الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاصلا للصحابة رضوان الله عليهم، ولم تكن ضرورية حينئذ، وفقه الصحابة رضي الله عنهم يجب أن يتناوله الحد.
وجوابه إنما حدُّ الفقه في اصطلاح العلماء اليوم في عصرنا، وفقه الصحابة رضي الله عنهم لم يكن يسمى فقها ذلك الوقت باصطلاح، بل بوضع اللغة فقط، واصطلاحنا اليوم يتناوله من جهة أنه نظرى، ولما صار ضروريا من الدين لم يصدق عليه حينئذ فقه اصطلاحا، كما أن الظن إذا صار علما لم يصدق عليه اسم الظن بسبب انتقاله لحالة أخرى، وكذلك علم الصحابة رضوان الله عليهم بأصول الفقه، وأصول الدين وجميع المعلومات، كان يسمى فقها لغة، ولا يتناوله اصطلاح العلماء في لفظ الفقه.
السؤال الثامن:
قال ((صاحب الوافي)): الحد ينتقض بعلم الله - تعالى - وعلم جبريل عليه السلام؛ لأنه متعلق بهذه الأحكام الشرعية المخصوصة، ولا يسمى فقها في العرف، ولا يرد هذا النقض على صاحب ((التحصيل)) لقوله:((الاستدلال)) ولم يقل: ((المستدل على أعيانها))، بل قال: الفقه العلم بالأحكام التى هي كذا وكذا بالاستدلال؛ لأن هذا العلم ليس بالاستدلال.
((تنبيه))
وافق صاحب الكتاب ((المنتخب))، وقال سراج الدين: الفقه العلم بالأحكام الشرعية العملية التى لا يعرف بالضرورة كونها من الدين، إذا حصل بالاستدلال على أعيانها فيسقط عنه ما في السؤال الثالث من
الأحكام التقليدية استدل عليها المجتهد؛ لأنه إنما ورد لأن الصيغة منفية لما لم يسم فاعله، وهاهنا ليس كذلك.
وقال في الحاصل: الشرعية المدلولة مع جملة قيود الكتاب، وهي في معنى لفظ الكتاب، فإنَّ اسم المفعول في معنى الفعل الذي لم يسم فالعه.
وقال التبريزىٌّ: ((الفقه فهم الأحكام الشرعية العملية)).
ويرد عليه ما احترز عنه الإمام من أصول الدين، وأصول الفقه المطلوبين للشرع، وما عند المقلد وشعائر الإسلام.
قولُه: ((فإنْ قلت: الفقه من باب الظنون فكيف جعلته علما؟)).
قلت: المجتهد إذا غلب على ظنه مشاركة صورة لصورة في مناط الحكم قطع بوجوب العمل بما أدى إليه ظنه، فالحكم معلوم قطعا، والظن وقع في طريقه.
تقريره بيان أن الأحكام الشرعية معلومة بأن تقول: يدل على ذلك برهانان قطعيان:
الأول: أن نقول: كل حكم شرعى ثابت بمقدمتين قطعيتين، وكل ما هو ثابت بمقدمتين قطعيتين فهو معلوم، فكل حكم شرعى معلوم إنما قلنا: إنه ثابت بمقدمتين قطعيتين؛ لأنا نفرض الكلام في حكم، ونقرر فيه تقريرا نجزم باطراده في جميع الأحكام.
فنقول: وجوب النية في الصوم مظنون لمالك قطعا عملا بالوجدان؛
لأنه يجد الظن في نفسه قطعا، وكل ما هو مظنون لمالك، فهو حكم الله تعالى قطعا في حقه، وحق من قلده إذا حصل له سببه.
وهذا التقرير نجزم باطراده في جميع الأحكام، فيكون كل حكم شرعة ثابتا بمقدمتين قطعيتين:
الأولى: وجدانية.
والثانية: إجماعية، وكلاهما قطعي، فتثبت أن كل حكم شرعة ثابت بمقدمتين قطعيتين.
وأما أن كل ما هو ثابت بمقدمتين قطعيتين فهو معلوم؛ فلأن النتيجة تابعة للمقدمات، فيكون كل حكم شرعى معلوما وهو المطلوب.
وقولنا: في حقه وحق من قلده لانعقاد الإجماع على أن وجوب البسملة لا يلزم المالكية ولا مالكا، ووجوب مسح جميع الرأس لا يلزم الشافعية ولا الشافعى، ولا يعصون بترك ذلك.
.....................................................................
.....................................................................
بل كل منهم مطيع بفعل ما غلب على ظنه، كالمجتهدين في جهات الكعبة إذا غلب على ظن أحد منهم ضد ما غلب على ظن الآخر، فإنه لا يعصى بترك ما غلب على ظن صاحبه، بل يعصى بترك ما غلب على ظنه، وكل واحد منهما حكم الله - تعالى - في حقه ما أدى إليه اجتهاده من الجهات، فكذلك أفعال المكلفين يكون الفعل الواحد حراما حلالا بالنسبة إلى شخصين، كما تكون الميتة حراما حلالا بالنسبة إلى شخصين: المختار والمضطر، ونزل الشرع ظنون المجتهدين منزلة أحوال المكلفين من الاضطرار والاختيار، فالظنان المختلفان كالصفتين من الاضطرار والاختيار، والكل طرق إلى الله تعالى وأسباب السعادة الأبدية.
وقولنا: ((إذا حصل له سببه)) احترازا من أن يجتهد المجتهد في أحكام الصرف ولا مال له، أو في الزكاة ولا نصاب عنده، أوفي الجنايات ولا مجنى له أو في الأقضية ولا حكم له، أوفي أحكام الحيض والعدد، وهو رجل لا يتأتى ذلك منه، لكنه بحيث لو حصل له ذلك السبب كان حكم الله - تعالى - في حقه بمقتضى ذلك السبب.
وينبغى أن يعلم أنه ليس من شرط الوجوب أن يكون ممكنا، بل قد يكون مستحيلا، كقولنا: إن كان الواحد نصف العشرة، فالعشرة اثنان، وهو كلام صحيح، فقد قال الله تعالى:{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} ، فغلبوا الفساد على وجود الشريك، وهو مستحيل، فعلى هذا قولنا:((إذا حصل له سبب)) يدخل فيه الممكن كمِلْك النصاب، والمستحيل عادة كأحكام الحيض، ونحوها في حق المجتهدين الرجال، ويصير القيد شاملا لجميع الأحكام.