الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النظر الأول
في البحث عن ماهية الكلام
اعلم أن لفظة الكلام عند المحققين منا تقال بالاشتراك على المعنى القائم بالنفس وعلى الأصوات المتقطعة المسموعة.
والمعنى الأول مما لا حاجة في أصول الفقه إلى البحث عنه إنما الذي نتكلم فيه القسم الثاني
فقال أبو الحسين الكلام هو المنتظم من الحروف المسموعة المتميزة المتواضع عليها وربما زيد فيه فقيل إذا صدر عن قادر واحد.
أما قولنا المنتظم فاعلم أنه حقيقة في الأجسام لأن النظام هو التأليف وذلك لا يتحقق إلا في الأجسام ولكن الأصوات المتوالية على السمع شبهت بها فأطلق لفظ المولف والمنتظم عليه مجازا.
وقولنا من الحروف احترزنا به عن الحرف الواحد فإن أهل اللغة قالوا أقل الكلام حرفان إما ظاهرا وإما في الأصل كقولنا ق، ش، ع، فإنه كان في الأصل قي وشي وعي ولهذا يرجع في التثنية إليه فيقال قيا عيا إلا أنه أسقط الياء للتخفيف.
وقولنا المسموعة احتراز عن حروف الكتابة وقولنا المتميزة احتراز عن أصوات كثير من الطيور
وقولنا المتواضع عليها احتراز عن المهملات.
وقولنا إذا صدر عن قادر واحد احتراز عما إذا صدر كل واحد من
حروف الكلمة عن قادر آخر نحو أن يتكلم أحدهم بالنون من نصر والثاني بالصاد والثالث بالراء فإن ذلك لا يسمى كلاما.
واعلم أن هذا الحد يقتضي أمرين:
أحدهما: كون الكلمة المفردة كلاما وهو قول الأصوليين.
والنحاة أجمعوا على فساد ذلك وقالوا إن لفظ الكلام مخصوص بالجملة المفيدة ونقلوا أيضا فيه نصا عن سيبويه وقول أهل اللغة في المباحث اللغوية راجح على قول غيرهم.
الثاني: أن قوله أقل الكلام حرفان إما ظاهرا أو في الأصل يشكل بلام التمليك وباء الالصاق وفاء التعقيب فإنها أنواع الحرف الذي هو قسيم الاسم وكل حرف كلمة وكل كلمة كلام مع أنها غير مركبة.
فإن قلت الحركة في الحقيقة حرف فإذا ضمت الحركة إلى الحرف كان المجموع مركبا.
قلت هذا على بعده لو قبلناه بقي الإشكال بالياء من غلامي ونون التنوين ولام التعريف فإنها حروف مفردة خالية عن الحركات وهي مفيدة.
فالأولى أن نساعد أهل النحو ونقول كل منطوق به دل بالاصطلاح على معنى فهو كلمة.
فهذا يتناول الحرف الخالي عن الحركة والحرف المتحرك والمركب من الحروف.
وأما الكلام فهو الجملة المفيدة وهي إما الجملة الاسمية كقولنا زيد
قائم أو الفعلية كقولنا قام زيد وإما مركب من جملتين وهي الشرطية كقولك إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود.
قال ابن جني: الكلام يخرج عن كونه كلاما تارة بالنقصان وتارة بالزيادة:
أما بالنقصان فإذا قلت قام زيد ثم أسقطت اسم زيد واقتصرت على مجرد قولك قام لم يبق كلاما.
وأما بالزيادة فإنك إذا أدخلت على تلك الجملة صيغة الشرط حتى صارت هكذا إن قام زيد فإنه لأجل هذه الزيادة خرج عن كونه كلاما لأنه لا يكون مفيدا ما لم يضم اليه غيره.
قال القرافي: قوله: لفظ الكلام مشترك بين الأصوات والكلام النفساني فيه ثلاثة مذاهب:
قيل: حقيقة في اللساني، لأنه المتبادر للفهم عند قولنا: تكلم فلان، أو لم يتكلم، وقيل: في النفساني كقول الأخطل [الكامل]:
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما
…
جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وقل: هو مشترك بينهما، وهو المشهور كما حكاه، وكذلك إمام
الحرمين جمعا بين المدركين، وهذا الخلاف ليس خاصا بلفظ الكلام، بل وكل ما يتعلق به من الأمر والنهي، والخبر والتصديق، والتكذيب ونحو ذلك من عوارض الكلام.
وقوله: ((والمعنى الاول يعني النفساني لا حاجة في أضول الفقه للبحث عنه)).
معناه: لا حاجة في البحث عن إثباته، وإلا فلا بد منتتصوره حتى يعتقد أن اللفظ موضوع للطلب النفساني، وأن أصول الفقه كله إنما هو أدلة الأحكام كلها من الكلام النفساني، فلا بد من تصوره في جميع هذه المدارك لكن التصديق به إنما يستفاد من علم أصول الدين.
قوله: ((وقولنا: من الحروف احترزنا به عن الحرف الواحد)) لا يستقيم؛ لأن الحرف الواحد يصدق عليه أنه من الحروف، بل إنما يستقيم الإحتراز بقوله: المنتظم فإن الانتظام في الحرف الواحد محال أو بغير عبارته، ويقول: هو الحروف المنتظمة.
وأما إذا قال: المنتظم من الحروف حصل الإحتراز بالمنتظم لا بقوله من الحروف، ثم استشهاده بقول العرب:((قِ عِ شِ)) يبطل كلامه، فإن الحروف الأصلية لم ينطق بها، وما لم ينطق به كيف يوصف بأنه منتظم مع المسموع؟
بل ينبغي له على هذا التقدير أن يقول: المنتظم من الحروف إلى آخره، ثم يزيد في الحد ظاهرا أو في الأصل، وقول العرب: وأصله وقَى يقي
حذفت الواو من أوله في المضارع لوقوعها بين ياء وكشرة، وحذفت الياء من آخره علامة الجزم بالأمر، فبقيت القاف وحدها، وكذلك وشي يشي، ووعي يعي من الوعي، ولاوشي الذي هو لارونق، ووشي الثوب علمه، ومنه الواشي؛ لأنه يزين الكلام عند من يشى إليه، ووعى من الوعي، وهو الضبط، ومنه وعيت كلامك إذا فهمته جيدا، وكذلك "فِ) من الوفاء، و"لِ" من الولاء، ومنه قول الحاة في ألغازهم [الوافر]:
أقول لِخالدًا يا عمرو لما
…
علت نابي السيوف المرهفات
فيظهر للسامع في لِ زيدا أنه حرف جر ونصب به فيشكل، ويفهم من قولهم: بالسيوف جارا ومرفوعا، وإنما مرادهم أنه أمر عمرا أن يلى زيدا في صف القتال أي: يكون بجنبه لما علت ناب هذا القائل السيوف أي علت رأسه، وهو كثير في الأفعال المعتلة الأول والآخر، وإنما رجعت الياء في تثنية الفاعل، فقيل: عيا وليا؛ لأن الياء إنما حذفت ليكون حذفها علامة للوقف، فإذا حصلت تثنية الفاعل صار علامة الوقف حذف النون، لأنها علامة الجزم في خمسة أمثلة: تفعلان، ويفعلان، وتفعلون، ويفعلون وتفعلين، وأصل عيا عيان، وكذلك بقيتها.
وقوله: "سقطت الياء للتخفيف" عبارة فيها بعد عن اصطلاح النحاة، فإن ما حذفه مقصود للدلاة على الجزم والنصب أول لغيره لا يقال فيه: تخفيف، إنما يقال: حذف للتخفيف إذا حذف الشيء لا لمقصد يخصه، كما حذف التنوين ولانون من اسم الفاعل إذا أضيف لما فيه لام التعريف، نحو: زيد ضارب عمرو غدا، أو الزيدون ضاربو عمرو غدا.
وقوهل: "قولنا: المتميزة احترازا عن كثير من أصوات الطيور" لا يتم؛ لأن الطير إنما يفسر الحروف كما يحكي عن "الدرة " وغيرها، أو لا
يفسرها، كما يقال عن الهدهد، يقول في صياحه: كذا سبب، والقمري يقول في صياحه: اذكروا ربكم، وغير ذلك.
والأول لا حاجة للاحتراز عنه، فإنه عند العرب متكلم، ونطقه كلام، وأجزاؤه حروف ز
والقسم الثاني: لا يصدق أنه نطق بحرف، بل السامع يتوهم في ذلك المسموع أمورا يمكن أن تفسر بحروف لا أنها حروف، ولا يتناولها لفظ الحروف لغة، فلا يحتاج إلى إخراجها بهذا القيد، فيكون هذا القيد حشوا لا يليق بالحدود.
وقوله: وقولنا: ((المتواضع عليها)) احترازا من المهلمات في غاية الإشكالات، لأن هذا القيد يخرج الكالم كله من حد الكالم، وذلك أن العرب وضعت "قاف"مثلا للحرف الأول من قال، و"ألفا" للثاني منه، و"لاما" للثالث منه، وكذلك بقية حروف ألف، باؤ، تاء، ثاء، الثمانية والعشرون.
قال صاحب "الكشاف": ومن حكمة هذه المواضع أنهم جعلوا مسمى كل اسم في أوله إلا الأل ما أمكن جعله في اول اسمه، لأنه ساكن، والإبتداء بالساكن متعذر، فعوضوه بما يشاكله وهو الهمزة، وقال: ليست مركبة من قاف وألف ولام وإلا كان قال: تسعة أحرف، فإن كل واحد منها ثلاثة أحرف وإنما ركبت العرب "قال" من مسميات هذه الأحرف لا منها، فظهر حينئذ أن الكلام كله إنما هو مركب من مسميات الحروف، وتلك المسيمات لم تضع العرب واحدا منها لشيء بل المجموع.
قال: هو الموضوع، أما كل حرف منه فلا، فحينئذ الكلام إنما هو مركب
من الحروف المهلمة لا من الموضوعة، فخرج جيمع الكلام عن حد الكلام، فيبطل الحد ضورة لاشتراطه الوضع وعدم الإهمال والواقع الإهمال، فإن قلت: أحمل وقله: المهملة علىنها أهملت أن توضع لها لا أنها أهملت أن توضع في نفسها، ولا شك أن الحروف منها ما وضع لها كما تقدم، ومنها ما لم يوضع له كالحرف المركب من الباء والفاء في انحو: أغرافيا الذي عرفه الناس، وقالوا: جغرافيا، والمركب من الجيم والشين في نحو: نفشواني، فصيرت السين جيما كما صيرت الفاء في المثال الأول باء ونحو ذلك، وقد انتهت أوضاع العرب كما حكاه الزمخشري في "المفصل" وغيره إلى نيف وثلاثين حرفا وضعت لها، منها مشهور في الإستعمال وهو الثمانية والعشرون، ومنها قليل الاستتعمال نحو: التي بين القاف والكاف، وهو مبسط في كتب النحو.
وأخبر بعض المؤرخين أن بعض الطوائف لا يتكلمون إلا بتسعة أحرف فيقولون: خل أخمر بالخاء فيهما، ويسقطون الحاء المهملة، وعلى هذه الطريقة يستقيم كلامه.
قلت: المتبادر إلى الفهم من المهملة هو أنها لم توضع، وإرادة مثل هذا في الحد إلغار، وتحديد بما لا يفهم فلا يجوز، سلمنا أنه لا يخفي وأنه يتبادر للفهم، لكن لا نسلم أن تلك الحروف ما وضع لها، بل وضعوا للفاء في المثال الأول باء مشربا فاء، ووضعوا جيما في المثال الثاني مشربا سين، وبالجملة فهذا الموضوع - كما ترى - عويص.
قوله: "وقولنا: إذا صدرت عن قادر واحد احتززنا عن صدور كل حرف من قادر))، يرد عليه أن هذا يمنع أن يسمى منتظما، بل هو مفترق، فقد خرج بقيد الإنتظام، ثم اشتراط القادر يصير الحد غير جامع؛ فإن القادر لا يتصور [إلا] في حي له إرادة وقدرة، والكلام قد يحصل من
الجماد، فإن الأصوات والحروف لا يشترط فيها الحياة، فإنها رياح تنضغط في مجار، وهذا المفهوم يتأتي في الجماد.
وقد أخبرت عن القاضي الفاضل وزير الملك الناصرصلاح الدين، أنه جاءه رجل فقال له: عندنا صنم يتكلم، فذه ب إلأيه معه، فوجد صنما من رخام أحمر قد أتى عليه الرمل إلا رأسه وهو ساكت.
فقال له الفاضل: ما له لا يتكلم؟ فقال له: تريد ذلك؟ فقال: نعم، فوضع الرجل إصبعه على ثقب في وسط رأسه، ولاريح يخرج نمه خروجا شديدا، فمنع الريح من الخروج حتى تغمر باطن الصنم به، ثم فتح ذلك الثقب، فشرع الريح يخرج، وجعل الصنم يقول: هاتان المدينتان كانتا لشداد وشديد ابني عاد، ماتا وصارا إلى التراب، من ذا الذي يبقى على الحدثان؟ وطول في الحدثان تطويلا شديدا حتى فرغ الريح من جوفه، ثم أعاد سد ذلك الثقب، فأعاد القول بعينه مرارا، وهو لا يزيد على ذلك، ولا ينقص، وسر ذلك أن الكلام أصله الريح، الذي هو النفس، فإذا ضغطه الإنسان حدث الصوت منغير حرف، فإن قطع ذلك الصوت في مقطع مخصوص حدث الحرف المناسب لذلك المقطع، فصار الصوت عارضا للنفس، والحرف عارا للصوت، لكن يشترط في المجري ملوسة خاصة وصقال خاص، فإن تغيير بطل الكلام، ألا ترى أن الإنسان إذ خشن حلقه
بكثرة الصياح اقنطع كلامه، أو بكثرة الرطوبة كما في النزلات الباردة انقطع كلامه أيضا، فمن استطاع أن يصننع مجرى على هذه الصورة تأتي له أن يتحيل على هذا الكلام من الجماد، فعامل هذا الصنم صنع هذا المجرى، وسطل عليه الريح من مكان ينزل منه، ويخرج من رأس هذا اصنم، وإذا سد الثقب انبعث الهواء في ذلك المجرى المصنوع، فإذا فتح الثقب شرع الهواء يخرج من ذلك المجرى، ويتقطع في مقاطع وضعت لفيه، فتحدث حروف في تلك المقاطع، فوضع في ذلك الصنم مقاطع حروف تلك الكلمات فقط.
وكذلك بلغني أن الملك الكامل وضع له شمعدان، كلما ضمى من الليل ساعة انفتح باب منه، وخرج منه شخص يقف في خدمة السلطان، فإذا انقضت عشر ساعات طلع شخص على أعلى الشمعدان وقال: صبح الله السلطان بالسعادة، فيعلم أن الفجر قد طلع، وعملت أن هذا الشمعدان وزدت فيه أن الشمعة يتغير لونها في كل ساعة، وفيه أسد تتغير عيناه من السواد الشديد إلى البياض الشديد، ثم إلى الحُمرة الشديدة في كل ساعة لهما لون، فيعرف التنبيه في كل ساعة، وتسقط حصاتان من طائرين، ويدخل شخص، ويخرج شخص غيره، ويغلق باب ويفتح باب، وإذا طلع الفجر طلع شخص على أعلى الشمعدان وإصبعه في أذنه يشير إلى الأذان،
غير أني عجزت عن صنعة الكلام، وصنعت أيضا صورة حيوان يمشي ويلتفت يمينا وشمالا ويصفر ولا يتكلم.
وبالجملة فاتفق القلاء على أن الأصوات لا تفتقر للحياة، وإذا نطق الجماد بالكالم فهو كلام عند العرب، ولم يندرج في الحد.
قوله: " واعلم أن هذا يقتضي أن [تكون] الكلمة المفردة كلاما " ممنوع بل بعض ما هو كلمة كلام، فإن من جملة الكلمات حروف المعاني البسيطة نحو: كاف التشبيه، ولام التمليك، ونحوهما، غير مندرج في حده، لأنه اشترط تعدد الحروف.
قوله: "أجمع الأصوليون على فساده، وقالوا: الكالم الجملة المفيدة، ونقلوا فيه نصا عن سيبويه، وقول أهل اللغة في المباحث اللغوية مقدم على غيرهم ".
هذا الكلام يشعر بأن التفسيرين أريد بهما الكلام اللغوي لقوله في المباحث اللغوية: ورأيت أكثر من رأيته من فضلاء النحاة يقول: إن قول النحاة: إن الكلام هو الجملة المفيدة، هو حده في الإصطلاح لا في اللغة، وعلى هذا لا تيجه كلامه أن قولهم مقدم، لانه لا تعارض حينئذ؛ فإن أحدهما لغوي والآخر اصطلاحي، ولا يتجه قوله: إن النحاة أجمعوا على فساده، فإن القوم حينئذ اصطلحوا لأنفسهم، ولم يتعرضوا لفساد اللغوي ألبتة، وبعض النحاة يقول: التفسيران للمسمى اللغوي، وكذلك حكاه ابن بُرهان في كتاب "الاوسط ".
قال أبو البقاء القولين عن اللغوي، وحكى أن غير لمفيد سمي كلاما
عن شرذمة قليلة من النحاة، ويحتج لذلك أن الكلام مشتق من الكلام بكسر الكاف التي هي الجراح، ووجه الاشتقاق أن الجراح منها ضار كالجراح المفسدة، ونافع كالفصاد عند الحاجة، وكذلك الكالم المفيد منه نافع سار، ومنه مؤذ ضار، وهو احتجاج حسن، وهو على هذا يتجه كلام المصنف اتجاها قويا.
وأعجبني قول القائل في هذا الاشتقاق [الطويل]:
دع الكبر واجنح للتواضع تستمل حِباب منيع الود صعب مرامه
وداو بلين ما جرحت بغلظة وطيب كلام المرء طب كلامه
فجمع بين الكلام والكلام والطيب والطب.
وقوله: " إن حده يبطل بلام التمليك، وياء الإضافة، ونحوها " ممنوع فإنه ما التزم أن كل كلمة كام، بل تعرض لحد الكلام فقط، فكل ما تناوله حده يلزمه أن يسمى كلاما ومالا فلا، والحروف البسيطة لم يتناولها حده لاشتراطه العدد في الحروف، فلا يندرج.
وقوله: " فإن قلت: الحركة في الحقيقة حرف".
هذا السؤال له مستند من جهة اللغة، فإن النحاة قد قالوا: إن الثلاثي الساكن الوسط ينصرف، والثلاثي المحرك الوسط نحو سقر لا ينصرف لقيام
حركة وسطه مقام الحرف الرابع، وكذلك نصوا عليه في فروع في باب النسب، ثم جوابه عن هذا السؤال مندفع بما تقدم في تحقيق الحد.
وقوله: "كل منطوق به دال بالإصطلاح على معنى ".
فكلامه يقتضي إندراج الكلام في حد الكلمة؛ لأن الجملة المفيدة منطوق به دل بالإصطلاح على معنى، وورود هذا السؤال يتوقف على تحرير قاعدة تأتي إن شاء الله في باب المجاز المركب: هل هو عقلي أم لا؟، وهي أن العرب هل وضعت المركبات كما وضعت المفردات وهو الحق أم لا ظ فعلى تقدير عدم وضعها المركبات يندفع السؤال؛ لأن لكلام حينئذ ما دل بالإصطلاح.
وقوله: "بالإصطلاح" احتراز عن المهملات، فإنها تدل بالعقل على أن الناطق بها جسم وممكن إلى غير ذلك، ولا تسمى كلمة؛ لأن المهمل لا يصد عيله أنه اسم، ولا فعل، ولا حرف، وما سلب عنه الثلاثة لاي كون كلمة في اصطلاحهم، لحصرهم الكلمة في الأقسام الثلاثة، بل يجري ذلك مجرى الأصوات.
وقوله: " وأما الكلام فهو الجملة المفيدة " عليه سؤالان:
السؤال الأول: أنه لم يذكر الإصطلاح، فيرد عليه المهملات؛ فإنها جملة مفيدة كما تقدم، وليست كلاما.
السؤال الثاني: أن الجملة تصدق على الكلمة، لأنها جملة حروف، وهي غير مفيدة تصورها مسماها، فتندرج الكلمة في حد الكلام، كما اندرج الكلام في حد الكلمة.
فإن قلت: الجملة في اصطلاح النحاة لا تدصق على الكلمة، وهو يتكلم