الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محال)) لا يستقيم إلا أن يكون فاعل القبيح غير الله تعالى، والله - تعالى - هو الذام، وعبارة الإمام أقرب لهذا من عبارة ((الحاصل)).
((تنبيه))
قال أبو الحسين في ((المعتمد)): أهل ((العراق)) يطلقون القبيح على المحرم والمكروه
، وما لا بأس بفعله، وهو ما فيه شبهة قليلة، وإن كان مباحا كسؤر كثير من الحيوان، بخلاف شرب الماء من دجلة لا يقال فيه: لا بأس به.
قال: وإنما قلنا: القبيح هو الذي على صفة لها تأثير في استحقاق الذم، ولم يقل: يستحق لاجله الذم؛ لأن القبيح قد يفعله من لا يذم كالجاهل بحاله في وَطء الأجنبية يظنها امرأته، والبهيمة تفعل القبيح كما قال ولا تذم؛ لأن مناط القبيح المفسدة، والبهيمة قد توقع المفسدة بالقتل وغيره ولا تذم، فلذلك لم يذكر تلك العبارة؛ لأنها لا تمشى على طرق أصحابنا، يعني المعتزلة.
قال المازري في ((شرح البرهان)): قال القاضي أبوبكر: الحسن ما للفاعل أن يفعله، والقبيح ما ليس له أن يفعله، كما قاله أبو الحسين.
وقال القاضي أيضا: الحسن ما ورد الشرع بوجوب تعظيم فاعله، والثناء عليه، والقبيح ما ورد الشرع بانتقاص فاعله، وسوء الثناء عليه، فيندرج المباح في الأول دون الثاني قال: ولا يندرج الواجب في الأول؛ لأنه لا يقال له أن يفعله، بل عليه أني فعله، قال: ويبعد في الشرع أن يسمى المباح حسان، والمكروه قبيحا.
قلت: وهذا الاختلاف للمفسرين في قوله: ((ليجزيهم الله أحسن ما عملوا)) فقيل: لمَ لمْ يقل: بحسب ما عملوا ليعم؟
قيل في الواجب: قال: أحسن ليخرج الحسن الذي هو المباح، فإنه لا جزاء فيه، فكان اللفظ منطبقا بناء على أن المباح مسمى حسنا.
وقيل: بل المراد بالأحسن الواجبات، وبالحسن المندوبات، وقال: أحسن، ليدل على المندوب بطريق الأولى؛ لأن منه سهل عليه بذل العطية العليا سهل عليه بذل العطية سهل عليه بذل العطية الدنيا بطريق الأولى.
التقسيم الثالث
قال الرازي: قالوا: خطاب الله تعالى كما قد يرد بالإقتضاء أو التخيير،
فقد يرد أيضا بجعل الشيء سببا وشرطا ومانعا، فلله تعالى في الزاني حكمان: أحدهما: وجوب الحد عليه، والثاني: جعل الزنا سببا لوجوب الحد؛ لأن الزنا لا يوجب الحد بعينه وبذاته بل بجعل الشارع إياه سببا.
ولقائل أن يقول: إن كان المراد من جعل الزنا سببا لوجوب الحد هو أنه قال: ((متى رأيت انسانا يزني فاعلم أني أوجبت عليه الحد)) فهو حق ولكن يرجع حاصله إلى كون الزنا معرفا بحصول الحكم، وإن كان المراد: أن الشرع جعل الزنا مؤثرا في هذا الحكم، فهذا باطل لثلاثة أوجه:
الأول: أن حكم الله تعالى: كلامه، وكلامه قديم، والقديم لا يعلل بالمحدث.
الثاني: أن الشرع لما جعل الزنا مؤثرا في وجوب هذا الحد، فبعد هذا الجعل إما أن تبقى حقيقة الزنا كما كانت قبل هذا الجعل أو لا تبقى: فإن بقيت كما كانت، وحقيقته قبل هذا الجعل ما كانت مؤثرة فبعد هذا الجعل وجب أن لا تصير مؤثرة، وإن لم تبق تلك الحقيقة، كان هذا إعداما لتلك الحقيقة، الشيء بعد عدمه يستحيل أن يكون موجبا.
الثالث: الشرع إذا جعل الزنا علة، فإن لم يصدر عنه عند ذلك الجعل أمر ألبتة استحال أن يقال إنه جعله علة للحد؛ لأن ذلك كذب، والكذب على الشرع محال.
وإن صدر عنه أمر، فذلك الأمر إما أن يكون هو الحكم، أو ما يوجب الحكم أولا الحكم ولا ما يوجبه.
فإن كان الأول، كان المؤثر في ذلك الحكم هوالشرع لا ذلك السبب.
وإن كان الثاني، كان المؤثر في ذلك الحكم وصفا حقيقيا، وهذا هو قول المعتزلة في الحسن والقبح، وسنبطله، إن شاء الله تعالى.
وإن كان الثالث فهو محال لأن الشارع لما أثر في شيء غير الحكم، وغير مستلزم للحكم لم يكن لذلك الشيء تعلق بالحكم أصلا.
قال القرافي: قوله: ((التقسيم الثالث
…
) إلى آخره هذا القسم يسمى خطاب الوضع والإخبار.
معناه: أن الله - تعالى - شرح لأحكام الإقتضاء، والتخيير أسبابا وشروطا، وموانع، وزاد غيره التقديرات، وهي: إطاء الموجود حكم المعدود، وإعطاء المعدوم حكم الموجود، كتقدير النجاسة المعفو عنها معدومة، ويسير الضرر والجهالة وتقدير الأعيان في السلم، والديون في السلف ونحوه في الذمة مع أنها معدومة.
وقوله: ((أول التقسيم قالوا)): يعني العلماء؛ لأن المعتزلة، والسنة ولاجميع قائلون بخطاب الوضع، غير أنا نفسره بالمعرف، والمعتزلة بالمؤثر.
قوله في الوجه الثاني: ((إن لم تبق الحقيقة كما كانت كان ذلك إعداما لها))، ممنوع؛ لأن الشيء يصدق عليه أنه ما بقي كما كان بأن يعدم، أو بأن يزيد فلعله هاهنا بالزيادة، وهو الواقع عند الخصم، فلا يتم قوله، والشيء بعد عدمه لا يؤثر، لأنها عدمت حينئذ من جهة بقائها على ما كانت عليه، لا من جهة هلاكها في نفسها.