الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التقسيم الرابع
قال الرازي: الحكم قد يكون حكما بالصحة، وقد يكون حكما بالبطلان
، والصحة قد تطلق في العبادات تارة وفي العقود أخرى.
أما في العبادات، فالمتكلمون يريدون بصحتها كونها موافقة للشريعة، سواء وجب القضاء أو لم يجب.
والفقهاء يريدون بها ما أسقط القضاء، فصلاة من ظن أنه متطهر صحيحة في عرف المتكلمين، لأنها موافقة للأمر المتوجه عليه، والقضاء وجب بأمر متجدد، وفاسدة عند الفقهاء؛ لأنها لا تسقط القضاء.
وأما في العقود، فالمراد من كون البيع صحيحا: ترتب أثره عليه.
وأما الفاسد: فهو مرادف للباطل عند أصحابنا.
والحنفية جعلوه قسما متوسطا بين الصحيح والباطل، وزعموا أنه الذي يكون منعقدا بأصله، ولا يكون مشروعا بسبب وصفه كعقد الربا، فإنه مشروع من حيث إنه بيع، وممنوع من حيث إنه يشتمل على الزيادة.
والكلام في هذه المسألة مذكور في الخلافيات؛ ولو ثبت هذا القسم لم نناقشهم في تخصيص اسم الفاسد به.
ويقرب من هذا الباب البحث عن قولنا في العبادات: إنها مجزية أم لا؟
واعلم أن الفعل إنما يوصف بكونه مجزيا؛ إذا كان بحيث يمكن وقوعه
بحيث يترتب عليه حكمه، ويمكن وقوعه بحيث لا يترتب عليه حكمه، كالصلاة والصوم والحج.
أما الذي لا يقع إلا على وجه واحد؛ كمعرفة الله تعالى ورد الوديعة، فلا يقال فيه إنه مجزىء أو غير مجزىء.
إذا عرفت هذه فنقول: معنى كون الفعل مجزيا: أن الإتيان به كاف في سقوط التعبد به، وإنما يكون كذلك لو أتى المكلف به مستجمعا لجميع الأمور المعتبرة فيه من حيث وقع التعبد به.
ومنهم من فسر الإجزاء بسقوط القضاء، وهو باطل؛ لأنه لو أتى بالفعل عند اختلال بعض شرائطه ثم مات، لم يكن الفعل مجزيا مع سقوط القضاء.
ولأن القضاء إنما يجب بأمر متجدد؛ على ما سيأتي بيانه، إن شاء الله تعالى
ولأنا نعلل وجوب القضاء بأن الفعل الأول لم يكن مجزيا فوجب قضاؤه والعلة مغايرة للمعلول.
قال القرافي: قوله: ((الحكم قد يكون بالصحة، وقد يكون بالبطلان إلى قوله: في الإجزاء)).
اعلم أن الفقهاء، والمتكلمين اتفقوا على الأحكام، إنما الخلاف في لفظ وضع الصحة لماذا؟ فاتفقوا على أن المصلى محدثا بظن الطهارة أنه مثاب، وأنه وافق أمر الله تعالى؛ لأن الله - تعالى - أمره أن يصلي صلاة يغلب على ظنه طهارتها، وقد فعل، وأنه لا يجب عليه القضاء إذا لم يذكر الحدث، وأنه يجب عليه القضاء إذا ذكر، فالأحكام كلها متفق عليها، إنما الخلاف هل يوضع لفظ الصحة لمثل هذا؟ أو لما يكون صحيحا في نفس الأمر مستكملا لشروط في علم الله تعالى، واصطلاح الفقهاء أنسب للغة؛ لأن الآنية متى كانت صحيحة من جميع الجوانب إلا من جانب واحد فهي
مكسورة لغة، ولا تكون صحيحة لغة حتى لا يتطرق إليها الخلل من جهة ألبتة، وهذه الصلاة يتطرق لها الخلل من جهة وهي جهة ذكر الحدث، فلا تكون صحيحة، بل المستجمع لشروطه في نفس الأمر هو الصحيح عند الفقهاء، وهو المناسب للغة.
وقوله: ((الصحة في العقود ترتب آثارها عليها)).
معناه: المكنة من الأكل والبيع، والهبة، والوقف، ونحوه وأثر كل عقد على حسبه، فأثر البيع ما تقدم، وأثر الإجارة التمكن من المنافع وفي القراض عدم الضمان، واستحقاق الربح، وفي النكاح التمكن من الوطء، والطلاق، إلى غير ذلك من أنواع العقود، وإذا كان لكل عقد أثر يخصه، وجمع بينهما بلفظ الأثر، وكان يجمع بين العبارة والعقود بلفظ واحد، ويقول: للصحة مطلقا ترتب الأثر على الثصحيح، وفي العبادات براءة الذمة، وسقوط الأمر لو سقط القضاء على الخلاف، وفي العقود ما تقدم فيستريح الطالب من حفظ شيئين يظنهما متباينين، ويكثر عليه الغلط، ولعله إنما أفررد العبادات ليحكي الخلاف فيها بين الفقهاء والمتكلمين، ولم يختلفوا في العقود ذلك الاختلاف، وما ذكره الحنفية مناسب للغة أكثر؛ لأن الطعام إذاتغير مع بقائه يقال لها في اللغة: فسدت؛ وإن كانت عينها باقية، أما إن ذهب الطعام بأن أكله حيوان، أو الثمرة بأن أكلت أوسرقت، لا يقال: فسدت، بل هلكت، وبطلت، فظهر أن الفساد لا يطلق إلا حيث يكون للعين ثبوت من وجه.
إذا تقرر هذا فإذا باع رشيد من رشيد عرضا أو طعاما بخمر لم تتقرر
........................................................................
حقيقة العقد شرعا؛ لأن الحقيقة كما تبطل لذهاب جميع أجزائها تبطل لذهاب أحد أجزائها، وقد ذهب أحد أركان العقد، وهو أحد العوضين بطل شرعا، فتكون حقيقة العقد منفية شرعا لانتفاء جزئها شرعا، فيقال له: باطل عندهم.
أما إذا باع رشيد من رشيد فضة بفضة، فقد حصلت الأركان الأربعة معتبرة شرعا، فتكون حقيقة العقد ثابتة شرعا لثبوت جميع أجزائها شرعا، وأحد الأركان حصلت فيه صفة وهي الزيادة، وهي منشأ الفساد ولاتحريم، فعلى هذا تكون عقود الربا كلها إذا وقعت على هذه الصورة كانت لفائدة لا باطلة، لبقاء الحقيقة وثبوتها شرعا لثبوت جميع أركانها شرعا، كالطعام إذا عرض له الحمض المفسد، وهذا توجيه صحيح يؤيد الحنفية، غير أن في كتاب الله - تعالى - ما يبطل ذلك، وهو قوله تعالى:((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)) فسمى السموات والأرض فاسدة على تقدير