الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفقه ليس كذلك، بل تعريف الأصل ونسبته إلى الفقه، وأما الفقه فلا، وهذا هو السر في أن أصول الفقه قد يوجد بدون الفقه، وفي قوله: هذا أصولى، وليس بفقيه؛ لأن الفقه لم يدخل في حقيقة الأصول، بل النسبة فقط، كقولهم: غذاء الإنسان، ونومه، ومسكنه، لم يدخل الإنسان في شىء من تلك الحقائق، بل النسبة إليه فقط.
تنبيه
وفي ((الحاصل)) سكت عن قوله: لا من كل وجه، بل من الوجه الذي يصح التركيب فيه، فيسقط عنه السؤال الثالث، ويرد عليه أنه أهمل، كيف يعرف جزآه؟ فيبقى الكلام دائرا بين ما هو شرط، وهو الوجه الذي يقع منه التركيب، وما ليس بشرط، وهو معرفة الجزء من غير ذلك الوجه.
وقال سراج الدين: من حيث يصح تركيبها، فلا يرد عليه شىء مما ورد على تاج الدين، ولا على الإمام في السؤال الثالث.
وقال التبريزى لا بد من معرفة الأصول والفقه، ومعرفة وجه الإضافة، ولم يذكر الوجه الذي يقع منه التركيب، بل عبر عنه بوجه الإضافة، فهو نحو من ((الحاصل))، وسكت ((المنتخب)) عن هذه المسألة بالكلية.
قوله: ((الأصل هو المحتاج إليه))
تقريره: أن الأصل والفقه لما احتاج إلى تعريفهما، وهما لكل واحد منهما معنى في اللغة، ومعنى في اصطلاح العلماء، احتاج إلى تعريف هذه المعانى الأربعة، فهذا الذي ذكره هو معنى الأصل في اللغة عنده؛ لأن أصل السُّنبلة بُرّة، وهي تحتاج إليها، وأصل النخلة نواة وهي يحتاج إليها، وأصل الإنسان نطفة، وهو محتاج في تخليقه إليها، ولا شك أن كل أصل يُحتاج إليه، غير أن كل حقيقة كما يحتاج لأصلها يحتاج لشرطها، وانتفاء مانعها والشروط وعدم الموانع ليست أصولا لتلك الحقائق.
فكما تحتاج السنبلة للبرة تحتاج للهواء اللَّين والندى المتواصل، وعدم دابة تقلعها من أصلها، وعدم عَفَن يحصل لها من منبتها، ولا يقال: أصلها الهواء، ولا عدم الحيوان المهلك، وكذلك الإنسان يحتاج لهواء يتنفس فيه، وقوت يغذيه، وبيت يؤويه، وثوب يحميه، ولا يقال: أصله الهواء ولا الثوب، فالحاصل أن كل أصل مُحتاج إليه، ليس كل محتاج إليه أصلا،
فيكون حده جامعا ليس مانعا؛ لاندراج حصول الشرائط، وانتفاء الموانع فيه، وليست أصولا، ووافقه على هذا التفسير سراج الدين، وصاحب ((المنتخب))، وتاج الدين غيَّرَ الحد فقال: أصل الشيء ما منه الشيء، فلا يَردُ عليه الشروط، وعدم الموانع؛ لأن الشروط ليس من شرطه، ولا من عدم مانعه، فهذا هو الباعث له على التغير في ظاهر الحال، ويرد عليه سؤالان:
أحدهما: أنَّ ((مِنْ)) لفظ مشترك بين ثمانية معانٍ، كما تقرر في كتب النحو: ابتداء الغاية وانتهاؤها وغير ذلك، والمشترك يمتنع وقوعه في الحدود لإجماله، والحدود مرادة للبيان.
وثانيهما: سلمنا أن الاشتراك ليس مانعا، لكن معانيها كلها لا تصح في هذا الموضع.
أما ابتداء الغاية، فيصير معنى الكلام: كل ما منه ابتداء الغاية فهو أصل، وليس كذلك، كقولك: سرت من ((مصر)) إلى ((مكة))، وليس ((مصر)) أصل السير في اللغة.
وأمَّا انتهاء الغاية كقولك: رأيت الهلال في دارى من خلال السَّحاب، فانتهاء رؤيتك إلى السحاب على ما قاله البعض.
وقال آخرون: بل ابتدأت الرؤية من السحاب، فتكون لابتداء الغاية لا لانتهائها، ومثله شممت المِسْكَ في دارى من السوق، وعلى الأول ليس السحاب أصل رؤيتك لغة، وأما التبعيض فلأن معناه أن المجرور بـ ((مِن)) كل، والمتعلق بالمجرور جزؤه، كقولك: قبضت من الدراهم عشرة فالعشرة بعض المال، والمال أكثر منه، ولا يصدق فيما هو أصل لغة أنه أكثر، فإن البرة ليست أعظم من السنبلة، وليست السنبلة جزءا منها بل السنبلة مؤلفة من أجزاء مخلوقة لله تعالى، إما من الماء والتراب أو غيرهما قدر البرة
مرارا كثيرة وأجزاء البرة كلها إلا قشرها، نبتت من السنبة فالقضية بالعكس السنبلة كل والأصل بعض، وكذلك النواة في النخلة والنطفة في الإنسان وأما بيان الجنس نحو قوله تعالى:{فاجتنبوا الرجس من الأوثان} .
وقولنا: خاتم من فضة، وباب من الساج، فلأن معناه أن الأول أعم من المجرور فبين المتكلم أن المراد من ذلك العام هذا المخصوص، وأنه ليس مراده مطلق الباب، بل الباب الكائن من السَّاج، وكذلك بقية الصور.
والأصل في اللغة لا يمكن وجود فرعه بدونه، فلا توجد السنبلة من غير بُرَّة، ولا إنسان من غير نطفة في جارى عادة الله، وقد تنخرق العادة كما في آدم، وعيسى عليهما السلام، لكن اللغة إنما وضعت للعادة لا لما خرقها، وإذا بطل معنى العموم بطل بيان الجنس.
وأما الزيادة لتأكيد العموم نحو: ما جاءنى من أحد.
أو تنصيص العموم نحو: ما جاءنى من رجل.
أو بمعنى ((عند)) نحو: قوله تعالى: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة .... يخلفون} أو غيرها مما ذكره النحاة فبعيد جدا عن هذا الموطن، وإنما بينت الذي يقرب لتوهم إرادته، أما البعيد جدا فلا أطول بذكره.
قال الآمدىُّ: أصل الشىء ما يستند تحقق ذلك الشى إليه، وينبغي أن يقول: في مجرى العادة، وإلا فيشكل عليه الخالق العالم سبحانه وتعالى، فإن وجود كل شىء يستند إليه، ولا يسمى في اللغة أصلا للبرة ولا لغيرها، بل يقال له تعالى: خالق ولا يقال: أصل.
وقال أبو الحسين في ((شرح العمد)): ((أصل الشرع ما بينى عليه غيره)) وهي أشد من العبارة الأولى.
قوله: ((الفقه في اللغة: فهم غرض المتكلم من كلامه)).
يرِدُ عليه أن المنقول عن اللغة، أن الفقه هو مطلق الفهم.
قال المازرى في ((شرح البرهان)): الفقه، والفَهْم، والطِّب، والشِّعر، والعِلم، خمس عبارات لمعنى واحد، غير أنه اشتهر بعضها في بعضه أنواع الفهم، فاشتهر الطِّب في معرفة أحوال مِزاج الإنسان، والشِّعر في معرفة الأوزان، والفقه في معرفة الأحكام، وإلا فالعرب تقول: رجل طبيب إذا كان عالما.
قال الشاعر [الطويل]:
وإن تَسْألُونِى بِالنِّسَاءِ فَإنَّنِى
…
خَبِيرٌ بِأَدْوَاءِ النِّسَاءِ طَبيبُ
أي عارف، وقال الله تعالى:{ولكن لا تفقهون تسبيحهم} ، أى لا تعرفون، وقال عليه السلام:((رُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَن هُوَ أفقهُ مِنْهُ)) الحديث، أى أفهم.
إذا تقرر هذا، فحدّه حينئذ غير جامع لخروج فهم الصنائع وغيرها منه، وتقول العرب: فلان يفقه الخير والشر، وهو عكس حده للأصل، فإنه كان غير مانع فكان ينبغى أن يقول: هو في اللغة الفهم، كما قال غيره، ووافقه ((المنتخب)) على ذلك، وسكت سِراجُ الدين وتاج الدين عن هذا التفسير جملة ولم يذكراه البتة.
((فائدة))
قال الشيخ أبو إسحاق في ((شرح اللمع)): الفقه في اللغة: فهم
الأشياء الدقيقة، ولذلك تقول: فهمت كلامك، وفقهته، ولا تقول: فقهت أن السماء فوقنا والأرض تحتنا، وقاله غيره أيضا، وعلى هذا لا يكون مرادفا للعلم كما قاله المَازِرى، بل مباين، ومسماه بعض أنواع مسمى العلم.
((فائدة))
قال ابنُ عَطيَّة في ((تفسيره)): يقال: فَقَهَ وَفَقِهَ وَفقُه - بفتح القاف وكسرها وضمها.
فبالفتح إذا سبق غيره للفهم، كَوزْن غَلَبَ.
وبالكسر إذا فهم.
وبالضمِّ إذا صار الفِقْهُ له سجيةً، فيكون على وزن فَعُلَ بالضم؛ لأنه شأن أفعال السَّجَايا الماضية نحو ظَرُفَ فهو ظريف، وشَرُفَ فهو شريف، وكَرُمَ فهو كريم.