم يحسن إليك، وإذا أمكن انفكاك الشكر عن المصلحة في نفس الفعل، وانفكاك المصلحة في نفس الفعل عن الشكر، كان ضربين قطعا.
فقولنا: "لا حكم للأشياء قبل ورود الشرع".
معناه: تابعة للمصالح والمفاسد في أنفس الأفعال، وبقيت الملاءمة التي هي الشكر الخارجة عن الفعل لم يتعرض لها، فيتعين أن يكونا مسألتين، واندفع الإشكالان بفضل الله تعالى وإلهامه لمقاصد العلماء وتحرير أقوالهم.