الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظر الرابع
في البحث عن الموضوع له
وفيه أبحاث أربعة
الأول الأقرب أنه لا يجب أن يكون لكل معنى لفظ يدل عليه
بل ولا يجوز لأن المعاني التي يمكن أن يعقل كل واحد منها غير متناهية فلو وجب أن يكون لكل معنى لفظ يدل عليه لكان ذلك إما على الانفراد أو على الاشتراك والأول باطل لأنه يفضي إلى وجود ألفاظ غير متناهية.
والثاني باطل أيضا لأن تلك الألفاظ المشتركة إما أن يوجد فيها ما وضع لمعان غير متناهية أو لا يكون كذلك
والأول باطل لأن الوضع لا يكون إلا بعد التعقل وتعقل أمور غير متناهية على التفصيل محال في حقنا وإذا كان كذلك امتنع منا وقوع التخاطب بمثل ذلك اللفظ.
والثاني يقتضي أن تكون مدلولات الألفاظ متناهية لأن الألفاظ إذا كانت متناهية ومدلول كل واحد منها متناه فضم المتناهي إلى المتناهي مرات متناهية لا يفيد إلا التناهي فكان الكل متناهيا فمجموع ما لا نهاية له غير مدلول عليه بالألفاظ.
إذا ثبت هذا الأصل فنقول: المعاني على قسمين منها ما تكثر الحاجة إلى التعبير عنه ومنها ما لا يكون كذلك.
فالأول لا يجوز خلو اللغة عن وضع اللفظ بازائه لأن الحاجة لما كانت شديدة كانت الدواعي إلى التعبير عنها متوفرة والصوارف عنها زائلة ومع توفر الدواعي إلى التعبير عنها وارتفاع الصوارف يجب الفعل.
وأما الأمور التي لا تشتد الحاجة إلى التعبير عنها فإنه يجوز خلو اللغة عن الألفاظ الدالة عليها.
البحث الثاني:
في أنها ليس الغرض من وضع اللغات أن تفاد بالألفاظ المفردة معانيها.
والدليل عليه أن إفادة الألفاظ المفردة لمسمياتها موقوفة على العلم بكونها موضوعة لتلك المسميات المتوقف على العلم بتلك المسميات فلو استفيد العلم بتلك المسميات من تلك الألفاظ المفردة لزم الدور.
بل الغرض من وضع الألفاظ المفردة لمسمياتها تمكين الانسان من تفهم ما يتركب من تلك المسميات بواسطة تركيب تلك الألفاظ المفردة.
فان قلت: ما ذكرته في المفردات قائم بعينه في المركبات لأن المركب لا يفيد مدلوله إلا عند العلم بكون ذلك اللفظ المركب موضوعا لذلك المدلول وذلك يستدعي سبق العلم بذلك المدلول فلو استفيد العلم بذلك المدلول من ذلك اللفظ المركب لزم الدور.
قلت لا نسلم أن الألفاظ المركبة لا تفيد مدلولها إلا عند العلم بكون تلك الألفاظ المركبة موضوعة لذلك المدلول.
بيانه أنا متى علمنا كون كل واحد من تلك الألفاظ المفردة موضوعا لتلك
المعاني المفردة وعلمنا أيضا كون حركات تلك الألفاظ دالة على النسب المخصوصة لتلك المعاني فاذا توالت الألفاظ المفردة بحركاتها المخصوصة على السمع ارتسمت تلك المعاني المفردة مع نسبة بعضها إلى بعض في الذهن ومتى حصلت المفردات مع نسبها المخصوصة في الذهن حصل العلم بالمعاني المركبة لا محالة.
فظهر أن استفادة العلم بالمعاني المركبة لا تتوقف على العلم بكون تلك الألفاظ المركبة موضوعة لها والله أعلم
البحث الثالث:
في أن الألفاظ ما وضعت للدلالة على الموجودات الخارجية بل وضعت للدلالة على المعاني الذهنية
والدليل عليه أما في الألفاظ المفردة فلأنا إذا رأينا جسما من بعيد وظنناه صخرة سميناه بهذا الاسم فإذا دنونا منه وعرفنا أنه حيوان لكنا ظنناه طيرا سميناه به فإذا ازداد القرب وعرفنا أنه انسان سميناه به فاختلاف الأسامي عند اختلاف الصور الذهنية يدل على أن اللفظ لا دلالة له إلا عليها وأما في المركبات فلأنك إذا قلت قام زيد فهذا الكلام لا يفيد قيام زيد وإنما يفيد أنك حكمت بقيام زيد وأخبرت عنه ثم إن عرفنا أن ذلك الحكم مبرء عن الخطأ فحينئذ نستدل به على الوجود الخارجي فأما أن يكون اللفظ دالا على ما في الخارج فلا والله أعلم.
البحث الرابع:
في أن اللفظ المشهور المتداول بين الخاصة والعامة لا يجوز أن يكون موضوعا لمعنى خفي لا يعرفه إلا الخواص مثاله ما يقوله مثبتو الأحوال من المتكلمين أن الحركة معنى يوجب للذات كونه متحركاً.
فنقول المعلوم عند الجمهور ليس إلا نفس كونه متحركا فأما أن متحركيته حالة معللة بمعنى وأنها غير واقعة بالقادر فذلك لو صح القول به لما عرفه إلا الأذكياء من الناس بالدلائل الدقيقة ولفظة الحركة لفظة متداولة فيما بين الجمهور من أهل اللغة.
وإذا كان كذلك امتنع أن يكون موضوعا لذلك المعنى بل لا مسمى للحركة في وضع اللغة إلا نفس كون الجسم منتقلا لا غير والله أعلم.
قال القرافي: وفيه أبحاث البحث الأول: لا يجب أن يكون لكل معنى لفظ إلى آخره، عليه أربعة أسئلة:
الأول: على قوله: (بل ولا يجوز أن يكون لكل معنى لفظ)).
قلنا: لأنه يجوز أن يكون الواضع هو الله تعالى، وعلمه متعلق بما لا يتناهى، فيعلم من الألفاظ ما لا يتناهى، فيجعل بإرادته سبحانه وتعالى لكل معنى لفظا في علمه من غير أن يعلم بذلك الخلق، فإذا أراد الله تعالى إفهام بعض ذلك لخلقه أعلمه بالوحي أو بعلم ضروي.
الثاني: سلمنا أن الواضع هو الخلق، لكن لا نسلم الإمتناع.
قوله: (المعاني التي يمكن أن يعقل كل واحد فيها غير متناهية)).
قلنا: ما لا يتناهى له تفسيران:
أحدهما: ما ليس له غاية ولا طرف، كقولنا: معلومات الله غير متناهية وكقول الفلاسفة: الحوادث غير متناهية من جهة الأول.
فلهذه الأسباب، وغيرها اتفقوا على اتخاذ الأصوات المتقطعة معرفات للمعاني لا غير.
وثانيهما: ما له طرف وغاية، غير أنه لا يجب الوقوف عند تلك الغاية، ومنه قولنا: مقدورات الله - تعالى - غير متناهية، أي: لا غاية تصل إليها إلا ويمكن أن يوجد الله - تعالى - غيرها، ولا يجب الوقوف هنالك مع أن كل شيء توجده القدرة القديمة يجب أن يكون محصورا بين طرفين، لأن العالم حادث، وللمقدورات أول، ودائما لا بد نم الوصول إلى غاية، لكنه لا يجب الوقوف عندها، ومنه قولنا: نعيم الجنة غير متناه، أي: لا يصل إلى غاية إلا وينتقل بعدها لغيرها، وهو ذو طرفين دائما، فظهر الفرق بين المفهومين.
وإن معنى قولنا: معلومات الله غير متناهية، غير قولنا: مقدوراته غير
متناهية، وإن ماله غاية جيب الوقوف عندها مثل الحياة الدنيا، ونحوها متناهٍ بالتفسيرين، وإن أحد التفسيرين، وهو ماله غاية الا يجب الوقوف عندها متناهٍ بالتفسير الآخر، وإنه يقبل أن يسمى متناهيا وغير متناهٍ، وحيئذ الأقسام ثلاثة:
ما لا يقبل إلا أن يسمى متناهيا، وهو ما جيب الوقوف عند غايته كالحياة الدنيا.
وما لا يقبل أن يسمى إلا غير متناه وو ما ليست له غاية، ولا طرف كالمعولمات ووجود الله - تعالى - بالنسبة إلى الأزمان والآباد والدهور.
ومنه ما يقبل الأمرين كنعيم أهل الجنة والمقدورات.
إذا تقرر هذا فنقول: إذا فرعنا على أن الواضع هو الله - تعالى - كانت الألفاظ والمعاني غير متناهية، بمعنى عدم الطرف والغاية، وإن المعلوم منهما في العدم غير متناه لا طرف له، وكذلك كل نوع من أنواع معلومات الله - تعالى - كأفراد الإنسان، وأفراد الطعوم، بل كل نوع من الطعوم له أفراد في العدم معلومات لله - تعالى - غير متناهية، فحينئذ على هذا التقدير هما سواء، فدعوى الفرق باطلة.
وإن فرعنا على أن الواضع الخلق، فكلاهما غير متناه باعتبار أن كل متصور عمن القسمين متى وصلنا فيه إلى غاية لا يجب الوقوف عندها، بل بعدها غايات لا نهاية لها بهذا التفسير، فما من تصورات من المعاني يتصورها الإنسان كائنة ما كانت، إلا ويمكن أن يتصور بعدها أمثالها، وكذلك إذا فرضنا الحروف حرفين فقط القاف والصاد يمكن أن نتخيل قافا، وصادا، وقافا، وصادين، وقافا وثلاث صادات، ثم هلم جرا، وهذا من حرفين فقط، فكيف من ثمانية وعشرين، فالألفاظ أيضا غير متناهية بهذا
التفسير، وإن فسرنا غير المنتاهي بما لا طرف له كانا متناهين، فهما سواء على هذا التقدير، جزما فدعوى الفرق بينهما ممنوعة.
وقوله: إن كان الواضع على الإنفراد أفضى إلى وجود ألفاظ غير متناهية تعين، وهو محال ممنوع.
الثالث: على قوله: ((إذا توفرت الدواعي والصوارف وجب الفعل) ممنوع، لأنه فسر الدواعي بالحاجة، فإن فسر انتقاء الصوارف بالصوارف العادية، لم يتم مقصوده؛ لجواز عدم مساعدة الإرادة الربانية، وإن فسره بانتفاء الصوارف العقلية بحيث يندرج فيها الموانع العقلية، ويكون العقلد قد استجمع فاعله لكل ما لا بد له منه في إيقاع فعله فمن أين له ذلك؟ وإنه حصل في الأوضاع اللغوية في كل لفظة منه، ولعله نفي بعض المعاني ما حصلت فيها الإرادة الربانية، فهذا الوجوب غير متعين اللزوم، ثم يتأكد ذلك بما نقله جماعة من العلماء في تصانيفها من ان الفرس وضعت أسماء غير العرب، وتركتها العرب على حالتها.
فمنها من الأواني: الكُوز، والإبريق، والطّست، والخِوان، والطبق، والقصعة والسُّكرُّجة.
ومنها من الملابس: السمور، والسنجاب، والقماقم، والفَنَك، والدّلق، ولاخز، والديباج، والتأختج، والوجيح، والسندس.
ومنها من الجواهر: الياقوت، والفيروزج، والبِجَاد، والبَلُّور.
ومنها من المأكول: الخبز السميد، والدرمك، والجردق، والجرمازج، والكعك.
ومنها من الأطبخة: السكباج، والدوغباج، والمزيرباج والبارباج
والرماج، والاسبيدباج، والدخبرباج، والطباهج، والجردابج، والروذق، والهلام، والخامير، والفالوذج، والجواذب واليزماورد، والزماورد.
ومنها من الحلاوى: الفالوذج، والجوزينج، واللوزينج، والفوينج.
ومنها من الأشربة: الجلاب، والحلاب، والسكنجبين، والجلنجين، والمتة.
ومنها في الافاوية: الدراصيني، والفلفل، والكراويا، والقِرفة،
والزنجبيل، والخُولنجان.
ومنها من الرياحين: النرجس، والبنفسج، والنسرين، والخيري، والسوسن، والمرزنجوش، والياسمين، والجُلَّنار.
ومنها من الطيب: المسك، والعنبر والكافور، والصندل والقرنفل.